الرئيس التونسي يتبنى مسارا تصعيديا مع الأوروبيين

العرض المالي المحدود واجهة لخلافات أكبر.
الأربعاء 2023/10/04
الخلاف مع الأوروبيين لا يعيق التزام تونس بمواجهة مهربي البشر

تونس – أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد أنه يرفض العرض المالي الزهيد (60 مليون يورو لدعم موازنة الدولة) الذي قال الاتحاد الأوروبي إنه سيحوله إلى تونس، في خطوة تظهر أن قيس سعيد غير راض عن تعامل الأوروبيين مع بلاده، وأن موضوع العرض المالي ليس هو المشكل الوحيد وأنه يخفي خلافات أكبر بين الطرفين.

وجاء رفض العرض المالي بعد حملة أوروبية مزدوجة على تونس بشأن ملف المهاجرين غير النظاميين، وجمعت بين اتهامات دبلوماسية لها بالتقصير في التصدي لمهربي البشر، وأخرى حقوقية تتهمها باستهداف المهاجرين والدفع بهم إلى الحدود مع ليبيا والجزائر في ظروف صعبة واعتماد تقارير غير موضوعية لإدانة الموقف الرسمي التونسي.

ويحمل إعلان قيس سعيد عن رفض العرض المالي الأولي رسالة مفادها أنه ليس في موقف ضعيف، وأن الأزمة المالية التي تعيشها البلاد لا تعني التنازل أو القبول بالأمر الواقع، لكن من دون التخلي عن اتفاق الشراكة الشاملة، أو التراجع عن التزامات تونس في مواجهة مهربي البشر.

خليل الرقيق: تونس ترفض اعتماد الدعم المالي كورقة ابتزاز في موضوع الهجرة
خليل الرقيق: تونس ترفض اعتماد الدعم المالي كورقة ابتزاز في موضوع الهجرة

وقال المحلل السياسي التونسي خليل الرقيق إن رفض العرض المالي الأوروبي ليس رفضا لمذكرة التفاهم ولا لخط التمويل المتفق عليه في نطاق حزمة الشراكة الشاملة، إنما هو رفض لتجزئة المحاور والملفات واعتماد الدعم المالي كورقة ابتزاز في موضوع الهجرة.

وأضاف الرقيق في تصريح لـ”العرب” أن هناك أصواتا داخل الاتحاد الأوروبي تحاول عرقلة وثيقة التفاهم لغايات سياسية معلومة والحال أنه تفاهم ذو صبغة إنمائية واقتصادية تراعي مصالح كل الأطراف، وما على الطرف الأوروبي إلا الاستعداد الملموس لتطبيقها بالكامل.

وتابع “لقد عبّر رئيس الجمهورية عن إرادة وطنية سيادية في إطار دبلوماسية التعامل الندي بين الدول، وأظن أن الرسالة قد وصلت كما يجب إلى من يهمه الأمر”.

ولا شك أن تصعيد قيس سعيد لن يفضي إلى قطيعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، ذلك أن كل طرف في حاجة إلى الآخر وخاصة في مواجهة تدفقات اللاجئين.

لكن من الواضح أن الرئيسي التونسي مستاء من صمت المفوضية الأوروبية تجاه الحملة التي استهدفت تونس، وصدرت عن مسؤولين أوروبيين ونواب في البرلمان الأوروبي، وسعت للضغط من أجل إفشال اتفاق الشراكة والتراجع عنه بمبررات حقوقية متغافلة عن الدور الذي تلعبه تونس في التصدي لتدفقات اللاجئين، وأن الشراكة التزام متبادل بالاتفاقيات.

وفي مسعى للتهدئة من الجانب الأوروبي واحتواء الغضب التونسي، قالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية الثلاثاء إن المفوضية على اتصال دائم مع السلطات التونسية بشأن تأكيد العمل بمذكرة التفاهم الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي.

وتواجه العلاقة بين تونس وشريكها الاقتصادي الأول حالة من التوتر بسبب تأخر الاتحاد الأوروبي في تحويل مذكرة التفاهم إلى اتفاق ملموس وسريع بهدف المساعدة في إنعاش الاقتصاد التونسي ودعم موازنة الدولة وتعزيز جهود مكافحة الهجرة غير النظامية.

ويتضمن الاتفاق تعهدات بصرف 150 مليون يورو لموازنة الدولة و100 مليون يورو لخفر السواحل، إلى جانب قرابة 900 مليون يورو على المدى الطويل لدعم الاقتصاد والاستثمار في تونس.

لكن المفوضية أعلنت قبل أسبوع عن مساعدات طارئة تقدر بـ127 مليون يورو، تتضمن 60 مليون يورو لدعم موازنة الدولة، من بين خطة أوسع لمجابهة الوضع في جزيرة لامبدوسا الإيطالية التي تشهد تدفقا كبيرا للمهاجرين القادمين من السواحل التونسية.

وقال الرئيس التونسي مساء الاثنين إن الاتفاق “يتعارض مع مذكرة التفاهم” وإن تونس لن تقبل “بما يشبه المنّة أو الصدقة”.

وكان من المقرر أن يزور وفد من المفوضية الأوروبية تونس لمناقشة بنود المذكرة الأسبوع الماضي لكن الرئيس سعيد طلب من وزارة الخارجية إبلاغ الجانب الأوروبي بتأجيلها، في مؤشر على برود في العلاقة بين الطرفين.

وأشار وزير الداخلية التونسي كمال الفقي في فيديو نشر مساء الجمعة على صفحة وزارته على فيسبوك إلى أن سعيّد “طلب التأجيل من أجل تدارس النقاط التي يجب التفاوض حولها في شأن الاتفاق”.

ولئن استبعد وجود “خلاف” مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف، فقد شدد الفقي على أن هذا “الاتفاق حديث.. ولم يرَ النور بعد”.

وفي منتصف سبتمبر منعت تونس وفدا من البرلمان الأوروبي من دخول أراضيها، في موقف يظهر أن الرئيس التونسي يرفض بشكل قاطع التدخل الخارجي في مسألة حقوق الإنسان ويعتبره تدخلا يمسّ بالسيادة الوطنية سواء أكان من الوفود السياسية والبرلمانية أم من الجمعيات الحقوقية.

وما أثار التونسيين أن الوفد أوحى، في تصريح أدلى به أحد أعضائه، بأن الزيارة التي تتيح الاتصال بالجمعيات والسياسيين والنقابيين هي جزء من اتفاق الشراكة الذي تم توقيعه مؤخرا بين تونس والاتحاد الأوروبي.

وكان من المقرر أن يتوجّه هذا الوفد المؤلف من خمسة نواب بينهم ثلاثة فرنسيين إلى تونس العاصمة “لفهم الوضع السياسي الحالي بشكل أفضل” وتقييمه بعد توقيع الاتفاق.

وقال الفقي إن هذا الوفد “لا يمثل البرلمان الأوروبي. هم أربعة نواب يعملون بشكل مستقل انخرطوا في الحملة الموجهة ضد السلطات التونسية”.

وشدّد وزير الداخلية التونسي على أن النواب الأربعة “غير مرغوب في وجودهم على الأراضي التونسية”.

1