الرئيس الصومالي حريص على فتح صفحة جديدة مع إثيوبيا

تبدي مقديشو حرصا على المضي قدما في إعلان أنقرة الذي يشكل الإطار لاستعادة العلاقات الطبيعية مع أديس أبابا بعد نحو عام من التوتر بين البلدين، وتجسد هذا الحرص في الزيارة التي أجراه الرئيس حسن شيخ محمود إلى إثيوبيا والتي تم من خلالها الاتفاق على جملة من النقاط لعل أهمها إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل.
أديس أبابا- تمثل زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى إثيوبيا السبت أقوى إشارة حتى الآن على تحسن العلاقات بين الجارتين بعد عام من التوتر بسبب خطط أديس أبابا لبناء قاعدة بحرية في منطقة أرض الصومال.
ويرى متابعون أن التقارب الحاصل بين مقديشو وأديس أبابا من شأنه أن يخدم جهود الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، ويخفف من حدة الاستقطابات التي دخلت على خطها عدد من القوى الإقليمية في مقدمتها مصر في سياق تصفية حسابات مع إثيوبيا، على خلفية أزمة سد النهضة.
وتؤكد زيارة الرئيس شيخ محمود إلى أديس أبابا تثبيت إعلان أنقرة وإمكانية تحويله لاتفاق نهائي في فبراير المقبل، عندما يتم تجاوز بعض العراقيل الكامنة في تفاصيل المعادلة العريضة المتفق عليها وهي دعم وحدة الصومال من قبل إثيوبيا مقابل منح مقديشو إثيوبيا منفذا بحريا.
وتوتّرت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، الدولة غير الساحلية، في يناير الماضي بسبب إبرام أديس أبابا اتفاقا يمنحها منفذا بحريا مع أرض الصومال، التي سبق وأن أعلنت في تسعينيات القرن الماضي استقلالها عن الصومال، لكنها لا تحظى حتى الآن باعتراف دولي.
وفي أعقاب الاتفاق البحري المثير للجدل الذي يمنح أديس أبابا مرفأ وقاعدة بحرية في البحر الأحمر في مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة، تم طرد السفير الإثيوبي في مقديشو، في أبريل الماضي، كما أمهلت الحكومة الصومالية القوات الإثيوبية العاملة ضمن قوة لحفظ السلام، حتى أواخر العام المنقضي لمغادرة البلاد.
وحدث في مطلع ديسمبر الماضي، اختراق في جدار الأزمة المتصاعدة بين الجانبين، حينما توصّل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد إلى اتفاق برعاية الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان.
وخلال زيارة شيخ محمود السبت للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعاد الطرفان التأكيد في بيان مشترك على التزامهما باتفاق أنقرة و”روحية الصداقة والتضامن فيه”، وعلى تسريع عمل اللجان الفنية لتنفيذ الاتفاق.
وقرر الجانبان استعادة وتعزيز العلاقات بينهما من خلال إعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل في العاصمتين. كما شددا على ضرورة التعاون في القضايا الإقليمية والعمل معا بشكل وثيق من أجل الصالح العام.
وأكدا على أن الاستقرار الإقليمي هو الأساس لإقامة تعاون قوي بين البلدين قائم على الثقة والاحترام المتبادل، حيث اتفق الزعيمان على تعزيز الجهود الرامية إلى تقوية العلاقات الإقليمية وتعزيز التفاهم المتبادل.
كما لفت الطرفان خلال المباحثات على ضرورة مواصلة التعاون الأمني بين الحكومتين. ونظرا للتهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية في المنطقة، وجه الزعيمان الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين لتعزيز تعاونها من أجل تحقيق الاستقرار الشامل في المنطقة.
ويعتقد مراقبون أن الاختراق الجاري على خط مقديشو – أديس أبابا، هو نجاح يحسب للدبلوماسية التركية التي أثبتت حيويتها في أكثر من ملف، في المقابل فإن ما يحصل من شأنه أن يدفع مصر إلى إعادة حساباتها.
