الرئيس التونسي يتحفظ على لقاء المفوض الأوروبي في رد مبطن على المبالغات الأوروبية

شكل عدم لقاء الرئيس التونسي قيس سعيد للمفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتيلوني رسالة مبطنة على رفض تونس للمبالغات التي تسوقها المؤسسات الأوروبية حيال الوضع في البلاد.
تونس - ألغي لقاء كان مقررا إجراؤه بين الرئيس التونسي قيس سعيد ومفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية باولو جنتيلوني، خلال زيارة أداها الأخير إلى تونس الاثنين، لبحث الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.
واقتصرت زيارة المسؤول الأوروبي على لقاء عدد من المسؤولين في الحكومة التونسية، بينهم وزير الخارجية نبيل عمار، ووزير الاقتصاد سمير سعيد، ووزير المالية سهام البوغديري.
ويرى متابعون أن إلغاء اللقاء المفترض أن يجري بين الرئيس سعيد وجنتيلوني هو بمثابة رسالة مبطنة عن رفض تونس لما تعتبره تدخلا في شؤونها الداخلية، خصوصا وأن البرلمان والمفوضية من ضمن مؤسسات أوروبية، وجها في الفترة الأخيرة العديد من الانتقادات للسلطة السياسية، واعتمدت المؤسستان خطابا بدا تهويليا في توصيفهما لما يجري في تونس.
وهناك انقسام في الاتحاد الأوروبي حيال ما يجري في تونس، فبينما تميل إيطاليا التي تعد أبرز المتأثرين بما يجري في البلاد، إلى تبني مقاربة أكثر واقعية، وتركز على أهمية دعم تونس اقتصاديا، تتبنى قوى أوروبية أخرى مواقف متشددة تركز على الجانب السياسي، وهو ما ترفضه تونس بشدة وتعتبره تدخلا في شأنها الداخلي، وتماهيا غير منطقي مع ما تروجه قوى المعارضة والذي لا يخلو من مغالطات.
ودعت تونس الاثنين الاتحاد الأوروبي إلى “تفهّم خصوصية الوضع”، وأتت الدعوة في بيان أصدرته الخارجية التونسية عقب استقبال وزير الخارجية المفوّض الأوروبي لشؤون الاقتصاد.
ونقل البيان عن عمّار قوله إنّ بلاده تدعو “الجانب الأوروبي إلى تفهّم خصوصية ودقّة المرحلة التي تمرّ بها بلادنا واعتماد خطاب مسؤول وبنّاء يعكس حقيقة الواقع ويثمّن ما تمّ تحقيقه في إطار السعي إلى إرساء ديمقراطية حقيقية”.
وأضاف أنّ “بلادنا تعوّل على إمكانياتها الذاتية وعلى الدعم الاقتصادي والمالي لشركائها، بما فيهم الاتحاد الأوروبي، لإنجاح مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني دعوا الجمعة في بروكسل إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية خطرة من أجل تخفيف “ضغط الهجرة”.
وأتت هذه الدعوة بعدما أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مطلع الأسبوع الفائت أنّ التكتل يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها.
وحذّر بوريل إثر اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل من أنّ “الوضع في تونس خطير للغاية”. وقال “إذا انهارت تونس، فإنّ ذلك يهدّد بتدفّق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي والتسبّب في عدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نريد تجنّب هذا الوضع”.
وأثارت تصريحات بوريل غضب الأوساط الرسمية وحتى الشعبية في تونس، وردت الخارجية التونسية يومها على تصريحات بوريل بوصفها بـ”غير متناسبة”، وتحمل مبالغات.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادّة وتخوض مفاوضات متقدّمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة ملياري دولار.
وتنتظر تونس من شركائها التاريخيين، لاسيما الأوروبيين، موقفا أكثر تفهما ودعما أمام التحدي الاقتصادي الذي تواجهه، وقد أبدت تونس سواء من خلال رفض الرئيس لقاء المفوض الأوروبي أو من خلال الموقف الذي أعلنت عنه الخارجية التونسية أنها ليست في وارد القبول بوضع الخاضع، وأنها تطالب باحترام أكبر للدولة التونسية.
ويعتقد المتابعون أن الرسالة التونسية وصلت إلى الجانب الأوروبي، الذي سيكون عليه تغيير مقاربته في التعاطي مع الشأن التونسي، مستبعدين أن يذهب الأوروبيون في سياق اتخاذ أي خطوات تأزيمية، لأن ذلك لا يصب في صالحهم.
ودعا وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الاثنين المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدة عاجلة لتونس، محذرا من أن ترك تونس سيعني فسح المزيد من المجال للصين وروسيا، وأيضا تمكين الإخوان المسلمين، في إشارة إلى عودة حركة النهضة الإسلامية.
وقال تاياني لصحيفة “كورييري ديلا سيرا” الاثنين إنه يجب الإفراج عن أموال صندوق النقد الدولي لمساعدة تونس التي تواجه وضعا ماليا صعبا، وفي ظل حالة طوارئ تتعلق بالهجرة السرية.
وأضاف “دعونا لا نخطئ في ترك تونس بيد الإخوان المسلمين”. واستدرك بقوله “الجميع يتحركون الآن (لإنقاذ تونس)، وقد ذهب المفوض الأوروبي باولو جنتيلوني إليها، كما أن فرنسا تتابع المشكلة عن كثب، وخاصة بعد اجتماع الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني”.
وأضاف “نحن نتحدث مع الجميع، ونؤيد حلا وسطا يتجلى في تقديم دعم أولي، لأن التونسيين يقولون إنهم دون مال، ولا يمكنهم تنفيذ إصلاحات البنك الدولي. فماذا عسانا أن نفعل إذا لم يتدخل الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي، بينما تتدخل الصين أو روسيا؟”.
وتابع “هناك قوانين وعمل متواصل من قبل الجميع، سواء خفر السواحل أو قوات بحريتنا، ومنذ شهرين ونحن ننقل ما يحدث ونؤكد في جميع المحافل الدولية أنه يجب أن نساعد تونس بتمويل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويجب البدء بتقديم مساعدات أولية على الأقل، في انتظار إجراء الإصلاحات والتحقق من مضيّها قدما، لكننا ما زلنا ندور في حلقة مفرغة تغذّي حالة الطوارئ المالية وتدفقات الهجرة”.
وتخشى إيطاليا من أن يؤدي تفاقم الأوضاع الاقتصادية في تونس إلى تغذية ظاهرة الهجرة غير النظامية إلى أراضيها.