الروس طوق نجاة السياحة التونسية من كبوة الجائحة

حمل قدوم طلائع سياح روس إلى تونس مؤشرات أمل لإنعاش قطاع السياحة الراكد بسبب الجائحة، حيث تعتمد السلطات التونسية على إجراءات صحية مرنة، ما شجعهم على القدوم إلى تونس للتنزه والتوجه نحو المنتجعات دون قيود، ليمثل بذلك الروس طوق نجاة للسياحة التونسية بعد إنقاذها سابقا عقب الاضطرابات الأمنية.
سوسة (تونس) - حفّز قدوم سياح روس إلى شواطئ تونس وسواحلها الموسم السياحي في البلد، ما أسهم في إشاعة زخم على الاقتصاد المنهك ومنح آمالا للفاعلين في القطاع لتحريك قطاعهم واستعادة فرص العمل فيه بعد أشهر من الركود نتيجة جائحة كورونا.
ويحرس أيمن عبدالله شاطئا شبه خالٍ في مدينة سوسة الساحلية شرق تونس وبضع سيّاح روس بدأوا يتوافدون على الرغم من خطورة الوضع الصحي بسبب جائحة كوفيد، لكن “ضرورة العمل أقوى من الخوف من العدوى” وفق تعبيره.
وتحاول تونس إنقاذ ما أمكن من موسمها السياحي الذي يواجه للعام الثاني على التوالي تراجعا كبيرا بسبب الجائحة.
ويقول أيمن الذي يعمل سباحا منقذا وقد وضع كمامة ونظارات شمسية “إمّا العمل أو الموت جوعا”، معربا عن ارتياحه لتمكنه من استئناف عمله بعد ثمانية أشهر من البطالة في قطاع السياحة الذي يواجه صعوبات متواصلة منذ نحو عشر سنوات.
وفي 29 أبريل، فتحت البلاد مجالها أمام وكلاء السفر لجلب السيّاح من مختلف أنحاء العالم، بينما سجلت الوفيات جراء الوباء أرقاما قياسية خلال الأسابيع الماضية وتشهد المستشفيات اكتظاظا ونقصا في الأوكسجين، ما دفع السلطات الصحية إلى فرض إغلاق تام لأسبوع خلال فترة عيد الفطر.
144
مليون يورو مداخيل السياحة حتى مايو مقارنة بنحو 404 مليون يورو قبل عامين
ومذّاك التاريخ تصل إلى تونس نحو عشر رحلات أسبوعيا بمطار النفيضة شرق البلاد حيث يُنقل السياح وغالبيتهم من الروس ومن أوروبا الشرقية إلى مناطق سياحية على غرار الحمامات وسوسة.
وبعد أن كانت أعدادهم قليلة مقارنة بالقادمين من غرب أوروبا، ساهم السياح من هذه الجنسيات منذ سنوات في إنقاذ المواسم السياحية في تونس إثر الأزمات الأمنية التي مرت بها البلاد.
وكان القطاع قد بدأ في التعافي بالفعل بعد سنوات من الاضطراب السياسي والأمني، ولكنه مرّ بظروف صعبة العام الماضي مع تفشي الجائحة. والآن يتوقع المسؤولون أن تكون بداية التعافي هذا الموسم ليتمكن النشاط السياحي، الذي يشغل حوالي نصف مليون شخص ويساهم بحولي 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من النهوض من جديد.
ففي العام 2015، وإثر هجوم مسلح استهدف سيّاحا في متحف باردو بالعاصمة ومنتجعا سياحيا في محافظة سوسة (قتل فيه 59 سائحا أجنبيا) شهد القطاع الذي يعد ركيزة للاقتصاد، أسوأ أزمة.
وكان للسياح الروس الذين قدموا إلى تونس بعد الأعمال الإرهابية في عام 2015 دور كبير في إنعاش القطاع حيث تظهر بيانات جمعية منظمي الرحلات الروس أن أكثر من 623 سائحا روسيا زاروا البلاد في 2016، وهو رقم قياسي لم يسبق أن بلغته تونس من قبل، ثم تتالت الرحلات القادمة من روسيا في السنوات الثلاث التالية قبل أن تنحسر في العام الماضي.