وكانت القاهرة سارعت إلى الإلقاء بثقلها خلف مقديشو في التوتر الذي حصل مع أديس أبابا، وذهبت حد توقيع اتفاق دفاعي، يتم بموجبه إرسال جنود إلى الصومال في إطار مهمّة حفظ سلام جديدة للاتحاد الأفريقي من المقرّر نشرها هذا الشهر في الصومال، رغم أنه من المتعارف على القاهرة عدم تفضيلها الانخراط في نزاعات خارجية.
ويقول المراقبون إن تطور العلاقات بصورة إيجابية بين الصومال وإثيوبيا يقلل فرص توطيد العلاقات بين القاهرة ومقديشو، حيث تزامنت زيادة وتيرة التوجه المصري حيال الصومال مع توتر الموقف السياسي بين الأخيرة وإثيوبيا، وهو ما حاولت مصر استثماره لتعزيز مقاربتها في القرن الأفريقي، ومناكفة أديس أبابا التي أوشكت على الانتهاء من سد النهضة من دون تنسيق مع القاهرة.
ويستدرك هؤلاء المراقبون بالقول إن تطبيع العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا إذا حافظ على وحدة الصومال وأنهى إشكالية تنفيذ اتفاق إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال سيجد ترحيبا من مصر، والتي لا تريد الدخول في مشاحنات تزيد التوتر مع إثيوبيا، وتتمنى منها التحلي بالروح نفسها في أزمة سد النهضة، وتتعاون لحلها بالطرق الودية والتفاهمات وإيجاد قواسم مشتركة تحقيق لمصر وإثيوبيا مصالحهما.
◄ الصومال وإثيوبيا وجدا في الوساطة التركية حلا مناسبا لكليهما، حيث لا يتحمل البلدان الآن الدخول في صراع
وأكدت الحكومة المصرية، السبت، رفضها لأي وجود عسكري لدولة غير ساحلية في البحر الأحمر في إشارة إلى إثيوبيا وذلك عقب لقاء جرى بين وزراء خارجية كل من مصر والصومال وإريتريا في القاهرة.
وشدد وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي في مؤتمر صحفي مع نظيريه، الصومالي، أحمد معلم فقي والإريتري عثمان صالح على أن الدول الثلاث اتفقت على دعم وحدة وسيادة الصومال وتقديم كل الدعم من مصر وإريتريا للصومال لبسط سيطرته على كامل التراب الصومالي.
وتزامن لقاء وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا مع الزيارة التي قام بها الرئيس الصومال إلى أديس أبابا.
وتشير الزيارات المتبادلة بين االصومال وإثيوبيا على مستوى كبار المسؤلين إلى صمود إعلان أنقرة، وأن تركيا مصممة على انزاله على الأرض عمليا، حيث يمثل الباب الذي يحافظ على مصالحها مع كل من الصومال وإثيوبيا، فالعودة للتوتر والمناوشات بينهما يزعج أنقرة، وقد يكلفها خسائر فادحة ويفتح المجال لتجدد صراع قديم بينهما، سوف تكون نتائجه مكلفة، ما يثير شهية بعض القوى الإقليمية والدولية لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي.
ويبدو الصومال وإثيوبيا وجدا في الوساطة التركية حلا مناسبا لكلاهما، حيث لا يتحمل البلدان الآن الدخول في صراع قد يصبح ممتدا، وبالتالي فالانحاءة التي يقوم بها كل طرف تتوافق مع طبيعة التحديات الصعبة في المنطقة والتي تتضاعف مع تصاعد حدة الخلافات بين مقديشو وأديس أبابا، ويصعب توقع مآلاتها العسكرية والسياسية، في ظل وجود جماعات إرهابية نشطة، وحساسيات عرقية وإثنية مفتوحة على حروب إقليمية.