الرئيس الفرنسي في بيروت دعما للقيادة الجديدة

ماكرون يعلن عن تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار لبنان.
السبت 2025/01/18
ارتياح فرنسي لتولي سلام رئاسة الحكومة

شكلت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت رسالة دعم للقيادة الجديدة في هذا البلد، وتولي باريس أهمية خاصة للبنان لكونه آخر قلعة نفوذ لها في منطقة الشرق الأوسط وهي حريصة على أن يكون لها دور متقدم في إعادة تشكيل المشهد داخله بعيدا عن نفوذ إيران.

بيروت - أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة من بيروت دعم بلاده للمسؤولين الجدد في لبنان، مشيرا إلى أن باريس ستستضيف خلال “الأسابيع المقبلة” مؤتمرا دوليا للمساعدة في “إعادة إعمار” لبنان، بعدما خلّفت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل دمارا واسعا في مناطق عدة.

ولعبت فرنسا دورا أساسيا مع الولايات المتحدة والسعودية لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان بعد أكثر من عامين ونصف العام من التعطيل.

ويشترط المجتمع الدولي على لبنان استعادة المؤسسات الدستورية لعملها، كمدخل لدعمه في إعادة الإعمار.

وجاءت زيارة ماكرون بعد يوم على اتصال هاتفي أجراه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في سياق التنسيق القائم بين الرياض وباريس في الملف اللبناني.

وأشاد ماكرون بالاختراق السياسي الذي شهده لبنان مع انتخاب جوزيف عون رئيسا الأسبوع الماضي، ثم تكليف نواف سلام رئاسة الحكومة، وهو ما لم يتمكن من تحقيقه بعد زيارتيه السابقتين إلى بيروت، إثر الانفجار المدمر في مرفأ بيروت.

وقال ماكرون في مؤتمر صحفي مع نظيره اللبناني في القصر الرئاسي قرب بيروت، “منذ التاسع من يناير، في عز الشتاء، لاح الربيع”، في إشارة إلى انتخاب عون رئيسا.

وأضاف مخاطبا عون “أنتم هذا الأمل، ورئيس الوزراء المكلف يجسد هذا الأمل إلى جانبكم”، مؤكدا أن فرنسا التي لطالما “كانت إلى جانب لبنان الحبيب خلال السنوات الصعاب… ستبدي المزيد من الالتزام إلى جانبكم.. لمساعدتكم على النجاح في هذا الطريق.”

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لفرانس برس الجمعة إن نواف سلام، القاضي الدولي والدبلوماسي المخضرم، “يتمتع بهالة دولية وهو شخصية إصلاحية حقيقية”، موضحا في الوقت ذاته أن “هذا الأمل” بحاجة إلى أن يُترجم عبر “تشكيل حكومة وإجراء إصلاحات.”

وينخرط سلام في مشاورات دقيقة مع القوى السياسية من أجل الإسراع في تشكيل حكومة، بعدما اصطدم عند تكليفه بامتناع حزب الله وحليفته حركة أمل عن تأييده.

ودعا مجلس الأمن الدولي الخميس إلى الإسراع في تشكيل حكومة في لبنان، معتبرا ذلك خطوة “بالغة الأهمية” لاستقرار البلاد والمنطقة بعد انتخاب رئيس للجمهورية.

وجاءت زيارة ماكرون على وقع تغير موازين القوى، بعدما خرج حزب الله الذي لطالما شكل القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، من مواجهته الأخيرة مع إسرائيل أضعف محليا، وبعد سقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.

وقال ماكرون “بمجرد أن يأتي الرئيس (عون) إلى باريس خلال الأسابيع المقبلة، سننظم… مؤتمرا دوليا لإعادة الإعمار، بهدف حشد الدعم المالي بهذا الصدد.”

