الرواتب المنقوصة تثقل كاهل الموظفين الفلسطينيين

رام الله - يضطر الموظفون الحكوميون في الضفة الغربية للابتعاد عن مناسباتهم الاجتماعية وعادات توارثوها عن الآباء والأجداد في تقديم الهدايا بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي وصلوا إليه بعد مضيهم أكثر من عامين يتقاضون رواتب منقوصة من الحكومة.
وتمر الحكومة الفلسطينية بوضع اقتصادي صعب وصف بأنه الأزمة الأعنف منذ أعوام طويلة، في ظل اقتطاع إسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية وتراجع كبير في الدعم الدولي والعربي للخزينة الفلسطينية.
ويقول نضال محمود المعلم في وزارة التربية والتعليم لوكالة أنباء شينخوا إن الموظف يشعر بضيق العيش وسوء الحال لعدم قدرته على تلبية أغلب الاحتياجات مع تواصل الأزمة لأكثر من عامين والارتفاع المتزايد في الأسعار.
ويضيف محمود الذي يشكو صعوبة الحال أنه يلتزم بعلاقات اجتماعية يترتب عليها إنفاق أموال لا يملكها لسداد الديون الاجتماعية (تقديم هدايا في الأعراس أو مبلغ مالي للعريس أو مناسبات أخرى) والتي كان قد أخذها في مناسبات خاصة له.
ويتابع محمود أن الأزمة ضاعفت من المسؤولية على عاتق الموظف الذي لا يجد مصدر دخل إضافيا، فيما لا توجد أي تسهيلات مادية في ما يتعلق بتوفير المياه والكهرباء وكذلك أقساط الجامعات لمن لديه أبناء في الجامعة، مشيرا إلى أن الموظفين يلتزمون بدوام كامل فيما يتلقون رواتب منقوصة.
ويرى أن المناسبات الاجتماعية التي يلتزم بها المجتمع الفلسطيني نظرا للترابط الاجتماعي تضيف عامل ضغط على جيوب الموظفين مثل الزواج أو التخرج من الجامعة والنجاح في الثانوية العامة إلى قدوم مولود جديد وكلها تحتاج إلى إنفاق مادي إضافي من الموظف.
ولم يكن الحال أفضل للموظف ضياء مجدي الذي يشتكي من أن الضائقة المالية منذ عامين يعاني منها الموظف الفلسطيني بشكل متزايد وأصبحت تلقي بظلالها على كثير من العادات الاجتماعية التي بدأ الموظف التخلي عنها.
ويقول مجدي بينما يعرض دعوة إلى فرح أحد أقربائه، إن المناسبة الاجتماعية التزام على الموظف الذي بدأ التهرب منها لعدم تمكنه من توفير المال لحضورها أو للقيام بواجبه.
ويضيف أن ارتفاع الأسعار وتراكم الديون جعلا الموظف يلتزم بأكثر الاحتياجات الضرورية ويبتعد عن بعض الأمور غير الضرورية، إلى جانب لجوء الموظف للبحث إما عن اقتراض مبلغ مالي من البنوك أو توفير مصدر عيش آخر للإيفاء بالتزاماته.
والى جانب ذلك يقول مجدي إن الكثير من الموظفين لجأوا للحصول على تقاعد مبكر رغم أنه لا يتعدى نسبة 50 في المئة من الراتب من أجل الذهاب للعمل في إسرائيل لتوفير مقومات حياتهم رغم تقدمهم في السن ورغم ما وصلوا إليه من مستويات اجتماعية أو على مستوى الوظيفة.
ويقدر عدد الموظفين في الأراضي الفلسطينية بأكثر من 134 ألفا نصفهم في الضفة الغربية والنصف الأخر في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس بينما تبلغ قيمة فاتورة أجورهم الشهرية نحو 160 مليون دولار.
واعتبر وزير التنمية الاجتماعية في الحكومة الفلسطينية أحمد مجدلاني أن الأزمة المالية للحكومة “ليست نابعة من سوء إدارة أو سوء أداء حكومي اقتصادي ومالي على الإطلاق وإنما بسبب الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال الضرائب وتراجع الدعم العربي والدولي”.
ويشير مجدلاني إلى أن “الحصار الدولي المفروض على الحكومة الفلسطينية منذ عام 2017 وهو في تزايد مستمر، وبالتالي لغاية الآن في ظل انسداد عملية السلام مع إسرائيل وحالة الفراغ التي تركتها الإدارة الأميركية لا نستطيع الحديث عن حل قريب للأزمة المالية للحكومة”.
ويرى مجدلاني أن الأزمة الحالية “لا تحد من قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين فقط، وإنما في مجمل الخدمات العامة على الرغم من حرصنا خلال الأزمة على قطاع الحماية الاجتماعية سواء الصحة أو التعليم والخدمات”.
وبحسب مسؤولين فلسطينيين فإن الدعم المالي الخارجي للسلطة الفلسطينية توقف بدءا من العام 2017 عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقف تمويل بلاده للموازنة التي تتراوح بين 150 و200 مليون دولار سنويا، كما توقف الدعم العربي البالغ 250 مليون دولار من يونيو 2020.
◙ وضع الموظفين الحكوميين ينعكس سلبا على الوضع والأداء الاقتصادي بشكل عام من حيث ضعف الاستثمار وضعف الحركة التجارية
وقال الخبير الاقتصادي من رام الله طارق الحاج إن أزمة الرواتب جعلت الموظفين الحكوميين يعيشون في عزلة عن محيطهم الاجتماعي بسبب تغيبهم عن بعض المناسبات، ومن ناحية ثانية أجبرت الموظفين على الاقتراض لتأمين تلك الالتزامات وهذا عامل نفسي ضاغط على الموظف.
وذكر الحاج أن وضع الموظفين الحكوميين ينعكس سلبا على الوضع والأداء الاقتصادي بشكل عام من حيث ضعف الاستثمار وضعف الحركة التجارية. وحول النمو الاقتصادي الذي حققته الحكومة الفلسطينية يوضح الحاج أن النمو ظاهري وليس حقيقيا، بمعنى أنه في مواسم الإنفاق يرتفع، إلى جانب أن هناك حوالات المغتربين بالخارج التي تصل إلى حوالي 3 مليارات دولار.
ووفقا لاتفاقات أوسلو العام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تجمع إسرائيل الضرائب وتحولها بعد ذلك إلى وزارة المالية الفلسطينية وتقدر بأكثر من مليار دولار سنويا. وتستقطع إسرائيل نسبة 3 في المئة من إجمالي قيمة الضرائب المحولة نظير جمعها لها كما أنها تستقطع منها الديون الفلسطينية مقابل توريد البترول والكهرباء وخدمات أخرى.
وتشكل عائدات الضرائب نحو 60 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة للحكومة الفلسطينية. وتقوم إسرائيل منذ نحو عامين باقتطاع مبالغ مالية من عائدات الضرائب الفلسطينية بما يعادل ما تدفعه السلطة كرواتب لعائلات الأسرى، ما تسبب في أزمة اقتصادية للسلطة الفلسطينية.