الرئيس التونسي يوجه من ثكنة العوينة رسالة إلى اتحاد الشغل: لا أحد فوق المساءلة

الاتحاد يهدد بالتصعيد بعد إيقاف قيادي نقابي.
الخميس 2023/02/02
الرئيس التونسي: نخوض معركة تحرير وطني

تتجه العلاقة بين الرئيس التونسي قيس سعيد واتحاد الشغل نحو المزيد من التأزيم لاسيما بعد الرسائل الحازمة التي وجهها الرئيس سعيد خلال لقاء له مع قيادات من الحرس الوطني والتي أعقبها اعتقال قيادي نقابي.

تونس - تحركت السلطات التونسية سريعا للرد على إضراب قطع الطرق السيارة الرئيسية في البلاد باعتقال كاتب عام النقابة المسؤول، وكان الرئيس قيس سعيد لوح من ثكنة الحرس الوطني مساء الثلاثاء، باجراءات أشد ضد من وصفهم بـ”المتآمرين على البلاد” في إشارة واضحة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل.

وترى أوساط سياسية أن اعتقال أنيس الكعبي الكاتب العام “للنقابة الخصوصية للطرقات السيارة”، على خلفية إضراب دعت إليه نقابة الطرق السيارة الاثنين والثلاثاء تحت غطاء “مطالب اجتماعية تتعلق بالزيادة في الأجر”، هو رسالة تحذير من أنه لن يسمح لاتحاد الشغل باستغلال قدرته على  الإضرابات وشل حركة البلاد لابتزاز الدولة.

إقالة المدير العام لحرس الحدود وعدد من الإطارات الأمنية بجرجيس، في علاقة بفاجعة غرق مركب لمهاجرين غير نظاميين

وكان  الرئيس التونسي أشار في  كلمة له خلال اللقاء الذي جمعه بعدد من قيادات الحرس الوطني في العوينة صراحة إلى تورط نقابيين في أعمال تستهدف زعزعة استقرار البلاد.

وشدد الرئيس التونسي على أن “من يتولون قطع الطرق اليوم ويهددون بقطع الطريق السيارة لا يمكن أن يبقوا خارج دائرة المساءلة“.

وأضاف قيس سعيد أن “الحق النقابي مضمون بالدستور ولكن الحق الدستوري لا يمكن أن يتحول إلى مآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد“.

ويخوض الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر منظمة عمالية في تونس، منذ فترة عملية لي ذراع مع السلطة السياسية، في سياق مساعيه للحفاظ على نفوذه السياسي الذي تضخم بشكل لافت خلال السنوات العشر التي أعقبت انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، قبل أن يتآكل هذا النفوذ مع انطلاق مسار الخامس والعشرين من يوليو.

وبات الاتحاد يتقدم صفوف المعارضة السياسية مستغلا في ذلك قدرته على حشد العمال “تحت عناوين مطلبية”، وتعطيل القطاعات الاقتصادية، في ابتزاز للرئيس سعيد، من أجل الإقرار بدوره كطرف رئيسي في صنع القرار السياسي، كما كان الحال خلال العشرية السابقة.

وذهب اتحاد الشغل إلى حد طرح مبادرة تضمنت جملة من المحاور منها البحث في نظام سياسي جديد، مهددا بأنه في حال لم تلق مبادرته صدى إيجابيا من قبل الرئيس فإنه سيذهب باتجاه خطوات تصعيدية.

ويرى متابعون أن إيقاف القيادي النقابي وموقف الرئيس سعيد في الكلمة التي ألقاها من ثكنة العوينة يعكسان توجها من قبل السلطة لوضع حد لابتزاز المنظمة النقابية، ومن المرجح أن تقابل أي تحركات من قبل المنظمة برد حاسم وسريع.

وأثارت التطورات المسجلة حالة من الاستنفار في صفوف قيادة الاتحاد التي قررت هيئتها الإدارية عقد جلسة الجمعة لتدارس ما أسمته بـ “خطوات الردّ على استهداف المنظمة العمالية“.

وكانت المنظمة الشغيلة نددت بتوقيف الكاتب العام للنقابة الخصوصية للطرقات السيارة، معتبرة  ذلك “خرقا” للحقوق النقابية وللدستور التونسي.

كما اعتبرت أن خطاب قيس سعيّد “تضمّن تحريضا ضدّ حرية العمل النقابي والحقّ في الاحتجاجات السلمية”، ودعت أنصارها إلى “التعبئة والاستعداد للدفاع عن الحقّ النقابي وحقّ الإضراب والحريات العامة والفردية بكلّ الأشكال النضالية المشروعة“.

