الرياضات الميكانيكية تسلك مسارا أخضر

الرياضات الميكانيكية تعتزم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عن طريق اعتماد وسائل نقل فائقة الكفاءة لكن المشكلة تظل قائمة بسبب عوامل أخرى على هامش السباقات.
الاثنين 2019/12/30
مصدر تلوث

سباقات السيارات والدراجات تمتع العديد من عشاق الرياضات الميكانيكية، لكنها تخلّف تلوثا أصبح يقلق خاصة الناشطين البيئيين، لذلك أصبح صنّاع السيارات والمشرفون على مثل هذه الرياضات يبحثون عن إيجاد حلول لتصبح مثل هذه السباقات صديقة للبيئة.

باريس- تخطو الرياضات الميكانيكية خطوات متسارعة نحو خفض الانبعاثات بهدف الحفاظ على البيئة عبر سلوك مسار “أخضر” في ظل اتجاه عالمي لحماية المناخ، اكتسبت زخما في العام 2019، ويتوقع أن تتعزز في 2020.

وانعكس هذا التسارع في مجالات مختلفة حيث رفع بطل العالم البريطاني لويس هاميلتون راية السائق الصديق للبيئة، وتسعى الفورمولا واحد إلى تقليص انبعاثات الكربون بحلول عام 2030.

وبدأت بطولة العالم لـ“فورمولا إي” المخصصة للسيارات الكهربائية تستقطب العديد من الصانعين، وستطلق بطولة العالم للدراجات النارية نسختها الكهربائية الأولى في 2020.

يقول فيليبي كالديرون، الرئيس السابق للمكسيك والحالي للجنة البيئة والتنمية المستدامة التابعة للاتحاد الدولي للسيارات “فيا”، إن “الوسيلة الوحيدة لاستمرار رياضة السيارات والسباقات تكمن في مراعاة ما يجري في العالم، فلا يمكننا أن نواصل تلويث البيئة وكأن شيئا لم يكن.. في حال أردنا أن نجذب الأجيال الشابة، يجب أن نكون مسؤولين” حيال البيئة.

بطل مناصر للبيئة
بطل مناصر للبيئة

ويرى المسؤول عن اللجنة التي أنشئت قبل عامين، أن “المصدر الرئيسي لهذه الحركة هو ضغط الرأي العام، وخاصة بعد مؤتمر المناخ الدولي في باريس عام 2015”، متابعا، “الأقطاب المؤثرون، وخاصة الشركات، يتحملون مسؤولياتهم، ولكنهم يدركون أيضاً وجود تغيّر جذري في خيارات المستهلكين، ويحاولون الحصول على حصتهم في السوق من الشبان”.

إحدى أكبر الدلالات على تبدل الزمن حصلت في 2018، إذ شهدت النسخة السادسة من بطولة العالم لـ“فورمولا إي” المخصصة للسيارات أحادية المقعد الكهربائية مئة بالمئة، مشاركة قياسية مع 10 صانعين، بينهم أسماء كبيرة مثل مرسيدس وبورش وأودي ونيسان وبي.أم.دبليو.

من جهته، اتخذ الصانع الألماني فولكسفاغن الذي تلوثت سمعته بفضيحة التلاعب بمستوى الانبعاثات من محركات الديزل لسياراته في الولايات المتحدة الأميركية، خطوة مهمة بعدما أعلن في نوفمبر الماضي انسحابه من بطولات السيارات العاملة بالوقود.

وجد هذا المسار أفضل ممثل له بشخص بطل العالم للفورمولا واحد ست مرات هاميلتون الذي يتغنى بحملاته لحماية البيئة والحيوانات منذ 2017.

وأثار سائق مرسيدس المتوج في 2019 بلقبه الثالث تواليا والسادس في مسيرته، جدلا بعدما انتقد عبر مواقع التواصل، الزراعة المكثفة وكلفتها على البيئة، ليقابل بردود لاذعة على خلفية دوره السلبي في حماية البيئة، بسبب نشاطه المهني ورحلاته المتعددة.

