الرهان على السراب الإسرائيلي
هناك من يعتقد جازما أن إسرائيل تمتلك القدرة على التأثير على السياسة الدولية وبشكل خاص على السياسة الأميركية.
وهو وهم جعل منه البعض مسوغا لإقامة علاقات مع إسرائيل، بل إن هناك مَن صار يجاهر بتلك العلاقات بعد أن كانت خفية لزمن طويل.
في واقع الأمر فإن إسرائيل لا تحتاج إلى الضغط على صانعي القرار في الولايات المتحدة من أجل أن يجري كل شيء لصالحها.
وفي السياق نفسه فليس واردا أن يجاهر رئيس أميركي بموقف من شأنه أن يسبب إزعاجا لإسرائيل لا خشية من غضبها، بل لأنه الموقف الطبيعي في دولة ترعى مصالح إسرائيل كما ترعى مصالحها.
بالنسبة للولايات المتحدة فإن أمن إسرائيل هو جزء من أمنها. وهي حقيقة لا تحتاج إلى كثير شرح أو تقديم ما يبرهن عليها.
خارج تلك المسألة الواضحة لا تملك إسرائيل، إن أرادت التدخل، في سياسات الولايات المتحدة. فإذا كانت إسرائيل عاجزة عن التأثير على الولايات المتحدة وهي حليفة مصيرها، فمن المؤكد أنها ليست قادرة على التأثير على سياسات دول أخرى، سواء كانت تلك الدول منحازة لها بالحق وبالباطل مثلما هو حال دول أوروبية عديدة، أو دول كانت تقيم معها علاقات صداقة هي نوع من الممارسة الدبلوماسية.
كان التصويت على قرار القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة دليلا ساطعا على أن إسرائيل لا تملك أي سطوة على العالم. لقد وقفت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة وحيدتين أمام العالم ولم تكن الدول التي عارضت القرار أو امتنعت عن التصويت إلا دولا مجهرية أو دولا ثانوية تدور في فلك الولايات المتحدة.
ما أريد الوصول إليه هو شيء آخر وإن كان يتعلق بحجم التأثير الإسرائيلي في السياسة الدولية.
لقد راهن البعض على إسرائيل باعتبارها خشبة خلاص وهو ما فعله أكراد العراق وجنوبيو السودان وهو ما سعت موريتانيا ذات مرة أن تفعله. ولو كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير قد وجد ثغرة إلى إسرائيل لفعلها أملا في إلغاء قرار المحكمة الدولية في حقه، ولكن تلك الرهانات أثبتت بطلانها.
ليست إسرائيل دولة نافعة للآخرين ولن تكون كذلك.
حين قرر العالم أن يتخلى لأسباب مجهولة عن أكراد العراق لم تنفعهم علاقتهم التاريخية بإسرائيل. لقد خُيل لهم نكاية بالعرب أن إسرائيل ستكون رافعتهم إلى العالم والسد الحصين الذي يحميهم. وهو ما لم يكن صحيحا.
فما إسرائيل سوى كيان طفيلي يعيش على ابتزاز الآخرين الغربيين لمصلحته. لذلك لا تملك الرغبة في أن تقدم شيئا إلى الآخرين. إنها تأخذ ولا تعطي. وكما أرى فإن الدرس الكردي ينبغي أن يكون درسا للجميع.
اتقاء شرور إسرائيل شيء، والاستغاثة بها كونها ممرا إلى العالم شيء آخر. شيء لا يستقيم مع الحقائق التي تستند إليها الدولة العبرية في بقائها واستمرارها.
وقد يعتبرني البعض متشائما إذا ما قلت إن إسرائيل في أكثر حالاتها انفتاحا على مشروع السلام العربي لن تكون جزءا من المعادلة السياسية في الشرق الأوسط. لا لشيء إلا لأنها لا ترى مصلحة لها سوى في أن تكون فوق الجميع، وهو ما يمكن أن يشكل لها ضمانة للبقاء. وهنا بالضبط تكمن مشكلتها الوجودية التي تحول بينها وبين أن تكون دولة طبيعية.
لقد خيبت إسرائيل أمل الأكراد من حيث لا تدري. فهي لم تكن مسؤولة عن خطئهم الذي استلهموه من أوهام لم يكن لها أثر على أرض الواقع.
توهم الأكراد أن في إمكانهم استعمال إسرائيل لحماية مصالحهم، مثلما استعملتهم إسرائيل للإضرار بالدولة التي هم جزء من شعبها، فإذا بهم يستيقظون على سراب.
كاتب عراقي