الرياض تتجه لتجاهل ضغوط ترامب لحماية أسعار النفط

واشنطن – تؤكد تكهنات أسواق النفط أن السعودية ستتجاهل مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض أسعار النفط في العالم، وهي ترجح أن يسفر اجتماع أوبك وحلفائها يومي الخميس والجمعة عن تقييد الإمدادات وحماية الأسعار من الهبوط.
والظاهر أن الرئيس الأميركي يسعى لتحقيق انتصار شخصي من خلال خفض أسعار النفط. لكن عوامل استجدت قد تعطل ضغوطه على المنتجين في ظل تزايد المؤشرات على وفرة الإمدادات في الأسواق.
ويرى خبراء النفط أن اتجاه أسعار النفط نحو الانخفاض قد لا يرضي طموحات الرئيس الأميركي في الزعم بأنه صاحب الفضل في خفض الأسعار. وهو لا يزال يعول على جهود السعودية في العمل على ضبط الإنتاج وفق أجندة الأسعار التي يطمح إليها.
ولا شك أن ضبط السوق النفطية يحتاج إلى إعادة الهدوء إلى الأسواق الدولية والتي يعزى توترها إلى السياسات التي اعتمدتها الإدارة الأميركية والتي أشعلت الحرب التجارية في العالم.
ورغم توصل ترامب إلى هدنة تجارية مع الصين لمدة 3 أشهر، إلا أن الأمر يحتاج للتوصل إلى اتفاق دائم. بالمقابل فإن الاتفاق الأميركي مع كندا والمكسيك يحتاج إلى وقت لتبيان مدى نجاحه في تهدئة التوتر الاقتصادي بين الدول الثلاث، وبالتالي تداعيات ذلك على مستقبل السوق النفطية.
ويخشى المحللون أن تكون هدنة الصين والولايات المتحدة مقدمة لتوتر جديد سينفجر لاحقا طالما أن المسألة عقائدية في فلسفة ترامب التجارية وطالما أن الصين الصاعدة ستقاوم بقوة هذا المنحى العقابي.
ويرى خبراء السوق النفطية أن لا عوامل متوفرة تدفع إلى الاعتقاد بأن الأسعار ذاهبة إلى المزيد من الانخفاض. فإلى جانب مسألة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة والتي لن تطمئن الأسواق رغم الهدنة المعلنة، فإن أسبابا أخرى قد تدفع إلى الاعتقاد بأن الأسعار تميل نحو الارتفاع خلال الأسابيع المقبلة.
ويعتقد الخبراء أن خطط السعودية لا تتحمل تراجع أسعار النفط دون 60 دولارا للبرميل. ولا يعتقد المراقبون أن العلاقة الخاصة التي ينسجها ترامب مع السعودية، وخاصة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستمنع السعودية من تنفيذ خططها الاقتصادية التي تتطلب انتعاش أسعار النفط.
خيارات ترامب السياسية في الشرق الأوسط لا تعني بالضرورة خضوع الرياض لخططه في ميادين السوق النفطي
وتقول مصادر أميركية إن الحراك الأميركي وخاصة داخل الكونغرس في مسألة التعامل مع قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي يدور وفق آلية ذاتية داخلية لا تتأثر بالوعود التي يطلقها ترامب لضبط السوق النفطية، وهو أمر تحبذه الصناعات الأميركية، من خلال التلويح بورقة التعاون الخاص بينه وبين الرياض.
وتعتقد مصادر دبلوماسية أن خيارات ترامب السياسية في الشرق الأوسط لا تعني بالضرورة خضوع الرياض لخططه في ميادين السوق النفطية. وتضيف المصادر أن الرياض تعايشت مع “الترامبية” بصفتها نتاج انتخابات حصلت في الولايات المتحدة، وهي كانت ستتعامل مع أي نتيجة تخرجها صناديق الاقتراع، على نحو يجعل من أولويات المصالح في السياسة والاقتصاد هي ما يقود قرارات الرياض، وخاصة ما يتعلق بالسوق النفطية.
وتؤكد المصادر وجود تقاطع حاليا بين واشنطن والرياض في مسألة مواجهة التحدي الإيراني في الشرق الأوسط. غير أن الرياض تلاحظ يوما بعد يوم أن هذا التقاطع غير موجود في ملفات أخرى.
وتراقب الرياض قواعد الهامش المحدود الذي يتحرك داخله ترامب منذ الانتخابات النصفية الأخيرة في بلاده في نوفمبر الماضي، بمعنى أن “إرضاء” ترامب لم يعد يعني قدرة الأخير على الوقوف داعماً لمصالح السعودية.
ويطرح ذلك أسئلة حول قدرة ترامب على لعب دور أساسي في تحديد مستوى أسعار النفط، طالما أن هذا الأمر سبق تحديده، وسيستمر تحديده، وفق اتفاقات بين موسكو والرياض، والتي أثنى عليها بوتين كما أثنى على دور الأمير محمد بن سلمان في إنجازها.
والأمر لا يتعلق بتحليلات نظرية فقط بل أيضا برغبة سعودية في ألا تتحمل وزر خفض الأسعار وحدها، وهو ما أكده وزير النفط السعودي خالد الفالح، الذي شدد أيضا على أن الرياض حريصة على استقرار أسعار النفط، بما يعزز الآراء التي تقول إن للرياض أولويات لا تتماشى مع أولويات ترامب الداخلية.
وتشير بعض التوقعات إلى أن مستقبل الأزمة مع إيران لا يمكن أن يكون عاملا مساعدا على استقرار أسعار النفط في العالم. وتضيف أن الدول الثماني المستثناة ستنخفض إلى 5 نهاية العام، وأن السوق قد تتعرض لارتباكات تصعب بعدها السيطرة على استقرار السوق والأسعار.
ويرى محللون أن الأزمة مع إيران لا تأخذ الأبعاد الميدانية المفاجئة بعين الاعتبار، التي قد تحوّل العقوبات إلى صدام قد يأخذ أشكالا مقصودة أو طارئة.
ويشيرون إلى إعلان واشنطن عن أن قيام إيران بتجارب صاروخية قد يهدد أوروبا ودول الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد أن الصراع مع إيران يمكن أن يأخذ أبعادا تؤثر على أسعار النفط وتدفعها نحو صعود قد لا يمكن ضبطه.
وتحذر أوساط أميركية من أن خفض الأسعار قد يكون جيدا للمستهلكين وبعض قطاعات الاقتصاد الأميركي، لكنه قد يربك إنتاج النفط الصخري الأميركي، وهو قطاع حيوي يعد بوصول الولايات المتحدة إلى التوقف عن استيراد النفط والتحول إلى تصديره.