لكن البطل البريطاني قابل ذلك بالقول، “أن تكون جزءا من المشكلة ليس الأهم، بل أن تكون جزءا من الحل هو الأهم”. لم ينحصر التوجّه البيئي في السيارات فقط، فبحسب رئيس الاتحاد الدولي للدراجات النارية جورج فييغاس، تشغل رياضات المحركات دورا محوريا في عالم اليوم “ولهذا السبب علينا أن نمهد الطريق”.

وأطلق اتحاد الدراجات “فيم” في العام 2013، برنامجا للتوعية على التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، ستنظم بطولة للدراجات الكهربائية كبطولة مساندة للفئة الأولى “موتو.جي.بي”، بمشاركة صانع وحيد هو “إينيرجيكا”.

ويوضح فييغاس، “هذه هي الطريقة التي بدأنا من خلالها بتمهيد الطريق، لكننا نعتمد كثيرا على الصانعين الذين شرعوا في تطوير محركات كهربائية، إلا أننا نواجه مشكلة لا تعاني منها السيارات وهي وزن البطاريات”.

وسلكت بطولات مسارا كهربائيا بشكل تدريجي في الأعوام الماضية، منها محركات هجينة في الفورمولا واحد منذ 2014، وفي بطولة العالم للتحمل منذ 2012، وبطولة العالم للراليات بدءا من 2022، ومحركات كهربائية مئة بالمئة في الفورمولا إي منذ 2014، وبطولة العالم لـ”موتو إي” (دراجات) بدءا من 2020.

وفي سياق موازٍ، تكتشف الحلبات مسارات أخرى مع استخدام الوقود الحيوي وخاصة الهيدروجين. وسيطال تطوير السباقات بيئيا، منافسات بطولة ألمانيا للسيارات سوبر السياحية “دي.تي.أم”، بحسب مديرها النمسوي غيرهارد بيرغر.

ومع اتجاهها للاعتماد على سيارات كهربائية مستقبلا، يؤكد السائق السابق للفورمولا واحد، “هذه هي المساهمة التي يمكننا، ونريد تقديمها”.

السيارات الكهربائية مستقبل السباقات
السيارات الكهربائية مستقبل السباقات

من جهته، يرى المفوض العام لجمعية “التحرك من أجل البيئة” الفرنسي ستيفان كيركهوف، انه “بغض النظر عن المحرك، إن كان كهربائيا أو هجينا ‘هايبريد’، فإن الهدف هو تقليل الانبعاثات”. وتابع، “نظرا إلى أن هدف الرياضات الميكانيكية هو سرعة أكبر وسيارات أقوى، سيؤثر ذلك حتما على استهلاك العربات، نحن نقلل من عدم كفاءة الطاقة”.

المفارقة في كل ما تقدم، أن السباقات لا تعتبر في ذاتها المصدر الأكبر للتلوث المرتبط برياضة السيارات، بل يشمل ذلك أمورا عدة على الهامش.

فمن أصل 256551 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الفورمولا واحد خلال 2019، ترتبط نسبة 0.7 بالمئة فقط بالمحركات، بينما تتوزع النسبة المتبقية على نشاطات أخرى على الحلبات 7.3 بالمئة، ونقل المعدات 45 بالمئة، والسفر 27.7 بالمئة، وعمليات المكاتب والمصانع 19.3 بالمئة، بحسب أرقام نشرت في نوفمبر.

لهذه الأسباب، أعلنت الفئة الأولى لرياضة السيارات عزمها خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير عن طريق اعتماد “الخدمات اللوجستية ووسائل نقل فائقة الكفاءة، إلى المكاتب والمنشآت والمصانع التي تعمل بطاقة متجددة بنسبة 100 بالمئة”.

ومع الخطوات الأولى للسيارات والدراجات على المسار البيئي، يرى معنيون أن المشكلة لا تزال أكبر، وتتعدى رياضات السرعة، ومنهم نيكولا بروست، نجل بطل العالم السابق للفورمولا واحد أربع مرات الفرنسي ألان.

يقول السائق السابق لفورمولا إي والمشارك في كأس أندروز، وهي بطولة تقام على مسارات ثلجية وجليدية كانت مهد إطلاق السيارات الكهربائية عام 2009، “ثمة العديد من الرياضات التي تساهم في التلوث بطريقة مختلفة، ويجب عليها جميعها أن تُعيد التفكير، وأن تكون صديقة أكثر للبيئة”.

20