الروايات والمتاحف

الاثنين 2015/06/08

تلتقط الرواية مشاهد من الحياة، تعيد عرضها بطريقتها الأدبيّة، تؤرشف من خلالها للأزمنة والأمكنة والشخصيات، تمتح من الواقع وتعود إليه، وهي أشبه ما تكون بمتحف للمواقف والانفعالات والأفكار والرؤى والتصوّرات والأحلام، ويمكن من خلالها التعرّف إلى تراث شعب، وإلى ثقافته وتاريخه وجغرافيته، والأهمّ إلى خبايا أبنائه ودواخلهم، ونظرتهم لأنفسهم وللآخرين.

كل رواية تشبه متحفا متنقّلا، أثريت أحداثها بالتاريخيّ، والعريق، تفتح بوّاباتها أمام قارئها، الذي يماثل زائر المتحف في دخوله عتبات عالم جديد، ينطوي على القديم ويتجدّد عبره، يكتسي حلله من تفاصيل المجتمع وحياة أبنائه من دون أيّة تزييف، يشرع بالانفتاح على التاريخ ويبحر بين طيّاته وثناياه.

يشبّه التركيّ أورهان باموك في كتابه “الروائيّ الساذج والحسّاس” الروايات بالمتاحف، ذلك أنّها تشكّل أرشيفا غنيا وقويّا للمشاعر الإنسانية المشتركة، وتحتوي وجهات نظرنا حول الأمور العادية، إيماءاتنا، تعبيراتنا، وسلوكنا. يقول إنّه عندما نقف أمام لوحة أو شيء ما في المتاحف، نستطيع فقط أن نخمّن، بمساعدة الدليل، أيّ دور لعبته هذه القطعة في حياة الناس، قصصهم والعالم، ولكن في الرواية، توصف وتحفظ الصور، الأشياء، الحوارات، الروائح، القصص، التصورات والمشاعر كجزء متكامل من الحياة اليومية لذلك العصر. ويجد أنّ خاصّية الأرشفة في الرواية تكمن في قدرتها على حفظ العادات، التصورات، وأنماط الحياة، هي خاصية ذات صلة مميزة عندما تسجّل اللغة اليومية العفوية.

يعتقد صاحب “متحف البراءة” أنّ الإنسان المعاصر يقرأ الروايات ويحتاجها ليشعر بالأمان في هذا العالم، لأنّ علاقته مع الكون الذي يعيش فيه مشوّشة، وبهذا المعنى أوجد التحوّل من السذاجة إلى الوعي. يبيّن أنّ المتعة التي يشعر بها قارئ الرواية تختلف عن تلك التي يشعر بها زائر المتحف، لأنّ الرواية، بدلا من الحفاظ على الأشياء نفسها، تحفظ مواجهاتنا مع هذه الأشياء، أو إدراكنا لها.

تجمع الرواية الفنون الأدبيّة، تنفتح عليها، تكتسب منها وتضيف إليها، وهي في ذلك أيضا تشبه المتحف الذي يضمّ فنون العصور وإبداعات البشر في أزمنة سابقة، ومعاصرة، فقد تكون رواية ما بمثابة متحف للفنّ للحديث، وأخرى صورة للفنّ القديم، وثالثة تكون متحفا لصناعات أو موادّ بعينها.

للرواية كما المتحف،أركان، فنّيات الرواية هي أعمدتها التي تحاكي قطع المتحف النادرة، وهي في تقاطعها الرمزيّ مع اللقى الأثريّة، تكون تحفة الروائيّ الأثيرة، التي ينقل من خلالها إلى قرّائه ذخائر الشعوب ودررها، تلك التي تتمثّل في العبر والحكم، في الحكايات والصور، في البحث عن سبل لإدهاش القارئ، وإثارة فضوله، ودفعه إلى النبش والسؤال.

كاتب من سوريا

15