الرقمنة أحد الحلول لتحسين واقع الكتاب العربي اليوم

الدوحة - ضمن فعاليات النسخة الرابعة والثلاثين من معرض الدوحة الدولي للكتاب، أقيمت ندوة فكرية بعنوان “ديناميكيات صناعة النشر: مقارنة بين العالم العربي والغربي”، شارك فيها كل من أحمد رشاد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للناشرين، وإبراهيم البوهاشم نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب، وأدارتها الدكتورة عائشة جاسم الكواري، مدير الملتقى القطري للمؤلفين.
وسلطت الندوة الضوء على أبرز التحديات التي تواجه صناعة النشر في العالم العربي، مقارنة بما تحقق في السياق الغربي من تقدم ملموس على المستويين المهني والتقني، كما تناولت الفروقات في آليات النشر، ودور المؤسسات، والبنية التحتية، وسلوكيات القراءة، حيث أكدت الندوة أن الفجوة لا تزال قائمة، لكنها قابلة للتقليص عبر سياسات داعمة وتطوير التشريعات ومواكبة التحول الرقمي.
وتناول نائب رئيس اتحاد الناشرين العرب بدايات النشر والطباعة في العالم العربي، مع وجود المطابع في مصر وانتقالها بعد ذلك إلى عدد من البلدان العربية، مشيرا إلى أن أول معرض للكتاب أقيم في بيروت سنة 1956 بعد معرض فرانكفورت الدولي لتبدأ الدول العربية في تنظيم المعارض تباعا.
وقال “إن الناشر العربي غالبا ما يتحمل بمفرده مسؤوليات التحرير والطباعة والتوزيع والترويج، على خلاف النموذج الغربي الذي يستند إلى منظومة مهنية متكاملة تشمل الوكيل الأدبي وخبراء التسويق”، لافتا إلى أن بعض المؤلفين يحمّلون الناشرين العرب مسؤوليات تفوق إمكاناتهم، في ظل غياب الدعم المؤسسي ومحدودية الموارد.
كما أشار إلى أن القراءة لم تختف من المشهد العربي، رغم ما يروج أحيانا، مستدلا بتجارب شخصية تتعلق بتشجيع أبنائه على حب الكتاب منذ الصغر.
الفجوة لا تزال قائمة بين واقع الكتاب العربي والغربي لكنها قابلة للتقليص عبر سياسات داعمة وتطوير التشريعات
وفي السياق ذاته، اعتبر البوهاشم أن حركة الترجمة في العالم العربي ما زالت متأخرة، إذ لا تتجاوز إنتاج دولة أوروبية واحدة، مرجعا ذلك إلى غياب السياسات الوطنية الداعمة للترجمة.
كما تحدث عن محدودية منافذ بيع الكتب، وتأثير ذلك على حركة النشر، مشيدا في المقابل بتجربة الكتب الصوتية بوصفها امتدادا لثقافة السرد الشفهي العربي، ومؤكدا على أهمية تعزيز النشر الذاتي الذي بات يشكل مدخلا للكثير من الشباب الطامحين إلى دخول هذا القطاع، خاصة بعد مبادرات وزارية لتقليل الرسوم وتشجيع الناشرين الجدد.
من جهته، تحدث أحمد رشاد عن النموذج المتطور الذي وصلت إليه صناعة النشر في الأسواق الغربية مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا، مقارنة بالمشهد العربي الذي لا يزال يعاني من اختلالات واضحة، من أبرزها غياب وكيل أدبي محترف، وتواضع حركة الترجمة، وضعف الاستثمار في التكنولوجيا، مؤكدا في الوقت ذاته أن العقد الأخير شهد بعض التحسن في العالم العربي بفضل الرقمنة، لكنه شدد على أن المشهد ما زال بحاجة إلى حلول أوسع وأعمق.
وأشار رشاد إلى أهمية دور الأسرة والمدرسة في تشكيل الميول القرائية منذ سن مبكرة، معبرا عن أسفه لقلة عدد المكتبات العامة، وتراجع الاهتمام بمجالات أدبية وفكرية خارج إطار الرواية وكتب الأطفال.
كما تطرق إلى دور الوسائط الحديثة، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي والكتب الإلكترونية، مشيرا إلى أنها أسهمت في توسيع قاعدة القراء، لكنها طرحت تحديات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن الكتاب الصوتي يشهد رواجا متزايدا، مدعوما بتغير نمط الاستهلاك الثقافي لدى فئات كثيرة من القراء، مبرزا أن النشر الذاتي في الغرب يتفوق من حيث البنية والتنظيم، لكنه بدأ مؤخرا يواجه تحديات تتعلق بجودة المحتوى، وهو ما يستدعي الحفاظ على دور الناشر التقليدي بوصفه ضامنا لمهنية العمل.
جدير بالذكر أن معرض الدوحة الدولي للكتاب يتواصل حتى السابع عشر من مايو الجاري تحت شعار “من النقش إلى الكتابة”، بمشاركة 522 دار نشر من 32 دولة عربية وأجنبية، إلى جانب حضور واسع للمؤسسات الحكومية القطرية، فيما تحل دولة فلسطين ضيف شرف هذه الدورة.