"الرامي" فيلم طريق يعزف على وتر العواطف الإنسانية

فيلم "الرامي" تدور أحداثه حول مهمة إنقاذ بطلاها شرطي متقاعد وطفل مهاجر تكشف فساد السلطات الأميركية.
الجمعة 2021/01/29
مهمة إنقاذ محفوفة بالمخاطر

تدور أحداث فيلم “الرامي”، الذي يعرض حاليا في القاعات العالمية، حول صاحب مزرعة على الحدود بين ولاية أريزونا الأميركية والمكسيك، يجد نفسه مضطرا إلى الدفاع عن صبي مكسيكي صغير يفرّ من عصابة تتعقبّه إلى داخل الولايات المتحدة، فيكشف العمل حجم الفساد الحاصل في المناطق الحدودية الفاصلة بين البلدين.

الهجرة والحدود والسياجات والجدران العالية والمهاجرون المذعورون مشهد يتكرّر، ومعه مشهد أولئك الذين يغامرون بحياتهم لقطع البحار بحثا عن أرض موعودة.

هذا المشهد الحياتي والإنساني واكبته السينما الروائية والوثائقية على السواء حتى تبلور في شكل نمط سينمائي بات يعرف بأفلام الهجرة، وفي فيلم “الرامي” للمخرج روبرت لورينز ثمة معالجة لهذه الإشكالية الإنسانية، وها نحن في مواجهة السياج الترامبي الشهير مع المكسيك، حيث محاولات عبور السياج مستمرة.

أزمة مضاعفة

اللقطات البعيدة في الفيلم أظهرت عزلة البطل ووحدته بالمقارنة مع اتساع المكان الذي يعيش فيه
اللقطات البعيدة في الفيلم أظهرت عزلة البطل ووحدته بالمقارنة مع اتساع المكان الذي يعيش فيه

تدور أحداث فيلم “الرامي” على جانبي الحدود الأميركية المكسيكية، فعلى الجانب المكسيكي هناك أم ستضطرّ إلى مرافقة ابنها بشكل عاجل لمغادرة البلاد في اتجاه الحدود الأميركية خوفا من ملاحقة إحدى عصابات المافيا الإجرامية لهما، أما على الجهة الثانية فهناك جيم (الممثل ليام نيسون) وهو خلال تقاعده ووحدته يوشك على الإفلاس بعدما أنفق كل ما عنده من مال تقريبا من أجل إنقاذ زوجته التي توفيت بمرض السرطان.

ولا بد من استدراك هنا، وهو أن ليام نيسون، الممثل البريطاني الشهير لا يكاد يظهر في فيلم إلّا ويكون جديرا بالمشاهدة، وهو الذي شاهدناه غالبا في أفلام الحركة والأفلام البوليسية، ولكنه اليوم يعلن أنه سوف يكفّ عن القيام بدور يشبه أدواره السابقة من خلال أفلام الحركة، فهو قد شارف على سن السبعين، وفي فيلمه هذا بدا عليه التقدّم في العمر بشكل واضح من خلال بطء حركته وردود أفعاله الجسدية الثقيلة نوعا ما.

لكن نيسون يبقى نجما ذا ثقل في مسار السينما، عرف بإنتاجه الغزير منذ ظهوره الأول في العام 1978، وحتى فيلمه الأخير هذا، وهو الذي قدّم بجدارة أكثر من أربعين فيلما من بطولته.

هنا لا يستطيع نيسون التخلّص من نمطية فيلم الحركة وها هو يواجه امرأة وطفلها وقد اخترقا الحدود، ثم ما لبث أن حاول إنقاذهما ليدخل في اشتباك مع عصابة كانت تلاحقهما من الجهة الأخرى من الحدود، لينتهي الأمر بمقتل شقيق زعيم العصابة وليبدأ ساعتها تعقب جيم إلى النهاية.

التحوّل الدرامي الذي يتبع ذلك الاشتباك هو سقوط المرأة قتيلة لتترك طفلها أمانة عند جيم، بل إنها تعطيه ما جلبته معها من مال.

