الروائي العربي وألغام الطائفية
من المواضيع التي تطرحها الرواية؛ الطائفية، وهي علة متجذرة في العالم العربي، وليس من السهولة الاستشفاء منها، والخطير أن هناك مصابين بها لا يعتبرونها علة أصلا، بل قد تجد بعضهم يتبجّح بها، ويباهي غيره أو ينتقص من قيمتهم من خلالها.
استنطاق بعض الشخصيات الروائية وتقديمها كدال على هذا الطرف أو ذاك، لا يعتبر تبنيا لوجهة النظر التي يعبر عنها، وقد يكون ما يتفوه به منافيا للحقيقة والمنطق، لكنّه يبقى ترميزا إلى حال جماعة ينتمي إليها. من ذلك مثلا رواية “مقبرة براغ” للإيطاليّ أمبرتو إيكو الذي يطلق بطله النقيب سيمونيني أحكامه العامة المسبقة وصورة النمطية المقيدة على أتباع الديانات، والشعوب والقوميات الأوروبية، فيصفها بأقذر ما يشاع عنها. وما تتفوه به كل جماعة في سرّها عن الأخرى من تشويهات.
قارب الروائيّ العربيّ المعاصر جوانب من الحالة الطائفية، وشخّصها في أعماله بحيث أثار نقاشا حول قضية مؤثرة في الحياة الواقعية، وقام بتظهير صور من الواقع وتقديمه وتشريحه، ملامسا لقضاياه وهمومه، ليس بعيدا عنها أو مدّعيا الترفّع عنها وكأنّها ستلاحقه كتهمة ويعيّر بها كنقيصة.
أزاح بعض الروايات الستار عن الممارسات الطائفية التي تقترف في واقع بلدانها، ومن هذه الروايات مثلا رواية “السوريّون الأعداء” للسوريّ فواز حداد الذي صوّر في بعض فصولها توظيف النظام لأفراد كثر منتمين إلى الطائفة العلوية، وغيرها من الطوائف والقوميات بنسبة ما، في خدمة مصالحه مقابل امتيازات، وهذا صدى للواقع السوريّ المَعيش، ولا يعتبر إساءة لطائفة برمّتها بقدر ما يكون إشارة إلى توريط النظام للكثير من أبنائها في مستنقعه، وتقديمهم وقودا في حربه.
كذلك يمكن تذكّر رواية “جحيم الراهب” للعراقيّ شاكر نوري الذي صوّر جزءا من تهجير المسيحيين من بعض مناطق العراق، ودفعهم إلى ترك أرضهم ومكانهم على أيدي جماعات تتاجر باسم الطائفية، سواء كانت سنية أو شيعية، وباسم القومية، سواء كانت كردية أو عربية.
هناك أيضا روايات عراقية أخرى عديدة تطرقت إلى الموضوع وأبرزته من جوانب مختلفة، بحيث رصدت الصراع الطائفي المقيت ووثقت بعض تجلياته الواقعية روائيّا. منها “يا مريم” لسنان أنطون، “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد سعداوي، “عراقي في باريس” لصموئيل شمعون، “طشاري” لإنعام كجه جي، “ماذا يحدث في بغداد” لرسول رسول، و“مياه متصحرة” لحازم كمال الدين، وغيرها…
لا يخفى أن الحل لا يكون بإخفاء الممارسات الشائنة، بل بتشريحها وتشخصها ومحاولة البحث عن سبل للخروج من مآزقها، يسجل للرواية أن تحاول ذلك، أو تحرّض على التفكير في الخروج من حقل ألغام الطائفية المتفشية.
كاتب من سوريا