الرئيس التركي يعاتب الأميركيين

أردوغان يحذر واشنطن من المخاطرة بعلاقاتها مع أنقرة، مشيرا إلى أن ذلك قد يدفع بلاده إلى البحث عن "أصدقاء وحلفاء جدد".
الأحد 2018/08/12
الأزمات تتعقد أكثر

واشنطن - كتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقالة في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بعنوان "كيف ترى تركيا الأزمة مع الولايات المتحدة"، عرض من خلالها وجهة نظره تجاه الأزمة الحادّة التي تمرّ بها علاقات البلدين في لهجة تبدو في ظاهرها تحذيرية لكنها تعكس بين سطورها قلقا تركيّا ممّا آلت إليه الأوضاع.

وحذر أردوغان من أن شراكة الولايات المتحدة مع تركيا قد تكون في خطر مؤكدا أن بلاده قد تبدأ بالبحث عن حلفاء جدد. وكرر الرئيس التركي ذات التهديد، في خطاب ألقاه، السبت، في ولاية أوردو الشمالية، قال فيه "أوجه الخطاب إلى مسؤولي الولايات المتحدة مجددا، أنتم تتخلون عن شريك استراتيجي في حلف شمال الأطلسي (ناتو) مقابل قس، هذا أمر مؤسف".

وأضاف “إنهم يهددوننا (الولايات المتحدة)، لا يمكنهم إخضاع هذه الأمة عبر لغة التهديد إطلاقا، نحن نفهم لغة القانون والحق”.

ويبدو الخطاب أقرب إلى خطابات الحملات الانتخابية الموجهة إلى الداخل، حيث الأزمة محتقنة بسبب الوضع الاقتصادي والتضييق المستمر على الحريات، في حين يرى المتابعون أن مقالته في الصحيفة الأميركية غلبت عليها نبرة الشكوى من المأزق الذي وضعت فيه واشنطن حليفتها أنقرة من خلال قراراتها الأخيرة، وخاصة تلك المتعلّقة بفرض الرئيس دونالد ترامب عقوبات على مسؤولين أتراك، وزيادة الرسومات الجمركية على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم، وما يصفها بالحرب الاقتصادية التي يزعم أنّ الولايات المتّحدة تشنّها على بلاده لإضعاف اقتصادها وإثارة القلاقل فيها.

شكوى أردوغان لن تلقى آذانا صاغية لدى الرأي العام الأميركي لا سيما أنه يستمر في احتجاز القس الأميركي الإنجيليّ أندرو برانسون منذ أكثر من عشرين شهرا
 

من خلال صحيفة نيويورك تايمز حاول أردوغان التوجّه إلى الرأي العام الأميركي للتأثير عليه، عبر الإشارة إلى ما يعتبره أخطاء في السياسة الخارجية الأميركية تجاه بلاده حليفتها التاريخية.

 ويلفت مراقبون للشأن التركي إلى أنّ شكوى أردوغان لن تلقى آذانا صاغية لدى الرأي العام الأميركي، ولا سيّما أنّه يستمرّ في احتجاز القسّ الأميركي الإنجيليّ أندرو برانسون منذ أكثر من عشرين شهرا، ويتّهمه بـ”التجسّس ومناصرة الإرهابيين”، ما يفقد كـلامـه أيّ مصداقية مفترضة لدى الأميركيين.

وأدى اعتقال القس الأميركي منذ أكتوبر 2016 إلى تراجع العلاقات المتوترة أصلا مع واشنطن. واعتبر ترامب أن اعتقال برانسون “معيب تماما” وحث أردوغان على إطلاق سراحه “فورا”. 

وكتب أردوغان مبررا موقفه بأن “محاولة إجبار حكومتي على التدخل في العملية القضائية هو أمر لا يتوافق مع دستورنا وقيمنا الديمقراطية المشتركة”.

سياسة الترغيب والترهيب

شراكتنا تتعقد
شراكتنا تتعقد

اتّبع أردوغان في مقالته سياسة الترغيب والترهيب المكشوفة، حيث أشار إلى عمق العلاقات بين البلدين، وضرورة أن تكون العلاقات بينهما مبنية على مبدأ الندّ للندّ، وليس التبعية أو الإملاء، وأكد أنه في حال “لم يبدل المسؤولون الأميركيون هذه النزعة أحادية الجانب والمسيئة، فإن بلاده ستبدأ بالبحث عن حلفاء جدد".

