الرياض تستكمل سياسة ضخ الأموال في الاقتصاد المصري

تضع مصر رهانا كبيرا على جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية، في خطوة تعزز موقفها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي الذي وضع البلاد في ورطة بسبب طلباته المتمثلة في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخفض أكبر لسعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية.
القاهرة – عزز الصندوق السيادي السعودي المساعي الحثيثة التي تقوم بها القاهرة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عقب إعلانه إطلاق شركة جديدة لإدارة استثماراته بالسوق المصرية في وقت يتأهب فيه لتوظيف مليارات الدولارات خلال الفترة المقبلة.
وقال الصندوق إن الكيان الجديد الذي يحمل اسم “الشركة السعودية المصرية للاستثمار” سيعمل كذراع استثمارية للصندوق السيادي المصري من أجل مساعدته والشركات التابعة له والقطاع الخاص السعودي على الوصول إلى السوق المصرية.
وأعلن الصندوق السعودي في مارس الماضي أنه يتطلع إلى استثمار نحو 10 مليارات دولار، وهي جزء من حزمة قررتها الرياض لدعم الاقتصاد المصري، وشهد هذا الدعم إيداع البلد الخليجي نحو 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري.
وتركز الشركة السعودية – المصرية على الاستثمار في قطاعات حيوية تشمل البنية التحتية والتطوير العقاري والرعاية الصحية والخدمات المالية والأغذية والزراعة والصناعة والأدوية.
إيهاب سعيد: السعودية تساند مصر في مواجهة تعنت صندوق النقد الدولي
وتعد الخطوة استكمالا لضخ استثمارات جديدة من قبل صناديق سيادية خليجية بشكل أكثر إيجابية، لأنها تأتي عبر الاستثمار المشترك بين البلدين.
كما أنها تمثل دعما للاقتصاد المصري للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي الذي طالب القاهرة بزيادة حجم الاستثمارات المباشرة وتحرير كامل لسعر الصرف.
وبدأ السيناريو الخليجي لدعم القاهرة يتبلور بوضوح عندما استحوذت شركة أي.دي.كيو القابضة، أحد الصناديق السيادية لحكومة أبوظبي، على حصص في 5 شركات مصرية في صفقة بلغت قيمتها نحو 1.9 مليار دولار في أبريل الماضي.
وأثنى عدد من المحللين على الخطوة الراهنة، إذ يرون أنها تؤكد التعاون العربي الحقيقي الذي تنتج عنه استثمارات مشتركة تنقل الخبرات بين البلدين. كما أنها تزيل عن الحكومة المصرية شبهة بيع الأصول بثمن بخس، لاسيما أنها تضطر إلى ذلك لحاجتها الضرورية إلى العملة الأجنبية وتلبية حاجيات البلاد من الغذاء والطاقة.
ولن يتوقف نشاط صندوق الثروة السعودي على الاستثمار عبر الشركة الجديدة، إذ يتوقع أن يستحوذ على حصة قدرها 20 في المئة من شركة الفنادق الجديدة التي تنتج عن دمج 7 فنادق مصرية فنادق مملوكة للدولة، بحسب تصريحات وزير قطاع الأعمال هشام توفيق.
وقال المحلل الاقتصادي إيهاب سعيد لـ”العرب” إن “تأسيس الشركة الجديدة خطوة إيجابية للغاية بالنسبة إلى الاقتصاد المصري، لأنها لا تمثل ودائع وتؤكد تنوع فرص الاستثمار في البلاد، ما يفتح الباب لضخ صناديق خليجية أخرى استثمارات جديدة في مصر”.
وشهدت السوق المحلية تدفقا واعدا للاستثمارات الخليجية في الفترة الماضية، حيث تلقت نحو 7 مليارات دولار من ضمن 22 مليار دولار تعهدت بها بعض دول المنطقة لدعم الاقتصاد المصري، ومن المتوقع أن تأتي البقية في الأشهر المقبلة.
