الرباط تجمع الجميع حول صناعة الكتب والثقافة

انطلق المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في الثاني من يونيو الجاري ويستمر حتى الثاني عشر من الشهر نفسه. ويحسب للمعرض دعمه الكبير للناشرين وصناعة الكتاب، علاوة على انفتاحه على فضاءات غير تقليدية، مثل المؤسسات السجنية والساحات المفتوحة، ومحاولته أن يكون تظاهرة جامعة.
الرباط - بعد عدة دورات للمعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء، يأتي احتضان الرباط لأول مرة للمعرض في دورته السابعة والعشرين التي تستمر إلى الثاني عشر من يونيو الجاري، تماشيا مع اختيارها عاصمة للثقافة الأفريقية لعام 2022.
وينفتح المعرض على فضاءات جديدة كما يناقش العديد من القضايا الثقافية والأدبية الهامة، بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين والنقاد.
كتابات في المدينة
سعى عدد من الباحثين والنقاد إلى استجلاء صورة الرباط من خلال الكتابات الأدبية والدراسات التاريخية، في ندوة نُظمت أخيرا على هامش الدورة الحالية للمعرض.
وقال الباحث والأكاديمي المغربي محمد احميدة الذي ركز على صورة الرباط في الكتابات الأدبية المغربية، إن الرباط كانت ملهمة للعديد من الشعراء والقصاصين والروائيين.

المعرض يدعم الناشر العربي لاستمرارية نشاطه في صناعة النشر العربية بعد أن مرت بظروف عصيبة ماليا ومهنيا
وأشار احميدة إلى ما ذكرته القاصة المغربية فاطمة بوزيان، في قصة قصيرة نُشرت في ملحق صحيفة “العلم” اليومية المغربية في مارس 2006، بعنوان “ليالي الأنس في غضب”، إذ قدمت الرباط بوصفها “مدينة التناقضات”، وأبرزت صورا متعددة للرباط وليس صورة واحدة.
وقال احميدة “القصة تلخص نظرة مواطن مغربي قادم من مدينة صغيرة” إذ قدمت الكاتبة من مدينة الناظور بمنطقة الريف شمال شرق المغرب.
وتلخص العبارة التي كتبتها بوزيان الكثير عن هذه المدينة “الغامضة” عندما قالت “أحار في وصف الرباط التي عرفتها قبل أن أراها، ولم أعرفها حين أصبحت من سكانها”.
فالكاتبة تصور حيرة مواطن مغربي قادم من مدينة صغيرة إلى الرباط “كلما استعصى أمر إداري أو استشفائي، على المواطن أن يأتي إلى الرباط، وكذلك كل من أراد الهجرة أو استعصى عليه أي أمر”، على أساس أن المدينة تعتبر العاصمة الإدارية للمملكة وتضم عددا من المرافق الضرورية لاحتياجات المواطنين.
ويقول احميدة إن الكاتبة تروي في هذه القصة كيف أن الرباط تساعد على التحرر والتغير حيث “نزعت أمها التي قدمت إلى الرباط من أجل العلاج، اللثام الذي كان يحجب وجهها، وارتادت المقاهي والمطاعم لأول مرة”.
لكن لما استقرت الكاتبة في الرباط “وجدت الرباط رباطات، رباط الفقراء، ورباط الأغنياء” ليستخلص الباحث من خلال القصة “صعوبة الوافدين إلى الرباط من مدن أخرى، خاصة الصغرى، في التأقلم”.
ويشير احميدة إلى أنه على الرغم من انبهار الكاتبة في البداية ومحبتها للرباط “لم تعد ترتاح إليها إلا لأشياء في المدينة تشبه مدينتها الريفية”.
وأشار الشاعر والناقد والباحث المغربي أحمد زنيبر، الذي سلط الضوء على الرباط من خلال الكتابات الشعرية، إلى كتابات عدد من الشعراء المغاربة المعروفين عن الرباط مثل عبدالرفيع الجواهري وحسن نجمي ومحمد الأشعري.
واختار زنيبر الشاعر المغربي محمد العمراوي صاحب ديواني “باب الفتوح” و”مجمع الكلام” ودواوين أخرى يشير فيها إلى مدينة الرباط.
