الرئيس السوري يتجاوز منغصات الماضي القريب متطلعا لصفقات مع روسيا

الشرع: بعض الشروط الأميركية على روسيا تحتاج إلى تعديل.
الخميس 2025/04/24
الظرفية الداخلية والمحيطة تفرض التعامل ببراغماتية

أبدى الرئيس السوري أحمد الشرع رغبة في تعزيز العلاقات مع روسيا، متجاوزا بذلك منغصات الماضي القريب، وتعكس هذه الرغبة براغماتية سبق وأن أظهرها منذ تسلمه سدة السلطة، وإدراكا بحاجة دمشق لبناء علاقات جيدة مع الجميع.

دمشق - تحدث الرئيس السوري أحمد الشرع، الأربعاء، عن جزء من سياسة بلاده الخارجية، لافتا إلى أن دمشق تربطها مصالح كبيرة مع موسكو كما هو الحال مع أنقرة، وأن صفقات منتظرة ستعقد مع كليهما بما في ذلك في الجانب العسكري. ويعكس انفتاح الشرع على تطوير علاقته مع روسيا براغماتية سبق وأن أظهرها منذ صعوده إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي.

وكانت روسيا داعما رئيسيا للنظام السوري السابق، وساهمت بشكل مباشر في صموده لسنوات، لكن انخراطها في الأزمة الأوكرانية، أضعف بشكل واضح هذا الدعم، ليشكل الهجوم الخاطف لهيئة تحرير الشام في نوفمبر نهاية نظام الأسد، وبداية عهد جديد في سوريا.

وأبدت موسكو منذ الهجوم تسليما بالتغير الحاصل في سوريا والذي بدا واضحا أنه بتخطيط مباشر من تركيا، وذهبت موسكو حد الانفتاح على دعم السلطة الجديدة بقيادة الشرع، في حرص من جانبها للحفاظ على قاعدتيها العسكريتين في طرطوس واللاذقية.

ويقول محللون إن الرئيس السوري يدرك مدى حاجة بلاده للدعم الروسي، لاسيما في ظل ما تفرضه الولايات المتحدة من شروط يصعب تنفيذ بعضها ويرى بضرورة تعديلها. وكشف الشرع، في مقابلة مطولة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، أن حكومته تتفاوض على صفقات مع كل من تركيا وروسيا، وألمح إلى إمكانية الحصول على دعم عسكري مستقبلي من كليهما.

وقال، “لتركيا وجود عسكري في سوريا، ولروسيا أيضاً وجود عسكري. لقد ألغينا اتفاقيات سابقة بين سوريا ودول أخرى، ونعمل على تطوير اتفاقيات جديدة،” مبديا انفتاحا على شراء أسلحة إضافية من روسيا ودول أخرى. ويرى محللون أن الشرع ينتهج حاليا سياسة الانفتاح على الجميع، فتجده يغازل الغرب، ويبدي في الآن ذاته انفتاحا على معسكر الشرق.

◙ الرئيس السوري يلمح إلى أن حكومته قد تمنح الجنسية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” فإن الشرع يريد “إقناع الغرب بأنه شريك موثوق به، على الرغم من انتمائه السابق إلى تنظيم القاعدة،” وبحسب مقالها، يبدو أنه يُقيم علاقة جديدة مع روسيا، التي لديها مصلحة استراتيجية في الاحتفاظ بقواعدها في سوريا.

وقال الشرع “أبلغنا جميع الأطراف بأن هذا الوجود العسكري يجب أن يتماشى مع الإطار القانوني السوري”، مضيفاً أن أي اتفاقيات جديدة يجب أن تضمن “استقلال سوريا واستقرار أمنها، وألا يُشكّل وجود أي دولة تهديداً أو خطراً على الدول الأخرى عبر الأراضي السورية.”

ولا يزال من غير الواضح، بحسب الصحيفة، ما هو الدور الذي ستؤديه روسيا، “إن وُجد في سوريا ما بعد الحرب،” لكن الشرع، صرّح بأن موسكو زوّدت الجيش السوري بالأسلحة لعقود، ملمّحاً إلى أن “بلاده قد تحتاج إلى دعم روسيا أو دول أخرى مجددًا في المستقبل،”

وقال “حتى الآن، لم نتلقَّ عروضاً من دول أخرى لاستبدال الأسلحة السورية” التي تُصنّع في الغالب في روسيا. وأضاف “روسيا عضو دائم في مجلس الأمن. أسلحة سوريا روسية بالكامل. وهناك العديد من اتفاقيات الغذاء والطاقة التي اعتمدت عليها سوريا لسنوات طويلة. يجب أن نأخذ هذه المصالح السورية في الاعتبار.”