زيارة ماكرون جاءت على وقع تغير في موازين القوى، بعدما خرج حزب الله من مواجهته مع إسرائيل أضعف محليا

وخرج لبنان قبل أسابيع من مواجهة مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار برعاية فرنسية – أميركية، يفترض استكمال تنفيذه بحلول السادس والعشرين من يناير.

وينص الاتفاق على انسحاب إسرائيل من مناطق دخلتها في جنوب لبنان، ويشمل كذلك الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006، والذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.

ودعا ماكرون إلى الإسراع في تنفيذ بنود الاتفاق. وقال “تم تحقيق نتائج.. لكن يجب تسريع العملية وتأكيدها على المدى الطويل. يتعين أن يكون هناك انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية وأن يحتكر الجيش اللبناني بشكل كامل السلاح.”

وشملت لقاءات ماكرون في بيروت رئيس أركان قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) جان – جاك فاتينيه، إضافة إلى رئيسي لجنة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار.

وقال ماكرون للصحافيين المرافقين إثر الاجتماع “الأمور تتقدم، والدينامية إيجابية” في ما يتعلق بتنفيذ وقف إطلاق النار.

وإثر ذلك، جال ماكرون سيرا في شارع الجميزة، الذي كان قد جال فيه خلال زيارته التي أعقبت انفجار المرفأ المدمر في الرابع من أغسطس 2020 والذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة أكثر من 6500 آخرين وأحدث دمارا هائلا في بيروت.

فرنسا تعتبر لبنان آخر قلعة نفوذ لها في منطقة الشرق الأوسط، وتحاول تأكيد هذا الدور من خلال لعب دور محوري في إعادة تشكيل المشهد فيها

وصافح ماكرون المارة وألقى التحية على مواطنين أطلوا من شرفات منازلهم وأجرى حوارات سريعة مع أصحاب المحال والمقاهي المنتشرة بكثرة في الشارع الذي يضم أبنية تراثية في بيروت.

واقتربت امرأة منه مع ابنتها الشابة التي تتابع دروسها في الخارج، منذ إصابتهما جراء انفجار المرفأ. وقالت المرأة التي عانقت ماكرون “سيدي الرئيس، فكروا بنا، وساعدونا على تشكيل حكومة جديدة قادرة على أن تعيد إليّ ابنتي.”

وقدم أصحاب المقاهي والمطاعم لماكرون القهوة والمعجنات، بينما رفع شبان العلم الفرنسي إلى جانب العلم اللبناني. والتقط العشرات الصور معه بينما سار ببطء وسط مرافقة من حراسه والجيش اللبناني.

وتعتبر فرنسا لبنان آخر قلعة نفوذ لها في منطقة الشرق الأوسط، وتحاول تأكيد هذا الدور من خلال لعب دور محوري في إعادة تشكيل المشهد بهذا البلد.

وكان ماكرون، الذي سعى جاهدا في السنوات الأخيرة لإيجاد حلّ في لبنان الغارق في أزمات متلاحقة، قد زار بيروت مرتين عقب الانفجار، لدعم انفراج سياسي تعذّر عليه تحقيقه حينها، وسط انقسام سياسي حاد بين حزب الله وخصومه.

لكنه واصل ممارسة الضغط على الأطراف اللبنانية، وعيّن وزير الخارجية السابق جان – إيف لودريان مبعوثا خاصا في يونيو 2023 في مسعى لتيسير انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

لكن كان لا بدّ من الانتظار سنة ونصف سنة قبل أن ينتخب البرلمان اللبناني الأسبوع الماضي عون رئيسا للبلاد، على وقع ضغوط خارجية خصوصا من الولايات المتحدة والسعودية، أعقبت تغيّر موازين القوى في الداخل على خلفية النكسات التي مني بها حزب الله.

وأمل ماكرون من القصر الرئاسي ألا يضيع “الأمل” الذي يمثله انتخاب رئيس “مرة أخرى في رمال الترتيبات السياسية المتحركة”، مما يعوق تشكيل حكومة جديدة.

 

اقرأ أيضاً:

2