وأبرز مفهوم البحر إذ تطل الرباط على المحيط الأطلسي ويخترقها نهر أبو رقراق وكذلك بعض الأماكن التاريخية التي تعود إلى عهد الأندلسيين الذين قدموا إلى الرباط بعد سقوط الأندلس.
وكذا مواقع أثرية، أشهرها موقع شالة التاريخي الذي يعد حصنا محاطا بالأسوار لحماية المدينة تاريخيا.
وقال إن الشاعر “استعان بلغة شعرية يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي والمتخيل بالواقع، إذ تظل الرباط تحفل بالواقع والذكرى إلى أن يعثر الشاعر على معناه”.
وخلص زنيبر إلى أن “الرباط لم تعد فقط مكانا جغرافيا، بل مكانا إبداعيا يتفاعل فيه الشاعر مع المدينة، وبالتالي تصبح القصيدة جزءا من المدينة والمدينة جزءا من القصيدة، وهذا ما يميز المبدع، وليس مجرد مكان إقامة وسكن”.
دعم النشر
إضافة إلى البرنامج الثقافي يقدم المعرض سوقا هامة لتداول الكتب، وفرصة لإنعاش قطاع النشر الذي تضرر من تبعات الإغلاق التي رافقت إجراءات التوقي من انتشار فايروس كورونا، وفي هذا الإطار استجاب المعرض لطلبات تسهيل استضافة الناشرين التي تقدم بها اتحاد الناشرين العرب.
وقال اتحاد الناشرين العرب إن وزارة الشباب والثقافة والتواصل في المغرب والقائمين على إدارة الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب استجابوا إلى طلب إعفاء الناشرين من رسوم الإيجار.
وقال الاتحاد في بيان إنه كان على تواصل مع إدارة المعرض منذ فترة وتقدم بعدة مطالب من بينها “إعفاء الناشرين العرب من رسوم إيجار الأجنحة”.
وأكد الاتحاد أن القرار “يساعد الناشر العربي على استمرارية نشاطه” مشيرا إلى أن العاملين في صناعة النشر العربية “يمرون بظروف عصيبة ماليا ومهنيا جراء جائحة كورونا”.
المقهى الثقافي بالسجن المركزي بالقنيطرة سيعرف طيلة أيام المعرض تنظيم لقاءات يومية مع كتاب وشعراء وروائيين من أجل تقديم أعمالهم الأدبية ومناقشتها مع النزلاء
وثمن اتحاد الناشرين العرب هذه الخطوة، وأعرب في بلاغ له أن “هذا القرار الحكيم أثلج صدور العاملين في صناعة النشر العربية. الذين يمرون بظروف عصيبة ماليا ومهنيا جراء جائحة كورونا التي أثرت على صناعة النشر تأثيرا كبيرا، حيث تدنت دخولهم المالية، وقلت إصداراتهم”.
ونوه اتحاد الناشرين العرب في الوقت ذاته “بجهود إدارة المعرض في حسن الإعداد والتنظيم الجيد له وحسن استقبال الناشرين المشاركين مع تذليل العقبات كافة لهم”.
وأكد اتحاد الناشرين العرب أن المغرب من الدول الرائدة في العمل الثقافي العربي والإسلامي من خلال الأنشطة الثقافية كافة، وخاصة في المعرض الدولي للنشر والكتاب.
وذكر الاتحاد في بلاغ له أن “المغرب يظل دائما من الدول الرائدة في العمل الثقافي العربي والإسلامي من خلال الأنشطة الثقافية كافة، وخاصة في المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي كان وسيظل متألقا وناجحا من عام إلى عام”.
كما نوه الاتحاد بالمبادرات المغربية في تعزيز وتطوير المنتج الثقافي المغربي والعربي والإسلامي، لا سيما الكتاب، تشجيعا للقراءة، وتجسيدا لرغبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتكزة على بناء الإنسان، وصناعة وعي جديد يضمن قيم المواطنة والعدالة الثقافية وترسيخ الهوية الحضارية للشعب المغربي وللعرب جميعا.
فضاءات جديدة
رغم تنظيم فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط إلا أن أنشطته تجاوزت الفضاء المكاني مانحة بذلك فرصة لنزلاء المؤسسة السجنية بالقنيطرة من أجل المشاركة في هذا الحدث الثقافي.