لكن التراجع الذي سببته الجائحة أعمق وأشد، فقد تراجعت المداخيل بنحو 54 في المئة بمقارنة سنوية. ويصل التباين إلى أكثر من 60 في المئة مقارنة بعام 2019 إذ مثلت المداخيل 144 مليون يورو حتى تاريخ 10 مايو الحالي، مقابل 404 ملايين يورو قبل عامين.
ويقول أيمن “عادة ما تكون الشواطئ ممتلئة بالسياح، لكنها اليوم مقفرة”.
ووضعت السلطات الصحية بروتوكولا لا يسمح بإشغال يتجاوز 50 في المئة داخل الفنادق ولكن غالبية المنشآت السياحة لا تتمكن من استقطاب هذه النسبة.
ويقول مساعد مدير أحد الفنادق في محافظة سوسة عادل مليح “لا نحقق أرباحا بطاقة استيعاب في حدود 30 في المئة”.
ويوظف هذا الفندق عادة بين 260 و270 عاملا، لكن هذا العام اقتصر على ما بين 110 و120.
وفي حين فرضت دول أوروبية قيودا مشددة على السفر، تحدى سيّاح من روسيا وأوكرانيا وتشيكيا وبولندا الوباء.

ويقول السائح أندريه راديوكوف القادم من موسكو “لا يوجد الكثير من الدول التي يمكن أن نسافر إليها. أغلقت تركيا حدودها لذلك اخترنا تونس”.
ولم يتلق هذا السائح كما غالبية من وصلوا معه جرعتي اللقاح المضاد لكورونا لأنه كما يقول “أصبنا بكوفيد قبل شهرين ولا نشعر بالخوف”.
وينطلق الموسم السياحي في تونس وقد سجلت البلاد أكثر من 12 ألف وفاة بسبب الفايروس من مجموع سكان يناهز 12 مليونا وعدد الذين تلقوا اللقاح لا يزال محدودا جدا.
وفي فندق المرادي، تستمتع سائحات بالرقص على أنغام الموسيقى بالقرب من المسبح.
ويؤكد مدير التسويق بفندق موفنبيك المجاور زياد المغربي “لا يكترث السياح من أوروبا الشرقية بمدى السيطرة على الجائحة.. ركزنا العمل على هؤلاء السياح لأنهم لا يخشون السفر”.
ويقول السائح البلغاري سيرافيم ستوينوفسكي وهو طالب حقوق “القيود ليست مشددة هنا مقارنة بدول أخرى.. اخترنا تونس لهذه الأسباب. باستطاعتنا الخروج للتنزه وكذلك إلى المطعم وشرب قهوة حيثما أردنا”.
ويشترط على السيّاح القادمين من الخارج الاستظهار بنتائج تحليل سلبية للفايروس عند الوصول، في حين يُفرض على كل وافد من غير السيّاح أن يقضي فترة حجر صحيّ إلزامية تدوم من خمسة إلى سبعة أيّام على حسابه الخاص.
كما يخضع السيّاح القادمون إلى تونس ضمن رحلات منظمة إلى تحاليل فورية تشمل 10 في المئة من عدد ركاب الرحلة.
غير أن خروج السياح من مكان الإقامة مقيّد لكن “باستطاعتهم المشاركة في رحلات تنزه تحت مراقبة وإشراف وكالات السفر لكي يتم تطبيق البروتوكول الصحي”، على ما يشدد المدير الجهوي للسياحة بسوسة توفيق القايد.
ولا أمل أمام البلاد بالسماح للسياح بالتنقل بحرية أكبر سوى بتكثيف حملات التطعيم ضد الفايروس في حين لم يتلق سوى 2 في المئة من التونسيين اللقاح.
ويضيف القايد “نتعلق بكل أمل” لتحقيق هدف استقبال مليون سائح هذا العام مقارنة بتسعة ملايين زاروا تونس في 2019.