الرياض تسرّع وتيرة برنامجها لتوطين الصناعة الدفاعية

المتغيرات الإقليمية والدولية تشكل محددا رئيسيا في حض السعودية على تسريع برنامجها الطموح لتوطين التكنولوجيا الدفاعية، وتسعى المملكة للاستفادة من التعاون مع شركات دولية كبرى، ودشنت في هذا الإطار معرضا لعرض أحدث التقنيات الدفاعية.
الرياض- تسرّع المملكة العربية السعودية في جهودها لتوطين تكنولوجيا الصناعة الدفاعية، في إطار برنامج طموح لتحقيق ما يزيد عن خمسين في المئة من الاكتفاء الذاتي في المعدات والخدمات العسكرية بحلول العام 2030.
وأظهرت السعودية في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بتعزيز الصناعة العسكرية المحلية، مدفوعة في ذلك بجملة من العوامل من بينها الشروط التي تفرضها بعض الدول الحليفة، على غرار الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية المصنعة، مثل ألمانيا على صفقات الأسلحة مع المملكة، على خلفية النزاع في اليمن.
وانطلقت الأحد النسخة الأولى من معرض الدفاع العالمي 2022 في العاصمة الرياض بمشاركة أكثر من 450 شركة من حوالي 37 دولة، لعرض أحدث تقنيات صناعة الدفاع والأمن عبر مجالات البر والبحر والجو والفضاء وأمن المعلومات.
وكان ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وجه الدعوة للعديد من الشركات العالمية، إلى جانب نخبة من الشخصيات السياسية والعسكرية من حول العالم، للمشاركة في هذا الحدث الذي تنظمه الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية.

وليد أبوخالد: سنوطن أكثر من 50 في المئة من الإنفاق العسكري قبل 2030
ويتمحور المعرض، الذي سيستمر حتى التاسع من مارس الجاري، حول مستقبل صناعة الدفاع عبر استعراض أحدث التطورات التقنية التي توصل إليها العالم، لاسيما في مجال التوافق العملياتي عبر مختلف قطاعات الدفاع.
ويعد معرض الدفاع العالمي أول حدث دفاعي من نوعه في السعودية، ومن المقرر أن يفتح هذا الحدث فرصا للشركات العالمية للمشاركة والاستثمار في السعودية، لاسيما وأن الأمير محمد يشدد على أنه لا مجال مستقبلا “لصفقة سلاح بلا محتوى محلي”.
وتشارك العديد من الشركات العالمية في المعرض، منها لوكهيد مارتن، وبوينج، وجنرال داينامكس، ونافانتيا، وبي.أي.إي سيستمز، و3 هاريس، ونورينكو.
وينضم “المعرض العالمي” في السعودية إلى معارض عربية بارزة بالمنطقة، من بينها معرضا الدفاع الدولي “آيدكس” والدفاع البحري “نافدكس” في الإمارات، واللذان يعدان من أهم المعارض الدفاعية في العالم، ويحضيان باهتمام أبرز الشركات الدفاعية والتكنولوجية.
وتقول أوساط دبلوماسية خليجية إن السعودية لديها من الإمكانيات ما يكفي لبناء صناعة دفاعية قوية، وهي تسعى اليوم لاستغلال هذه الإمكانيات في ظل وعي بخطورة الارتهان إلى الخارج في توريد الأسلحة، والذي تحكمه اشتراطات “مجحفة” أحيانا.
وتعد السعودية من أكبر المستوردين للمشتريات الدفاعية في العالم، حيث استحوذت على مدار السنوات الخمس الماضية على أحد عشر في المئة من واردات الأسلحة العالمية، تسعة وسبعون في المئة منها مصدرها الولايات المتحدة.
وتشير الأوساط إلى أن المتغيرات الإقليمية والدولية تشكل محددا رئيسيا يحض المملكة على المضي قدما في برنامجها الطموح لتوطين التكنولوجيا الدفاعية، لاسيما مع تذبذب العلاقات مع حليفتها الولايات المتحدة، خصوصا في عهد الإدارات الديمقراطية، وإظهار واشنطن رغبة في تخفيف تركيزها على الشرق الأوسط.
وتقول الأوساط إن التفاعل السعودي مع الأزمة الأوكرانية – الروسية، ولاسيما لجهة امتناع الرياض عن تلبية طلب واشنطن في زيادة إنتاج النفط، من شأنه أن يضفي المزيد من التعقيدات على العلاقات السعودية – الأميركية، وإن القيادة في المملكة تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، وهي ستحاول تخفيف الاعتماد على واشنطن وتعزيز انفتاحها على الشرق، بما يشمل ذلك برنامجها لنقل تكنولوجيا التصنيع الدفاعي.
وأعلن الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات العسكرية المهندس وليد أبوخالد الأحد، أن شركتهم تعمل بالتعاون مع مجموعة صينية على إنتاج طائرات دون طيار محلية الصنع، وإنشاء واحد من أكبر مصانع الذخيرة في العالم، وتوطين شتى قطاعات الدفاع.

