الرئيس التونسي يعطي الضوء الأخضر لفتح باب التوظيف العمومي

تواجه تونس تحديا كبيرا في ملف الوظيفة العمومية مع نقص الكوادر في قطاعات رئيسية أهمها التعليم، ما دفع الرئيس قيس سعيد إلى مطالبة الحكومة بإيجاد الحلول اللازمة لفتح باب الانتداب مع تصورات جديدة لتمويل الميزانية.
تونس - طالب الرئيس قيس سعيد الحكومة بفتح باب التوظيف العمومي، المعطل منذ 2017 بسبب أزمة المالية العمومية، وهو الملف الأكثر إثارة للجدل في البلاد بعد عام 2011 بسبب تعقيداته وتداخله مع عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية. وطالب الرئيس سعيد، في لقائه برئيسة الحكومة سارة الزعفراني ووزيرة المالية مشكاة سلامة، بإيجاد “تصورات جديدة لتمويل الميزانية مع فتح باب الانتدابات من جديد في العديد من القطاعات.”
وسبق أن انتقد الرئيس “إثقال ميزانية الدولة بعدد من الانتدابات دون وجه حق،” مؤكدا أن هذه السياسة أدت إلى “إفراغ عديد المرافق الحيوية من الإطارات والأعوان ولم تعد قادرة على إسداء الخدمات المطلوبة للمواطنين.” وتعهدت الحكومة في وقت سابق الشهر الجاري بفتح الباب أمام التوظيف العمومي. وقال وزير التشغيل والتكوين المهني رياض شود إن ميزانية 2025 تتضمن نحو 20 ألف فرصة عمل. بينما يظل التحدي قائماً لتعزيز نمو القطاعات الصناعية والخدمية وجذب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق نمو شامل ومستدام.
ولطالما شكل ملف عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس عنصر صراعات سياسية واقتصادية ونقابية، بين منتقد لهذا العدد المتنامي مقارنة مع القدرات المالية المتهالكة للدولة ومناصر لوجوب مواصلة سياسة الانتدابات تحقيقاً لأحد مطالب ما بعد انتفاضة عام 2011 وهو ضرورة توفير فرص العمل.
وتواجه تونس صعوبات في تعبئة موارد كافية لتمويل الميزانية ويعيق هذا التوظيف العمومي، في وقت تعاني فيه بعض القطاعات من نقص في الموارد البشرية، وهذا ما دفع إلى تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية من قبل حكومة يوسف الشاهد في 2017، ثم تداولت الحكومات التونسية المتعاقبة على تثبيت هذا القرار بهدف الضغط على الأجور والتحكم في الميزانية.
ووقعت الحكومات التونسية المتعاقبة بعد عام 2011 بين مشكلتَي المطالب الاجتماعية والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، حيث تشير تجارب الدول إلى أن الإصلاحات الهيكلية عادةً ما تتطلب وضعاً اجتماعياً مستقراً. غير أن موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط انطلقت بعد عام 2011 من أجل توفير الوظائف، رغم صدور مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه توظيف حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية، من دون مناظرات رسمية.
ومع مرور الوقت تضخم عدد الموظفين العموميين وتراجع نمو الاقتصاد التونسي، لترتفع معه نسبة التضخم ويظهر تحد جديد يتمثل في ارتفاع هائل لكتلة الأجور، في مقابل إهمال التنمية والإصلاحات الأساسية. لكن متاعب الحكومات التونسية لم تتوقف عند هذا الحد، فمع تزايد الطلب على القروض الخارجية فرض صندوق النقد الدولي مجموعة إصلاحات أهمها التحكم في كتلة الأجور والعودة بها إلى مستوى 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام.
وانتقد الصندوق في عام 2014 كتلة الأجور في تونس، معتبراً إياها الأعلى في العالم، ومؤكداً وجوب التحكم فيها مع استعادة نسق النمو. وتشكل كتلة الأجور 50 في المئة من نفقات ميزانية تونس. وبحسب تقديرات وزارة المالية التونسية فإن فاتورة الأجور ناهزت 8 مليارات دولار في 2024 مقابل ما يزيد عن 7 مليارات دولار في 2023.
◙ ميزانية 2025 تتضمن نحو 20 ألف فرصة عمل بينما يظل التحدي قائما لتعزيز نمو القطاعات الصناعية والخدمية
ومع ذلك تعتبر البطالة في تونس مشكلة كبيرة، حيث تبلغ وفق آخر تحديث 15.7 في المئة وترتفع في صفوف الشباب ما بين 15 و24 عاما إلى 37.7 في المئة بينما تصل إلى 23.5 في المئة في صفوف حاملي الشهادات العليا الذين باتوا يتجهون إلى مغادرة البلاد بحثا عن فرص العمل. وبحسب المرصد الوطني للهجرة تخسر تونس قرابة 30 ألفا من كوادرها الذين يغادرون إلى الخارج للبحث عن فرص العمل، في الوقت الذي تعاني فيه قطاعات مثل التعليم من نقص في كوادرها.
وقدر وزير التعليم التونسي نقص المدرسين بأكثر من 10 آلاف مدرس، وهو ما دفع الحكومة إلى إيلاء أولوية قصوى لتوظيف خريجي كليات التربية وتدعيم المنظومة التعليمية. ورغم جميع هذه التحديات إلا أن هناك مؤشرات إيجابية تتمثل في أداء الربع الأول من عام 2025 الذي يعكس قدرة تـونس على تجاوز تحديات ما بعد جائحة كورونا وتداعيات الجفاف بفضل سياسات الزراعة المدعمة وإصلاحات سوق العمل.
وأقرت الحكومة التونسية إجراءات جديدة في قانون المالية لسنة 2025 من ضمنها رفع الأجور في القطاعين العام والخاص بنسبة 7.5 في المئة بهدف “تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لمختلف الفئات ودعم التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.” كما تضمن القانون إحداث صناديق اجتماعية جديدة أهمها صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات وصندوق التأمين على فقدان مواطن الشغل لأسباب اقتصادية فضلا عن إحداث خط تمويل بما يفوق 3 ملايين دولار لدعم المشاريع الفردية، إلى جانب إسناد قروض ميسرة.
وصوت النواب في البرلمان التونسي على مقترح فصل إضافي لمشروع قانون مالية 2025 ينص على إحداث منصة توظيف تمنح الأولية لمن هم في وضعية بطالة لمدة تتجاوز 10 أعوام. ويوصي اقتصاديون بحل مشكلة إنتاجية الموظفين في تونس التي تعتبر ضعيفة جداً، لأن المسألة مرتبطة بمنظومة كاملة أو بمناخ محدد يجب أن يتوفر انطلاقاً من توفير جملة من الشروط على غرار وجود مشروع عمل للموظف يعمل عليه.
كما أن ظاهرة التغيب عن العمل تُفقد الدولة ملايين ساعات العمل، مع بروز مصطلحات يتهكم بها المواطنون على خدمات الإدارة من قبيل “عُد غدا أو المنظومة المعلوماتية غير متاحة الآن” للتهرب من تأدية العمل. وتواصل الحكومة في نفس الوقت حملتها على الفساد، حيث قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة الاثنين غيابيا بالسجن ستّة أعوام مع النفاذ العاجل في حق وزير أملاك الدولة الأسبق سليم بن حميدان، ورجل أعمال تونسي موجود في الخارج.