الرواتب مقابل النفط.. العبادي يحشر أربيل في الزاوية
رغم أن عرض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دفع رواتب موظفي إقليم كردستان، مقابل تسليم جميع صادرات الإقليم من النفط، لا يعدو كونه محاولة للهروب إلى الأمام من أزمة بغداد السياسية والمالية الخانقة، إلا أنه وجه بالفعل ضربة قاسية لحكومة أربيل.
لا بد أن العبادي كان يدرك منذ البداية أن أربيل لن تقبل بذلك، لأن العرض شكلي، وعوائد تسليم جميع النفط المنتج في الإقليم ومن حقول كركوك، يساوي تقريبا فاتورة جميع رواتب موظفي الإقليم، لكنه لن يعالج أزمة حكومة أربيل المالية الخانقة في الجوانب الأخرى.
فالبيانات الرسمية الصادرة عن حكومة أربيل، تقول إن عدد موظفي الإقليم يصل إلى 1.4 مليون موظف، وأن رواتبهم تبلغ نحو 750 مليون دولار. لكنها تؤكد أيضا أنها حققت عوائد تبلغ نحو 4 مليارات دولار في النصف الثاني من العام الماضي، أي ما يعادل فاتورة تلك الرواتب.
بعبارة أخرى فإن العرض، لن يكلف حكومة العبادي دولارا واحدا، أي أن بغداد ستتسلم عوائد النفط لتعطيها مرة أخرى لحكومة الإقليم، وربما تعطيهم أقل من العوائد وتحقق أرباحا من الصفقة، إذا ارتفعت أسعار النفط في الأشهر المقبلة، أو ارتفعت صادرات الإقليم.
العرض غير قابل للتنفيذ، لأن مشكلة الإقليم المالية لا تقتصر على الرواتب، بل تمتد إلى فواتير تسيير حكومة الإقليم وتقديم الخدمات، إضافة إلى مستحقات شركات النفط الأجنبية المتراكمة، والتي لا يشير إليها العرض.
ولذلك شعرت حكومة الإقليم بخطورة الفخ الذي نصبه العبادي لها، والموقف الحرج الذي وضعها فيه أمام سكان الإقليم الغاضبين من خفض الرواتب، والذين سيقفون أمام عنوان العرض فقط ليحلموا بالحصول على رواتبهم كاملة.
وبذلك يمكن أن أن تتحول الحكومة الاتحادية في ضائقتهم المالية الخانقة إلى نوع من المنقذ، وحكومة الإقليم إلى خصم يحاول حرمانهم من رواتبهم.
وقد أدت تلك الضربة المباغتة إلى تخبط أربيل بين قبول العرض منعا للإحراج أمام موظفي الإقليم الغاضبين، وبين الانتقال إلى تحدي العبادي، أن يكون قادرا على الوفاء بهذا التعهد.
حكومة أربيل، أنقذت نفسها مؤقتا بذلك التحدي، لأنها تعلم أن تطبيق العرض مستحيل في الأمد القصير، وأن خزائن العبادي خاوية، وتفرض عليه أن ينتظر بيع النفط، إذا كانت ستسلمه أربيل أصلا، لكي يتمكن من تسديد الرواتب ومستحقاتها المتأخرة.
رغم أن عرض العبادي ولد ميتا، ومن المستحيل أن تستجيب له أربيل، لكنه يمثل ضربة قاسية لحكومة الإقليم، لأن الذين يعانون من الأزمة المالية في الإقليم لن ينسوا ذلك العرض، رغم عدم تنفيذه.
كما أنه يلقي بذخيرة وفيرة لخصوم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مثل حزب التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني وبقية الخصوم، ويسلط الضوء على مشكلة إصرار مسعود البارزاني على البقاء في رئاسة الإقليم.
كما أنه يوجه ضربة قاسية لطموحات الإقليم الانفصالية، في وقت لا تملك فيه أربيل أي وسيلة لتخفيف أزمتها المالية واحتواء الملفات المتفجرة.
ما عرضه العبادي، أقسى على أربيل من الاتفاق النفطي السابق، الذي كان ينص على تسليم 550 ألف برميل يوميا من إنتاج كركوك والإقليم، لأنه يطالب بتسليم جميع الإنتاج، الذي يزيد حاليا على 600 ألف برميل، وقد يرتفع كثيرا عن تلك المستويات.
قد تجد أربيل نفسها مجبرة على قبول عرض العبادي لإحراجه في التفاصيل التطبيقية، بدل أن تتقبل كرة النار الملتهبة التي ألقاها عليها.
وقد تخفت هذه الزوبعة، التي كانت مجرد محاولة للهروب إلى الأمام من قبل حكومة العبادي، لحرف الأنظار عن مشاكلها السياسية والاقتصادية الخانقة.
لكنها ستترك آثارا يصعب محوها من خارطة التوازنات في الإقليم، تمتد من مواقف الأطراف السياسية المناوئة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وصولا إلى جيش الموظفين والبيشمركة الذين لن يتمكنوا من مسح عرض الحصول على رواتبهم كاملة من الذاكرة، وهم يعانون أزمة مالية خانقة.