يوسف العتيبة: نريد أن ينقل الناس تكنولوجياتهم إلى هنا. ونريد أن يطور الناس تكنولوجياتهم هنا
وأوضح المسؤول السعودي، بمناسبة انطلاق النسخة الأولى من معرض الدفاع العالمي، أنه سيتم توطين أكثر من خمسين في المئة من الإنفاق العسكري قبل حلول عام 2030.
وكانت شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة السعودية أعلنت السبت عن اتفاقية استراتيجية مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية لنقل المعرفة، لتصنيع أنظمة حمولات الطائرات دون طيار محليا في المملكة.
جاء ذلك في أعقاب إعلان شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة عن تأسيس شركة جديدة للطائرات دون طيار في المملكة، تحمل اسم شركة الحلول الجوية.
وتم توقيع الاتفاقية الجديدة على هامش منتدى الرياض للدفاع “2022” مع المجموعة الصينية، التي هي تكتل دفاعي مملوك للدولة الصينية ومتخصص في الإلكترونيات ذات الاستخدام المزدوج وواحدة من أكبر شركات الدفاع في العالم.
ووفق المسؤولين السعوديين، فإن الشركة الصينية ستساعد على إنشاء مركز للبحث والتطوير وفريق تصنيع لأنواع مختلفة من أنظمة حمولة الطائرات دون طيار، بما في ذلك وحدات الاتصالات ووحدات التحكم في الطيران وأنظمة الكاميرات وأنظمة الرادار وأنظمة الكشف اللا سلكية.
وتشهد العلاقات السعودية – الصينية تطورا مطردا في مختلف المجالات ومن بينها المجال الدفاعي، ترجمه إبرام اتفاقيات مع شركات حكومية صينية لتوطين العديد من الصناعات العسكرية.
ويقول مراقبون إن السعودية حريصة على تنويع شركائها الدوليين بالتوازي مع الحفاظ على علاقاتها مع الحلفاء التقليديين وفي مقدمتهم الولايات لمتحدة، بوصلتها في ذلك تحقيق مصالحها العليا.
ويشير المراقبون إلى أن هذا التمشي ينسحب أيضا على معظم دول الخليج العربي، وخاصة الإمارات التي أظهرت هي الأخرى في السنوات الأخيرة اهتماما بإبرام شراكات مع مختلف القوى الدولية والإقليمية الوازنة، وحرصا على بلورة برنامج طموح لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لاسيما على صعيد الصناعة العسكرية.
ويرى المراقبون أن ما تعرضت له الإمارات الشهر الماضي من هجمات تبنتها ميليشيات مولية لإيران، والمماطلة الأميركية في إبرام عدد من الصفقات الدفاعية المتطورة بذرائع مختلفة، من بينها الخوف من وقوع التكنولوجيا الأميركية في أياد خطأ، يشكلان حافزا إضافيا على الرهان على الذات في المجال الدفاعي.
السعودية تعد من أكبر المستوردين للمشتريات الدفاعية في العالم، حيث استحوذت على مدار السنوات الخمس الماضية على أحد عشر في المئة من واردات الأسلحة العالمية
وقال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة الأسبوع الماضي “أعتقد أن ليس لنا فقط سجل قوي جدا ونظيف جدا في مجال الحصول على أشد التكنولوجيا الأميركية والغربية الأخرى، بل لنا أيضا سجل متين بصورة لا تصدق في حماية تلك التكنولوجيا”، مضيفا أنه لم يحدث أن وقعت أي تكنولوجيا “في الأيدي الخطأ”.
وأوضح الدبلوماسي الإماراتي في مؤتمر لتكنولوجيا الدفاع في أبوظبي أن بلده يريد تطوير صناعة دفاعية مكتفية ذاتيا، وأضاف “نريد أن تأتي دول وشركات إلى هنا وتقيم الصناعة (…) نريد أن ينقل الناس تكنولوجياتهم إلى هنا. ونريد أن يطور الناس تكنولوجياتهم هنا”.
وقالت الإمارات في ديسمبر الماضي إنها قد تعلّق صفقة متعلقة بمقاتلات أميركية من طراز “أف – 35”، على خلفية بطء واشنطن في تنفيذ تعهداتها بشأن الصفقة التي هي جزء من صفقة أشمل تناهز قيمتها الثلاثة وعشرين مليار دولار، وتتضمن مسيّرات متطورة وذخائر.