الرسكلة في بنغلادش تصل إلى آفاق جديدة بعمليات تفكيك شاملة لسفن ضخمة

أحواض سيتاكوندا تتولى تدوير 38 في المئة من السفن القديمة حول العالم.
الخميس 2025/02/20
أعمال الخردة.. تجارة واعدة

الرسكلة في بنغلادش شهدت تطورا لافتا طيلة سنوات، خاصة تفكيك السفن الضخمة، مما يتيح إعادة تدوير المعادن ومواد أخرى لاستخدامها في مجالات مختلفة، لتصل اليوم إلى آفاق جديدة مع زيادة الاهتمام بالاستدامة، رغم أنها صناعة لا تخلو من التحديات.

سيتاكوندا (بنغلادش)- يقوم العمال المسلحون بمشاعل الغاز وقواطع الليزر والرافعات على الساحل الجنوبي الغربي لبنغلادش بتفكيك هياكل السفن العملاقة القديمة التي ترسو على شاطئهم الرملي.

وتنتشر ثلاثون ساحة لتفكيك السفن والآلاف من ورش الخردة على طول 15 كيلومترا من ساحل سيتاكوندا، حيث تعمل على إعادة تدوير حوالي 38 في المئة من السفن القديمة في العالم وتوريد خردة الصلب لقطاع الصناعة المزدهرة في البلاد.

وقال جمال الدين (40 عاما)، الذي يعمل كقاطع كبير في أحواض السفن المحلية لمؤسسة تومسون رويترز “يعد قطع السفن من أكثر الوظائف خطورة على وجه الأرض.”

أناند هيريماث: تأثير هذه السفن على البيئة سرّع من وتيرة أعمال التدوير
أناند هيريماث: تأثير هذه السفن على البيئة سرّع من وتيرة أعمال التدوير

وعلى مدى العقدين الماضيين، رأى جمال الدين العديد من زملائه العمال في الأحواض القريبة يعانون من حروق بالغة وكسور في الأطراف أثناء تفكيك السفن الفولاذية المرسلة إلى بنغلادش من الدول الغنية المالكة للسفن.

ولكن مع اقتراب العديد من السفن القديمة الآن من نهاية عمرها الافتراضي، تستعد الصناعة لضربة اقتصادية كبيرة جديدة في بلد هو من بين قلة من البلدان النامية التي تهتم بهذا القطاع الضخم.

وفي العقد المقبل، ستأتي حوالي 15 ألف سفينة، أو واحدة من كل 8 سفن من الأسطول العالمي بالكامل، لإعادة التدوير، وهو ضعف العدد في العقد الماضي، وفقا لتقرير جديد صادر عن منظمة كليميت غروب غير الحكومية وشركة الاستشارات بي.دبليو.سي.

وقال أناند هيريماث، كبير مسؤولي الاستدامة في شركة جي.أم.أس، إن “هذه السفن القديمة تصدر كميات كبيرة من الملوثات وتتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب، مما أدى إلى تسريع جهود الصناعة لإخراجها من الخدمة.”

وتنشط جي.أم.أس في مجال شراء السفن القديمة وتقوم بعد ذلك بإعادة بيعها إلى شركات تكسير السفن في جنوب آسيا. ولو كانت دولة، لكان للأسطول العالمي المتهالك للسفن والمشكوك فيه بأنه سادس أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب.

وتعهدت المنظمة البحرية الدولية بخفض الانبعاثات بمقدار النصف بحلول عام 2030، وتحويلها إلى صناعة خالية من الانبعاثات بحلول عام 2050.

وتستهدف اللوائح العالمية الجديدة ضمان أن تصبح عملية تفكيك السفن أكثر أمانا وصديقة للبيئة كجزء من الجهود التي تبذلها الصناعة على نطاق واسع نحو نموذج أكثر استدامة. لكن العمال الذين يقومون بتقطيع السفن وإعادة تدويرها قالوا إن أجندة الإصلاح لا تعدهم بوظائف لائقة أو أجور أفضل.

وقال أودين، الذي اختار عدم ذكر اسم صاحب عمله خوفا من العواقب “بعد يوم عمل شاق، بالكاد نحصل على الأجور لتغطية تكاليف أطبائنا أو رسوم مدارس أطفالنا.”

15

ألف سفينة من الأسطول العالمي سيتم تدويرها خلال العقد المقبل، وهو ضعف عدد العقد الماضي

وستتولى أحواض السفن في منطقة سيتاكوندا ببنغلادش أو ألانج بولاية جوجارات الهندية التعامل مع معظم الزيادة القادمة، حيث تمثل هذه الأحواض مجتمعة حوالي 70 في المئة من تفكيك السفن على مستوى العالم. ومع ذلك، تنتشر وفيات العمال، وكذلك الأضرار البيئية مع تسرب المواد الكيميائية السامة إلى الشاطئ والمياه، مما يضر بالحياة البحرية.

