الرواية والتلفزيون

ما من شك أن التلفزيون ساهم بقدر كبير في التعريف بأعمال روائية كثيرة، كما فعلت قبلها السينما، ولو أن أصحاب تلك الروايات لم يكونوا راضين تماما عن الأعمال الدرامية المنجزة، إما لأن المخرجين حوّروا فيها ما يعدّونه جوهريا في نصوصهم، أو لأنهم بتروها بشكل مخلّ، أو أدخلوا عليها من العناصر ما لا يستقيم مع الأصل.
ومما يذكر أن ترومان كابوتي استاء من التغييرات التي أجريت على أعماله، ونابوكوف أنكر إخراج ستانلي كوبريك لروايته "لوليتا"، وسكوت فيتزجيرالد رفع دعوى ضد استوديوهات هوليوود لعدم إشراكه في عملية الخلق النهائية.
ولا نعرف بالضبط موقف يوسف السباعي وعبدالحليم عبدالله ويحيى حقي ونجيب محفوظ من الأفلام والمسلسلات التي نهضت على نصوصهم، ولكن الثابت أن السينما ثم التلفزيون كان لهما دور كبير في التعريف بتلك الأعمال، بل منهما ما تدارك نقائص العمل الأصلي كما في "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، ومنهما ما شوّهه تماما كما حصل لـ"لا أحد ينام في الإسكندرية" لإبراهيم عبدالمجيد، وقد صرّح لي شخصيا أن التلفزيون المصري لم يبق من روايته غير العنوان.
ولعل تلك من الأسباب التي دفعت الاستوديوهات الأميركية الكبرى إلى الاستنجاد بالروائيين في وضع مسلسلات، على غرار نظيراتها في ثلاثينات القرن الماضي، حينما سمحت لوليم فوكنر وريمون شاندلر ونتنائيل ويست بكتابة سيناريوهات عن رواياتهم أو بوضع سيناريوهات مبتكرة لأفلام سردية.
ولكن في هذه المرة ناب التلفزيون عن السينما في دعوة الأسماء اللامعة، أمثال ستيفن كينغ، وجوناثان فرانزن، وسلمان رشدي، ومايكال شابون، إلى اقتباس مسلسلات من رواياتهم، أو المساهمة في كتابة حلقات مسلسلات، كل حسب مجال اهتمامه، أو ابتكار مسلسلات جديدة.
وإذا كان بعضهم قد ارتدّ بعد تجربة، لأنه اكتشف أن المسلسلات التلفزيونية ماكنات جماعية، مكونة من فرق متعددة لا تني تتغير، يُعهد إليها بكتابة أجزاء يتخير منها المنتج ما يروقه، فإن آخرين يؤمنون بأنها خير وسيلة لنقل الأفكار وسرد الحكايات، على حدّ عبارة سلمان رشدي، بل أفضل أداة لتغيير الفن الروائي كما صرّحت جينيفر إيغان.
وأيا ما تكن الآراء، فالواضح أننا نشهد ثورة مضاعفة. فمن جهة تستمدّ الكتابة الروائية من المسلسلات بنيتها وثيماتها وتضافر أحداثها وكثافة حوارها والتباس غاياتها الأخلاقية.
ومن جهة أخرى، تتولد الكتابة التلفزيونية مما أسماه دفيد سيمون، صاحب المسلسل الرائع “السلك”، رواياتٍ بصرية تشكل كل حلقة فيها فصلا بذاته كما في الروايات الكلاسيكية. وبذلك يغدو المسلسل رواية العصر الحديث.