خلال المقابلة التي استمرت 45 دقيقة، ناشد الشرع واشنطن رفع العقوبات، قائلاً إنه من المنطقي الآن بعد سقوط النظام السابق. وقال “فُرضَت العقوبات رداً على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحق الشعب.” وأوضح الشرع أن بعض الشروط الأميركية “بحاجة إلى مناقشة أو تعديل،” رافضاً الخوض في تفاصيل أكثر. وألمح أيضاً إلى أن حكومته ستنظر في منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا في البلاد لسنوات، والذين تزوج بعضهم سوريات، والذين “انضموا إلى الثورة.”

◙ الشرع بحسب “نيويورك تايمز” يواجه معضلة، إذ يجب أن يُرضي هؤلاء المقاتلين كي لا ينقلبوا ضده أو ينفذوا عمليات انتقامية 

ويعد مصير الآلاف من المقاتلين الأجانب والذين تم تعيين بعضهم في مناصب داخل الحكومة الجديدة، أحد أبرز العقبات في طريق رفع العقوبات الغربية. وقد طالبت الدول الغربية بإبعاد هؤلاء، كشرط للحصول على تخفيف إضافي للعقوبات. لكن الشرع بحسب “نيويورك تايمز” يواجه معضلة؛ إذ يجب أن يُرضي هؤلاء المقاتلين كي لا ينقلبوا ضده أو ينفذوا عمليات انتقامية داخل البلاد.

وفي هذا الإطار، ألمح الرئيس السوري إلى أن حكومته قد تمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا و”ثبتوا إلى جانب الثورة،” على حد تعبيره.

إلا أن هذا الطرح يثير مخاوف لدى عدد من الدول الغربية، التي تخشى من أن تتحول سوريا إلى ملاذ للمتطرفين. غير أن الشرع سعى لطمأنتهم، مؤكدا التزامه بمنع استخدام الأراضي السورية لتهديد أي دولة أخرى. وقال في هذا السياق، “سوريا ملتزمة منذ البداية، قبل وصولنا إلى دمشق، بمنع استخدام أراضيها بأي شكل من الأشكال يهدد أي دولة أجنبية.”

وأكدت الصحيفة أن بناء جيش موحد يعدّ أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها الشرع في محاولته تأمين سيطرة الحكومة على جميع أنحاء البلاد، وقال: “هذا في حد ذاته يمثل تحدياً كبيراً. سيستغرق بعض الوقت.” وحذر الرئيس السوري من أن أي فوضى في بلاده ستضر بالعالم أجمع وليس دول الجوار فقط، مؤكدا أن دولا إقليمية وأوروبية تهتم باستقرار سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد.

وتزامنت مقابلة الرئيس السوري مع “نيويورك تايمز” مع زيارة عضو الكونغرس الأميركي الجمهوري كوري ميلز إلى دمشق الذي التقى بالشرع، لافتا إلى أن اللقاء تناول عددا من الملفات الحيوية، من بينها قضايا تتعلق بالأمن القومي، وتحديد الوضع الحدودي مع الدول المجاورة.

وقال ميلز إن الحوار مع الشرع كان “ملهماً” وساهم في بناء فهم أوسع للخصوم المشتركين بين الطرفين، ما يساهم في تحديد الشريك الأفضل للمرحلة المقبلة. وأشار ميلز إلى أن النقاش شمل أيضاً موضوع التعددية والمشاركة المتساوية للرجال والنساء داخل الحكومة والوزارات، مع التأكيد على أهمية المساواة في مختلف مستويات العمل الحكومي.

وأكد عضو الكونغرس الأميركي أن المحادثات تناولت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وتأثيرها المباشر على الشعب السوري بعد سنوات الحرب، إضافة إلى أهمية إعادة هيكلة الاقتصاد والتجارة من أجل مستقبل مستقر.

2