الرئيس اللبناني يبحث في الإمارات تعزيز التعاون لمواجهة التحديات

أبوظبي - وصل الرئيس اللبناني جوزيف عون اليوم الأربعاء إلى العاصمة أبوظبي في زيارة رسمية تستغرق يومين، تلبية لدعوة من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتأتي هذه الزيارة في سياق مرحلة جديدة تشهد عودة تدريجية للعلاقات القوية بين البلدين بعد فترة من التوترات الدبلوماسية، وتفتح آفاقا واعدة لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان.
وحظي الرئيس عون باستقبال رسمي رفيع المستوى لدى وصوله إلى مطار الرئاسة في أبوظبي، حيث كان في استقباله وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وعدد من كبار المسؤولين الإماراتيين، بالإضافة إلى السفير اللبناني لدى الإمارات وأركان السفارة.
وبعد استعراض حرس الشرف، توجه عون إلى قصر الشاطئ لعقد محادثات رسمية مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والتي من المتوقع أن تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى موضوع المقيمين اللبنانيين في دولة الإمارات.
ووفق متحدثة الرئاسة اللبنانية نجاة شرف الدين، سيبحث الرئيسان العلاقات الثنائية بين البلدين وموضوع المقيمين اللبنانيين في الإمارات.
وتمتاز العلاقات اللبنانية الإماراتية بجذور تاريخية عميقة تستند إلى الروابط الثقافية العربية المشتركة والقيم الأصيلة التي تجمع الشعبين الشقيقين.
وقد شهدت هذه العلاقات على مر العقود تطورا ملحوظا وتعاونا وثيقا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ورغم التحديات السياسية والاقتصادية الصعبة التي مر بها لبنان، ظلت دولة الإمارات شريكا داعما وسندا قويا له في العديد من المحطات الهامة.
وتتجلى قوة ومتانة العلاقات بين البلدين في المبادرات الإماراتية التاريخية لدعم لبنان. ففي عام 1974، افتتحت الإمارات سفارتها في بيروت، وفي العام نفسه، وقدم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، دعما سخيا للبنان تمثل في 150 مليون دولار لتمويل مشروع الليطاني الحيوي، الذي يعد من أهم المشاريع المائية في منطقة الشرق الأوسط.
ولم يقتصر الدعم الإماراتي على الجانب الاقتصادي، بل امتد ليشمل المجال الدفاعي، حيث قرر الشيخ زايد الإسهام في الخطة الدفاعية للبنان بمساعدة مالية قدرها 300 مليون دولار.
وفي مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، كان لدولة الإمارات دور ريادي في دعم جهود ترسيخ السلم الأهلي وإعادة إعمار البلاد ودعم استقرارها وازدهارها من خلال تقديم الهبات والقروض المالية للحكومة اللبنانية لتمويل مشاريع حيوية في البنية التحتية والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات الهامة.
وقد جددت الإمارات التزامها الثابت بمساعدة الشعب اللبناني في مسيرة البناء والتعمير عقب تحرير جنوب لبنان عام 2000، مؤكدة وقوفها الدائم إلى جانب لبنان في مختلف الظروف.
ولم تتوان دولة الإمارات عن تقديم الدعم والمساندة للبنان في مواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة التي شهدتها البلاد منذ مطلع الألفية الثالثة. ففي عام 2003، قامت الإمارات بمد لبنان بمبلغ 300 مليون دولار لدعم خزينته، وذلك تنفيذاً لمقررات مؤتمر "باريس 2" الذي عقد بهدف مساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية.
وعقد مؤتمر "باريس 2" في نوفمبر 2002 بقصر الإليزيه برئاسة الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، وحضور 18 دولة و8 مؤسسات مالية ممثلة بتسعة رؤساء حكومات أوروبية وعربية ورؤساء صناديق ومؤسسات عربية ودولية.
كما كانت الإمارات من أوائل الدول الداعمة للبنان خلال حرب يوليو 2006، حيث بادرت إلى تقديم المساعدات الإنسانية والمالية بهدف الحفاظ على أمنه واستقراره، وأطلقت في سبتمبر من العام ذاته "المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان" الذي ساهم بشكل كبير في تخفيف آثار العدوان الإسرائيلي وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
وفي 12 يوليو 2006 شن مقاتلو حزب الله هجوما عبر الحدود وقتلوا 8 جنود إسرائيليين (بينهم 5 أثناء عملية إنقاذ إسرائيلية فاشلة)، وأسروا جنديين، وطالب الحزب بمفاوضات غير مباشرة لمبادلتهم بسجناء ومعتقلين لدى إسرائيل.