وعندما يستخدم العمال المشاعل عالية الحرارة لثقب ألواح السفينة، تحدث الحوادث في الكثير من الأحيان، في حين أن التعرض للمواد الخطرة مثل الأسبستوس يعرض الصحة للخطر على المدى الطويل. وفي سبتمبر الماضي، أدى حريق في حوض بناء السفن في سيتاكوندا إلى مقتل سبعة عمال.

ومنذ عام 2009، لقي 470 عاملا حتفهم في أكثر من 500 حوض بناء سفن مسجل في جنوب آسيا، وفقا لمنظمة منصة تفكيك السفن غير الحكومية، وهي تحالف من جماعات حقوق البيئة والعمال ومقرها بروكسل. وتوظف هذه الصناعة ما لا يقل عن 30 ألف شخص، معظمهم من العمال الذين يتقاضون أجوراً منخفضة ويمارسون أعمالاً عرضية في بنغلادش والهند وباكستان.

وقال فازلول كبير مينتو من معهد بنغلادش لدراسات العمل (بيلس)، الذي يعمل مع أصحاب الأحواض وعمال تفكيك السفن لجعل أماكن عملهم أكثر أمانا “أظهر الحادث الأخير مرة أخرى أننا ما زلنا في حاجة إلى بذل الكثير من الجهود لضمان مكان عمل آمن لعمال تفكيك السفن.”

ومن المقرر أن تقدم المنظمة البحرية الدولية (آي.أم.أو) في يونيو المقبل لوائح جديدة، تُعرف باسم “اتفاقية هونغ كونغ”، لمعالجة المخاطر التي يواجهها العمال وتنظيم كيفية إدارة المواد الخطرة.

وسيعني هذا التغيير أن أصحاب السفن لا بد أن يوثّقوا أيّ مواد خطرة في السفينة قبل إرسالها لإعادة التدوير. ولكن بخلاف زيادة السلامة “يريد العمال أجورا ومزايا أفضل،” كما قال محمد علي من اتحاد عمال المعادن في بنغلادش (بي.أم.أف) الذي أنشأ أول نقابة عمالية لبناء السفن في البلاد.

سيتم اعتماد لوائح جديدة للإحاطة أكثر بالعمال وتنظيم إدارة المواد الخطرة
سيتم اعتماد لوائح جديدة للإحاطة أكثر بالعمال وتنظيم إدارة المواد الخطرة

ويكسب العمال في أحواض بناء السفن في سيتاكوندا عادة أقل من 5 دولارات ليوم عمل غير مستقر لمدة ثماني ساعات. كما يعمل معظمهم بشكل مؤقت دون بطاقات هوية ولا يحصلون على إجازة مدفوعة الأجر، كما قال علي. ويضطر الكثير منهم إلى العمل لساعات إضافية لكسب ما يكفي ما يجعلهم أكثر عرضة لخطر الحوادث، كما أضاف.

وعندما يُقتل العمال في حادث في مكان العمل، فإنهم يتلقون حوالي 700 ألف تاكا (5740 دولارا) كتعويض. وهذا يغطي أقل من عامين من إنفاق الأسرة المتوسطة ولا يشمل المعاش التقاعدي.

وفقد زاهد الحق، (70 عامًا) ابنه عبدالرشيد، وهو عامل صغير في صناعة السفن عندما اندلع حريق في حوض بناء السفن في باكيزا قبل حوالي عقد من الزمن.

وقال لتومسون رويترز “لقد حصلنا على بعض التعويضات التي كانت 100 ألف تاكا (820 دولارا) فقط في ذلك الوقت، ولكن مع رحيل العضو الوحيد الذي كان يكسب دخلا، لم يعد لدينا من يعتني بنا.”

ويؤكد محمد محبوب الرحمن، الذي تساعد شركته أتش.آر شيب مانجمنت الأحواض على الاستعداد للتنظيم، أن تحسين السلامة وإدارة النفايات وحقوق العمال تتطلب موافقة ليس فقط من أصحاب الأحواض ولكن أيضا من حكوماتهم.

وأوضح أنه في حين تتخلف بنغلادش في جهودها لتنظيف الصناعة، استفاد أصحاب الأحواض الهندية من الدعم الحكومي وكذلك التمويل الأجنبي.

لكن الشركات الغنية، التي تمتلك معظم السفن تحث أيضا على تقاسم بعض تكاليف التحول الباهظة. وقال علي إن “الدول الغنية في العالم تستفيد من الشحن الدولي وهي في حاجة إلى الاهتمام والتصرف بشأن كيفية إعادة تدوير السفن وما يحدث للعمال.”

10