وهكذا عرف المقهى الثقافي بالسجن المركزي بالقنيطرة، مؤخرا، تنظيم لقاء مع الدكتورة والروائية، زهور كرام، ناقشت فيه على مدى ساعتين من الزمن، رفقة نزلاء المؤسسة السجنية كتابها “الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية”.
ويأتي هذا النشاط الثقافي، الذي عرف تفاعلا كبيرا من طرف النزلاء، في إطار الأنشطة والندوات الثقافية التي تنظمها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بشراكة مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء وجامعة محمد الخامس بالرباط.
وقالت كرام، في كلمتها خلال هذا اللقاء، الذي عرف مشاركة نزلاء طلبة في الإجازة والماجستير، إن عصر التكنولوجيا الرقمية بدأ في المغرب مع مطلع الألفية الثالثة، مضيفة أن استيعاب الأدب الرقمي يمر عبر فهم العصر الذي بدأ فيه.
وأضافت أن الأدب الرقمي جاء كتطور للرواية منذ الثورة الصناعية مرورا بالتغييرات التي طرأت على الأدب في القرن العشرين إلى غاية الأدب الإلكتروني، موضحة الفرق بين الأدب الإلكتروني والأدب الرقمي، فالأول يعتمد على نسخ الإنتاجات الأدبية الورقية على أدوات إلكترونية، بينما الثاني هو الذي يكون منتوجا رقميا خالصا يعتمد في إنتاجه على الأدوات الرقمية ولا يعتمد الوسائل التقليدية.
وأبرزت أن الأدب في تحول وتطور مستمر انسجاما مع أسئلة العصور والمراحل التاريخية التي ينتج فيها، لافتة إلى أنه كلما حدث تحول في المجتمع تطرح أسئلة جديدة وهذه الأسئلة لها علاقة بحاجيات الإنسان.
المعرض ينظم لقاءات يومية في المؤسسات السجنية مع كتاب وشعراء وروائيين من أجل تقديم أعمالهم الأدبية ومناقشتها
وتابعت أن “الأدب بمفهومه الكلاسيكي غير قادر على التعبير عن الإشكاليات التي تعيشها مجتمعاتنا في الوقت الراهن، مسجلة أن الأدب الرقمي هو شكل تعبيري رمزي يعبر عن حالتنا الجديدة”.
من جانبه، عبر النزيل بالمؤسسة السجنية محمد، في مداخلته خلال هذا اللقاء، عن سعادته بنقل بعض من أنشطة المعرض الدولي للكتاب والنشر إلى فضاء المؤسسة السجنية، مؤكدا أن مثل هذه الأنشطة تخرج النزلاء من فضاء السجن إلى رحابة العوالم الثقافية.
وأضاف محمد، الذي يدرس بالسنة الثانية ماجستير تخصص العلوم الجنائية، أن كتاب “الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية” هو باقة ورد تحمل في طياتها معاني وبطاقات تعريفية لعالم الأدب الرقمي، مضيفا أن الانغماس في قراءة الكتاب تتيح للقارئ متعة فك شفرات عالم الأدب الرقمي وفهمه عوالمه.
من جهة أخرى، قال النزيل بالمؤسسة ذاتها إدريس، في نفس السياق، إن التغيير الأدبي في الاتجاه الرقمي هو حتمي وضروري لمواكبة العصر الحالي، لافتا إلى الدور الإيجابي للأدب الرقمي على البيئة حيث سيتقلص الاعتماد على الورق وبالتالي سيمكن من الحفاظ على الثروات الطبيعية وخصوصا الأشجار.
وأبرز إدريس الذي يدرس في السنة أولى ماجستير، تخصص علوم جنائية أيضا، أن تطور الأدب الرقمي قد يشجع على القراءة في المغرب وفي العالم العربي، مضيفا أنه بحكم توفر الأدوات الرقمية قد يزداد الإقبال على القراءة.
وسيعرف المقهى الثقافي بالسجن المركزي بالقنيطرة، طيلة أيام المعرض الممتد إلى غاية 12 يونيو الجاري، تنظيم لقاءات يومية مع كتاب وشعراء وروائيين من أجل تقديم أعمالهم الأدبية ومناقشتها مع النزلاء، كما سيتم عرض مجموعة من الأفلام بحضور مخرجين وفنانين.