مطاردات وخيانات

مطاردة شرسة على الحدود المكسيكية الأميركية
مطاردة شرسة على الحدود المكسيكية الأميركية

ما بعد هذا الحدث المؤثر، وقد خرج جيم قريبا من مأساة زوجته، سوف تكون محاولة إنقاذ الطفل هي مهمته الأولى، بما في ذلك تهريبه من مركز الشرطة للوصول به إلى منزل أحد أقارب أسرته في ولاية أخرى. يكون جيم في مواجهة عصابة يترأسها رئيس حرس الحدود المكسيكي ريغو (الممثل أنطونيو ليبا)، ومن هنا سوف تبدأ المطاردة.

جيم، ذا الحس الإنساني، الخارج توّا من كارثة فقدان الزوجة وحيدا وهو يواجه عصابة من القتلة لا ترحم، وبهذا سوف ننتقل من دراما الهجرة والمهاجرين إلى نوع من سينما الطريق المصحوبة بالعنف والقتل.

فلا يكاد يتوقّف جيم والصبي لالتقاط الأنفاس حتى يجدان كارثة بانتظارهما في نمطية درامية ليست بجديدة في سياق أفلام الحركة والأفلام البوليسية.

وأما على صعيد بناء الشخصية الدرامية فنجد أن خبرة رجل المارينز السابق جيم تنعكس على مواجهاته وذكائه الميداني، وهو ما سوف ينتقل إلى الصبي الذي سوف يتعلم الرماية وسوف يكون له دور في مساندة جيم بشجاعة.

جيم هو شخصية بائسة محاطة بقدر لا يرحم، وها هو يخوض معركة جديدة لم يكن قطّ ينوي دخولها في سردية درامية لا تحتمل السكون ولا السلام، بل لا بد من أن ينتصر أحد الطرفين المتصارعين، وهنا تحضر براعة جندي المارينز، حيث ينجح في الاقتصاص من أفراد العصابة الواحد بعد الآخر.

إشكالية جيم الأخرى هي في كون ابنته ضابطة شرطة، وهي التي تحاول إخراجه من دوامة العنف وعدم المضي مع تلك العصابة من دون جدوى.

وخلال ذلك تتوالى مشاهد كشف الخيانات والارتشاء بشكل متواتر لجهة طريقة تعامل السلطات الأميركية مع عناصر العصابة المكسيكية، حيث إنها تتعامل بكل ودّ معهم وتتغاضى عن كونهم لا يحملون جواز سفر وما إلى ذلك.

أداء الممثل الأيرلندي ليام نيسون أتى في فيلم "الرامي" نمطيا وبإيقاع ثقيل، مع أن العمل يتطلب الكثير من الحركة

تشكل الجغرافيا المكانية عنصرا إضافيا جماليا في هذا الفيلم، فمنزل جيم قريب من الحدود، وهو مزوّد بجهاز لاسلكي يمكّنه من إبلاغ السلطات عن أية مشكلة قرب الحدود.

ولننتقل إلى مساحات برية شاسعة وأراض زراعية ممتدة يعود بعضها لجيم، ولهذا تشكل اللقطات البعيدة عنصرا جماليا إضافيا في الكشف عن المكان وفي إظهار عزلة جيم ووحدته بالمقارنة مع ذلك الاتساع الهائل.

وأما إذا عدنا إلى تلك العلاقة الناشئة بين جيم وبين الصبي مغويل، فإن الثقة المعدومة بين الطرفين في البداية لا تلبث أن تؤسّس لمحبة وألفة، ولاسيما حين اشتداد المواجهة مع العصابة حتى يبلغ جيم هدفه ليسلم الطفل إلى أقاربه.

لن نجد في هذا الفيلم ما هو استثنائي في أداء الممثل الشهير ليام نيسون، حيث بدا كما ذكرنا آنفا بإيقاع ثقيل نوعا ما، مع أن الفيلم يتطلب الكثير من الحركة، وقد قدّم جيم أفضل ما عنده في إطار هذا الدور الذي يكمل مسيرته المتميزة.

16