وردت إسرائيل بحرب شاملة ومفتوحة، بدأت بحصار بحري وعمليات قصف جوي مكثف ثم توغل بري، واستمرت المعارك 33 يوما، قتل فيها 121 جنديا إسرائيليا و44 مدنيا، وبين 300 و800 قتيل من حزب الله، و43 من الجيش اللبناني وقوات الأمن، وسقط أكثر من ألف قتيل من المدنيين اللبنانيين، وآلاف الجرحى من الطرفين.
وفي السنوات الأخيرة، واصلت الإمارات دعم الاقتصاد اللبناني خلال الأزمات المتلاحقة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة وانفجار مرفأ بيروت المدمر عام 2020، حيث قدمت مساعدات إنسانية واستثمارات كبيرة، وتعد من أكبر المستثمرين في القطاع العقاري والمالي اللبناني، مما يعكس التزامها الراسخ بدعم لبنان وشعبه في هذه الظروف الصعبة.
ووقع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، وأودى بحياة أكثر من 215 شخصا، وتسبب في إصابة نحو 6 آلاف و500 آخرين، وألحق أضرارا بقرابة 50 ألف وحدة سكنية، وقُدرت خسائره المادية بنحو 15 مليار دولار.
وتستضيف دولة الإمارات جالية لبنانية كبيرة تلعب دورا مهما وفاعلا في مختلف القطاعات الاقتصادية والمهنية، بما في ذلك قطاعات الأعمال والطب والهندسة، حيث يساهم اللبنانيون بكفاءاتهم وخبراتهم في مسيرة التنمية والازدهار في دولة الإمارات.
وعلى الصعيد الثقافي، يشهد البلدان تعاونا مثمرا من خلال تنظيم فعاليات ثقافية مشتركة، مثل معارض الكتب والمهرجانات الفنية، التي تعزز التبادل الثقافي والتفاهم بين الشعبين الشقيقين.
وشهدت العلاقات بين البلدين توترات في بعض الفترات، خاصة في ظل الخلافات السياسية الإقليمية، مثل الموقف من الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 ودور حزب الله فيها، ومع ذلك، ظلت الإمارات حريصة على دعم الشعب اللبناني دون التدخل في الخلافات السياسية الداخلية.
وأواخر أكتوبر 2021، أعلنت الإمارات سحب دبلوماسييها من لبنان ومنع مواطنيها من السفر إليه، على خلفية أزمة تصريحات بشأن الحرب في اليمن لوزير الإعلام اللبناني الذي استقال لاحقا جورج قرداحي، قال فيها إن الحوثيين في اليمن "يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات".
إلا أن هذه الفترة من التوتر لم تدم طويلا، فبعد انتخاب الرئيس جوزيف عون وتشكيل حكومة جديدة، شهدت العلاقات بين البلدين عودة قوية. وقد تجلى ذلك في زيارة رئيس المجلس الوطني الإماراتي صقر الغباش إلى بيروت في أبريل الماضي لكسر الجمود في العلاقات.
وأوائل يناير 2025، انتخب البرلمان اللبناني عون بأغلبية 99 نائبا من أصل 128، قبل أن يحلف القسم، ليصبح الرئيس الـ14 للبنان، والذي بدوره كلف سلام بتشكيل الحكومة.
وبعد إغلاق تجاوز 3 سنوات أعادت الإمارات فتح سفارتها في لبنان في 25 يناير الماضي، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية.
وأكد عمر الشامسي وكيل وزارة الخارجية الإماراتية حينها أن "إعادة افتتاح السفارة يمثل خطوة مهمة ضمن دفع التعاون بين البلدين إلى آفاق جديدة، ما يعكس التزام دولة الإمارات بدعم الاستقرار والتنمية في لبنان".
وأشار إلى أن "إعادة افتتاح السفارة يعكس العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين، ويُعزز من فرص التعاون في مختلف المجالات، ما يسهم في تحقيق التنمية والازدهار لكلا البلدين والشعبين".
ومع استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان، من المتوقع أن تظل الإمارات شريكا أساسيا في تقديم المساعدات الإنسانية والاستثمارات، خاصة في مجال الطاقة المتجددة والبنية التحتية. كما يمكن تعزيز التعاون في مجال السياحة والتبادل الثقافي.
وتمثل زيارة عون إلى الإمارات محطة هامة في مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين. فبعد تجاوز فترة من التوترات الدبلوماسية، تتطلع القيادة في كلا البلدين إلى تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، والبناء على الروابط التاريخية الراسخة والشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين.
وفي ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان، من المؤكد أن الدعم الإماراتي المستمر سيكون له دور حاسم في مساعدة لبنان على تجاوز هذه الصعوبات وتحقيق الاستقرار والازدهار المنشودين.