تهديد صريح
تهديد صريح

وأكد القيادي في الاتحاد حمزة محمودي في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن سبب توقيف أنيس الكعبي يعود إلى “تقديم شكوى بخصوص تصريحاته الإذاعية كبدت شركة (الطرق) خسائر مالية“.

وقال المحلل التونسي نبيل الرابحي في تصريحات لـ”العرب” إن “الرئيس التونسي كان واضحا لجهة أن الحقّ النقابي حقّ دستوري، ولكن لا يمكن أن يكون مطية لمآرب سياسية، كما أكد على وجود معركة سيادة وطنية في ظل الاستقواء بالأجنبي من قبل المعارضة التي تُمنّي النفس بتدخل عسكري أجنبي من أجل قلب الموازين في تونس“.

وفي كلمته قال قيس سعيد إنه “لا يمكن أن يُترك أعداء الدولة وأعداء الوطن بل وأعداء الشعب التونسي خارج المساءلة أو خارج دائرة أي جزاء“.

وتوجه إلى قيادات الحرس الوطني قائلا إن “الشعب يريد المحاسبة ومطلبه الأساسي المحاسبة ودوركم تاريخي في الاستجابة لمطالب الشعب“.

وتابع “واجبكم المقدس أن تتم محاسبة كل من أجرم في حق الوطن (..) ولا يمكن أن يُترك مجرم واحد دون مساءلة.. اليوم نخوض معركة تحرير وطني للحفاظ على الدولة وكفى من يستخفون بالدولة ما اقترفوه من جرائم وما يدبرونه من جرائم في المستقبل“.

ومشددا على مطلبه استطرد الرئيس سعيد “عليكم (قيادات الحرس الوطني) وعلى القضاة الشرفاء أن يقوموا بدورهم كاملا حتى يتم التصدي لمن تآمر على الدولة في السنوات الماضية، ومازالوا إلى حد هذه الساعة يتآمرون على الدولة“.

الاتحاد العام التونسي للشغل يخوض منذ فترة عملية لي ذراع مع السلطة السياسية، في سياق مساعيه للحفاظ على نفوذه السياسي الذي تضخم بشكل لافت

وأضاف أن “الشعب يريد تطهير البلاد، الشعب يريد المحاسبة لأنه سئم بالفعل من طول الإجراءات وسئم بالفعل من القضايا التي بقيت منشورة لمدة أكثر من عقد دون أي حكم وحتى إن صدرت بعض الأحكام فقد صدرت للأسف على المقاس“.

وأشار إلى حادثة جرجيس حينما غرق مركب يقل مهاجرين غير نظاميين في سبتمبر الماضي، مؤكدا أن هناك أدلة ثابتة على أن ما جرى كان متعمّدا، بهدف تأجيج الأوضاع، وشدد الرئيس على أن المركب تم إغراقه في عملية اغتيال مدبرة وأنه لا بد من التحرك لمحاسبة من يقفون خلفها.

وذكر أن هناك من الأطراف المتورطة من تلقى مئتي مليون دينار، مشددا على ضرورة محاسبة هؤلاء.

وقال نبيل الرابحي “الرئيس سعيد ينادي بالمحاسبة التي كانت ضمن برنامجه بعد 25 يوليو 2021 (استفتاء ودستور وانتخابات تشريعية) وكان واضحا في الرد على حادثة جرجيس (جنوب) بخصوص المعطيات والحقائق“.

وأضاف المحلل السياسي التونسي أن الرئيس التونسي أراد عبر كلمته إيصال رسالة إلى أهالي ضحايا غرق مركب جرجيس تفيد بأن مسار المحاسبة انطلق، وأنه ستتم مساءلة كل من تورط لاسيما بعد انتهاء التحقيقات من قبل فرقة مختصة في العوينة.

وبالفعل أعلنت وزارة الداخلية التونسية الأربعاء عن إقالة المدير العام لحرس الحدود وعدد من الإطارات الأمنية بجرجيس.

وأثارت فاجعة غرق المركب غضب الأهالي في جرجيس بعد التفطّن إلى دفن عدد من ذويهم الغرقى من قبل السلطات المحلية دون إخطارهم. وأفضت التحقيقات إلى معرفة هويات 11 من الغرقى فيما لا يزال تسعة في عداد المفقودين.

4