الرئيس التونسي يحث على تفعيل المصالحة مع رجال الأعمال

يسعى الرئيس التونسي قيس سعيد للمضي قدما في تطبيق مرسوم يتعلق بالمصالحة مع رجال أعمال متهمين بالفساد (الصلح الجزائي) رغم الانتقادات والتشكيك وذلك للاستفادة من الأموال (المنهوبة) في جهود التنمية وبعث المشاريع في المناطق المهمشة في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة تمر بها البلاد.
تونس - بحث الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الأربعاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ملف مرسوم يتعلق بالمصالحة مع رجال أعمال متهمين بالفساد (الصلح الجزائي) حيث دعا إلى ضرورة الانطلاق في العمل به، وذلك وفق بيان من رئاسة الجمهورية التونسية.
وتأتي دعوة الرئيس التونسي للبدء في العمل بالصلح الجزائي في خضم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد حيث يهدف هذا الصلح إلى إعادة الأموال (المنهوبة) واستثمارها للتخفيف من وطأة الصعوبات المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد والدفع بجهود التنمية والاستثمار.
وكان الرئيس التونسي قد صرح في 28 يوليو 2021 أي بعد ثلاثة أيام من اتخاذ الإجراءات الاستثنائية بأن “قيمة الأموال المنهوبة من البلاد تقدر بـ13.5 مليار دينار (نحو 5 مليارات دولار)، ويجب إعادتها مقابل صلحٍ جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها”.
وبين حينها أن”عدد الذين نهبوا أموال البلاد 460 شخصًا، وفق تقرير صدر عن اللّجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرّشوة والفساد”.
ويحدد مرسوم الصلح الجزائي الذي أصدره الرئيس في 20 مارس الماضي إجراءت الصلح بين الدولة ورجال الأعمال المتهمين بالفساد والكسب غير الشرعي والتي تتمثل أساسا في “الجرائم الاقتصادية والمالية والأفعال والأعمال والممارسات التي تترتب عليها منافع غير شرعية أو يمكن أن تترتب عليها منافع غير شرعية أو غير مشروعة والتي أنتجت ضررًا ماليًا للدولة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات والهيئات العمومية أو أي جهة أخرى”.
ويؤسس مرسوم الصلح الجزائي وفق واضعيه لمبدأ العدالة الجزائية التعويضية وينظم طرق توظيف عائدات الصلح لفائدة المجموعة الوطنية وفق قاعدة العدل والإنصاف.
ويهدف الصلح الجزائي إلى تعويض التتبعات العدلية والمحاكمات بحق المتورطين في الفساد وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة مع الأخذ بعين الاعتبار نسب التضخم المالي استنادا إلى الأرقام الرسمية التي تقدمها الهياكل
الرسمية المختصة.
وفي مايو الماضي طالب الرئيس سعيد وزيرة العدل ليلى جفال بتشكيل الهيئة المتعلقة بالتسوية والمصالحة مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد لفسح المجال أمام تطبيق إجراءات الصلح الجزائي.
ورغم الانتقادات التي تعرض لها المرسوم من قبل عدد من السياسيين والخبراء في القانون والاقتصاد لكن الرئيس سعيد ظهر مصمما على تطبيقه مدعوما بتوجه شعبي يرى في استعادة تلك الأموال فرصة لإخراج البلاد من أزمتها أو على الأقل التخفيف من وطأة المصاعب المالية والاقتصادية.
وكان الوزير السابق حاتم العشي قد انتقد في تصريح سابق لـ”العرب” المرسوم قائلا إن “الأمور ما زالت غامضة والمرسوم غير واضح، رجال الأعمال أصبحوا مخيّرين بين دفع ديونهم للدولة أو إنجاز مشاريع (مدرسة، مستشفى.. إلخ) في جهات معينة”.
وأوضح أن رجال الأعمال الذين سيقومون بمشاريع في المناطق الداخلية أو المهمشة سينظر إليهم كونهم فاسدين وهو ما سيؤثر على صورتهم لدى الرأي العام وفي المناطق التي سيستثمرون فيها.
سعيد ظهر مصمما على تطبيق الصلح الجزائي مسنودا بتوجه شعبي يدعم جهود استعادة الأموال المنهوبة
كما يرى المنتقدون للصلح الجزائي أن المردود المالي لن يكون هاما فهنالك من رجال الأعمال المتهمين من غادر البلاد ومن توفي ومن مثُل أمام القضاء وتمت تبرئته وهنالك أيضا من تعرض للإفلاس ولم يعد قادرا على الاستثمار وإنجاز المشاريع.
في المقابل يرى المؤيدون للصلح الجزائي أنه سيساهم في تحقيق تنمية في المناطق المهمشة والداخلية والتي عانت طويلا من تجاهل مختلف الحكومات وسينهي كذلك محاولات استغلال رجال الأعمال المتهمين بالفساد من بعض القوى السياسية المتنفذة وهو ما حصل فعلا في العشرية الماضية.
ويؤكد الداعمون للصلح الجزائي أنه قادر على المدى المتوسط والطويل على تحسين الوضع التنموي في بعض المناطق المهمشة كما أن عائداته المالية الهامة كفيلة بتخفيف وطأة الأزمة المالية.
وتواجه تونس أسوأ أزماتها المالية والتي تعمّقت بسبب العجز عن دفع عجلة التنمية، ما أرغم البلاد على الاعتماد على الاقتراض حيث تأمل حكومة نجلاء بودن في توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض ومساعدات مالية.
ويعمل قيس سعيد، وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد وصل إلى الرئاسة كمستقل في 2019، على حملة لمكافحة الفساد وتطهير الإدارة التونسية من الفاسدين وحمايتها من تأثير ونفوذ قوى حزبية اتهمها بالتسبب في الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.