ومن شأن الاستثمار الجديد العمل على استقرار سعر صرف الجنيه، والذي يعاني من أزمة بسبب شح الدولار رغم الدخل الذي تدره قناة السويس وإيرادات السياحة.
كما أن شرط تدفق الاستثمارات المباشرة أن يكون سعر الصرف محررا بشكل كامل طالما لا توجد وفرة من العملة الأجنبية في البلاد.
وأكد سعيد أن الإعلان عن الشركة الحالية يأتي في وقت حساس للغاية، ويمثل دعما للحكومة لمواجهة تعنت صندوق النقد، لافتا إلى أن أهم الآفاق الاقتصادية لتأسيس الكيان الجديد خلق فرص عمل جديدة لأنها تمثل استثمارًا حقيقيًا يؤسس المصانع وخطوط الإنتاج الحديثة.
وتسعى القاهرة للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد في ظل تداعيات اقتصادية واسعة للحرب بين روسيا وأوكرانيا، ترتب عليها تكبد الحكومة فاتورة كبيرة من الواردات وزيادة في الأعباء. ولا تزال المحادثات مستمرة بين الطرفين منذ مارس الماضي.
وتحرص الحكومة على تعزيز الاستثمار المباشر وتقليل الاعتماد على الأموال الساخنة التي تهدم اقتصاد الدول لهروبها في أوقات الأزمات.
ومن الضروري تقليل التركيز على جذب أموال المحافظ والاهتمام بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر المتمثل في تدشين المشروعات الجديدة، والذي يترتب عليه نمو الصادرات في مراحل لاحقة.
وتتوسع السعودية في استثماراتها داخل مصر، إذ شهد يونيو الماضي توقيع عدد من الشركات السعودية اتفاقيات لاستثمار بقيمة 7.7 مليار دولار.
ومن بين المشاريع البارزة فيها محطة رياح بقدرة 1.1 غيغاواط تنفذها كل من شركة أكوا باور السعودية وشركة حسن علام القابضة، بجانب اتفاقية بقيمة 3.3 مليار دولار لإنشاء مجمع لتخزين النفط وقعتها شركة عجلان وإخوانه.
إبراهيم الحدودي: طفرة مرتقبة في قطاعات الإنتاج بعد تأسيس الكيان الجديد
وأكد إبراهيم الحدودي، مدير التصدير بشركة الصباح للصناعات الغذائية، لـ”العرب” أن “خطوة الصندوق السعودي ستحدث طفرة كبيرة في قطاعات الإنتاج المختلفة بالبلاد، شرط إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية من التشريعات واللوجستيات”.
كما تزيد الاستثمارات الخليجية من فرص مصر لدعم الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية الذي شهد تراجعا في المدة الأخيرة بسبب سداد المستحقات التي يحين موعدها وتؤرق الحكومة حاليا لعدم وجود سيولة دولارية كافية لسدادها.
ومن المتوقع أن ينعكس تدفق الأموال الخليجية في نهاية المطاف على رفاهية المجتمع وخفض معدلات التضخم وتحسين جودة الحياة والتقليل من حدة الأزمات الاقتصادية.
وأشار الحدودي إلى أن الصندوق السعودي اختار القطاعات التي يستثمر فيها بدقة، وفي مقدمتها الزراعة والأغذية، وهو تخطيط لتأمين الأغذية في البلد الخليجي.
وأوضح أن ذلك يعكس تحوّطا ضدّ التغيرات المناخية في المستقبل والأزمات العالمية المفاجئة التي يترتب عليها ضعف سلاسل الإمداد، كما لا يمكن إنكار العوائد الإيجابية التي تستفيد منها مصر في مجال العملة وخفض البطالة.
وتراهن القاهرة على جذب الاستثمارات الخليجية للوفاء بوعدها تمكين القطاع الخاص المحلي والأجنبي الذي دشنت من أجله وثيقة “سياسة ملكية الدولة”.
وتتضمن الوثيقة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة من 30 إلى 65 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع الحفاظ على نمو بنسبة 7 في المئة أو أكثر للاقتصاد المصري في مواجهة التحديات العالمية.