الرئيس الجزائري غارق في تفاصيل فترة الاستعمار

اللقاء بين عبدالمجيد تبّون والمؤرخ بنجامان ستورا يشهد على التقارب الجاري في العلاقات الفرنسية – الجزائرية رغم تمسك فرنسا بعدم تقديم الاعتذار.
الاثنين 2022/07/11
حبيس خلف قضبان الذاكرة

باريس- تستهوي قضايا الذاكرة وتفاصيل فترة الاستعمار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الذي يهرب إليها في محاولة لتأكيد قوة الجزائر في خضم هذه المرحلة التاريخية التي تتراجع فيها بسبب الدبلوماسية التي تقوم على الصدام مع الجميع -خاصة في المحيط الإقليمي- من خلال التوتر مع المغرب والتصعيد مع إسبانيا وبرود العلاقة مع كل من فرنسا وتونس.

وقال المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا إن الرئيس الجزائري عرض القيام بـ”عمل على الذاكرة” المشتركة طوال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر خلال لقاء معه في العاصمة الجزائرية.

وهذه المقابلة بين تبّون وستورا غير مسبوقة، ولاسيما بعد الانتقادات التي وجهت في الجزائر إلى تقرير رفعه المؤرخ في يناير 2021 إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر.

بنجامان ستورا: هذه أول مرة تجري خلالها مناقشة المسائل الجوهرية المتعلقة بالذاكرة من الجانب الجزائري منذ صدور التقرير

واستقبل تبون ستورا، الذي حمل له رسالة من ماكرون، لأكثر من ساعة الاثنين الماضي في العاصمة الجزائرية، عشية احتفالات الذكرى الستين لاستقلال الجزائر.

وقال ستورا معلقا “هذه أول مرة تجري خلالها مناقشة المسائل الجوهرية” المتعلقة بالذاكرة من الجانب الجزائري منذ صدور التقرير.

ولا يوصي التقرير الذي استند إليه الرئيس الفرنسي لوضع سياسته حول الذاكرة المشتركة، لا بتقديم اعتذار ولا بإبداء ندم، وهو ما أثار انتقادات حادة في الجزائر ولاسيما من قبل جمعيات المحاربين القدامى.

وحدثت أزمة بين الجزائر وفرنسا بعدما اعتبر الرئيس الفرنسي في سبتمبر 2021 أن الجزائر أنشأت بعد استقلالها عام 1962 “ريعا للذاكرة” حول حرب الاستقلال، كرسه “النظام السياسي – العسكري”. ويشهد اللقاء بين تبّون وستورا على التقارب الجاري في العلاقات الفرنسية – الجزائرية منذ بضعة أسابيع.

وقال المؤرخ لوكالة فرانس برس “أعتقد أن هناك إرادة لإحياء -لا أدري إن كانت هذه الكلمة مناسبة- وإنما لمواصلة حوار”، مشيرا إلى ان هناك “تغييرا في النبرة” بين البلدين. وأضاف أن تبون شرح له “الأهمية الكبرى للعمل على ذاكرة كامل مرحلة الاستعمار” وليس الاقتصار على حرب الجزائر وحدها (1954-1962)، وهو ما يؤيده ستورا نفسه.

وذكّر المؤرخ بأن “حرب احتلال الجزائر كانت طويلة جدا ودموية جدا، واستمرت عمليا نصف قرن”، من 1830 إلى 1871.

وترافقت مع “تجريد من الأملاك والهوية” إذ “حين كان الناس يخسرون أراضيهم، كانوا يخسرون أسماءهم”، كما ترافقت مع إقامة “مستوطنة” بوصول عدد الأوروبيين في نهاية المطاف إلى مليون شخص مقابل تعداد سكاني قدره تسعة ملايين نسمة.
وكلها صدمات لا تزال تبعاتها ماثلة إلى اليوم في نظرة كل من الشعبين إلى الآخر، وهي حسب رأيه “تفسر صعوبة العلاقات الفرنسية – الجزائرية”.

وأوضح ستورا أن “الناس لا يعرفون ما الذي جرى، إنها مشكلة الانتقال إلى الأجيال الشابة والعمل المشترك”.

ولفت إلى أنه “تم التركيز بشكل أساسي في الجزائر على حرب التحرير الوطني. حصل استقطاب شديد سواء في فرنسا أو في الجزائر حول حقبة الحرب حصرا، بل حتى نهاية الحرب، بين 1960 و1962”.

◙ التقرير الذي استند إليه ماكرون حول الذاكرة المشتركة لا يوصي بتقديم اعتذار ولا بإبداء ندم، وهو  ما أثار انتقادات في الجزائر
التقرير الذي استند إليه ماكرون حول الذاكرة المشتركة لا يوصي بتقديم اعتذار ولا بإبداء ندم، وهو  ما أثار انتقادات في الجزائر

وترافق هذا التركيز مع “مواجهات بين مجموعات ذاكرة” مختلفة حول المجازر وفرار المستوطنين الأوروبيين الذين يطلق عليهم اسم “الأقدام السوداء”، والصراعات على السلطة داخل الحركة القومية الجزائرية.

وقال ستورا “انصب اهتمامنا جميعا على تاريخ 1962” من توقيع اتفاقات إفيان في مارس إلى استقلال الجزائر في 5 يوليو، لكنه اعتبر أنه “لا يمكن أن نبقى أسرى تاريخ واحد هو 1962، علينا توسيع حقل أبحاثنا”.

ولم يتناول تبون خلال اللقاء تصريحات ماكرون التي أثارت جدلا، إذ تساءل عن وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي. وقد تشكل مسألة الذاكرة موضوع مباحثات مقبلة بين الرئيسين.

وفي الرسالة التي جاء بها بنجامان ستورا يدعو ماكرون إلى “تعزيز الروابط الوثيقة بالأساس” بين البلدين وكرّر “التزامه بمواصلة مسيرة الاعتراف بالحقيقة ومصالحة الذاكرات”، مشيرا إلى أنه سيقوم بزيارة إلى الجزائر “قريبا”.

4