ولفت إلى ضرورة أن تتقبل واشنطن وجود بدائل أمام أنقرة، في إشارة إلى المحور الروسي من جهة، وإلى علاقاته الاقتصادية والتجارية مع أطراف أخرى كالصين وإيران من دون أن يسمّي أيّا منها. وكتب "ما لم تبدأ الولايات المتحدة باحترام سيادة تركيا وإثبات أنها تتفهم المخاطر التي تواجهها بلادنا، فقد تكون شراكتنا في خطر".

وأضاف "على الولايات المتحدة التخلي عن الفكرة الخاطئة بأن علاقتنا قد تكون غير متكافئة وأن تدرك حقيقة أن لدى تركيا بدائل قبل فوات الأوان". وتابع أن “الفشل في التراجع عن هذا التوجه أحادي الجانب والذي يفتقد الاحترام سيدفعنا إلى البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد".

حاول التذكير بالروابط التاريخية أكثر من مرة، ذكر عدّة مواقف ساندت فيها بلاده الولايات المتحدة، وعاد إلى التذكير بأنهما حليفان في الناتو منذ 60 عاما، وأنهما جابها ما وصفه بالصعوبات المشتركة في فترة الحرب الباردة وما بعدها، قال إن بلاده “هرعت لمساعدة الولايات المتحدة في كل وقت على مدى أعوام".

رؤية تركيا، التي كتبها أردوغان لنيويورك تايمز، للأزمة مع الولايات المتحدة لم تخرج عن السياق الدعائي الذي يواظب عليه أردوغان، وهو سياق بات مكشوفا للرأي العام العالمي

واستشهد بتعاون بلاده مع واشنطن في الحرب الكورية (1950 – 1953)، وبأزمة الصواريخ مع كوبا (1962)، وكانت أزمة ومواجهة ضمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حينها، وقال “ساهمنا من أجل تهدئة الأزمة من خلال السماح للولايات المتحدة بنشر صواريخ جوبيتر على أراضينا".

 وأشار إلى أن بلاده أرسلت قواتها إلى أفغانستان من أجل إنجاح مهمة الناتو، عندما كانت الولايات المتحدة تنتظر أصدقاءها وحلفاءها من أجل الردّ على من نفذوا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.

اختبار للخلافات

بعد عرض بضعة حوادث تاريخية انتقل أردوغان إلى الزمن الراهن ليطالب بطريقة غير مباشرة بثمن مساندة بلاده لواشنطن في عدة محطات، وطالب بأهمية أن تفهم الولايات المتحدة مخاوف الشعب التركي، وأن تكنّ له الاحترام.

ونوّه إلى أن الشراكة بين البلدين واجهت مؤخرا اختبارا لخلافات قال إن “سببها الولايات المتحدة”، وأبدى أسفه لأن “جهود بلاده لتصحيح هذا التوجه الخطير ذهبت أدراج الرياح".

وقال إن واشنطن استخفت بتركيا ولم تثبت احترامها لسيادتها، وتجاهلت ما وصفه بـ"المخاطر التي يواجهها شعبنا”، وحاول أن يؤكّد بأنّ النتيجة الطبيعية لعدم إثبات واشنطن احترامها لسيادة بلاده وتجاهلها لمخاوفها هي أن شراكتهما “قد تكون عرضة للخطر".

وانتقل أردوغان إلى حالة من التلاعب بالعواطف، واستدرار نوع من الشفقة والتعاطف مع مَن قضوا في محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا منتصف يوليو 2016. وقال إن تركيا تعرضت لهجوم حينها على يد مَن وصفهم بـ”عناصر منظمة غولن الإرهابية بزعامة فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا".

العملة التركية تنهار وأردوغان ينتقد في أميركا
العملة التركية تنهار وأردوغان ينتقد في أميركا

وحاول أن يقرّب الأمر للأميركيين باستحضاره حادثين من الذاكرة الأميركية، وهما هجمات بيرل هاربور (1941) و11 سبتمبر (2001)، وأضاف أن عناصر المنظمة حاولوا تنفيذ انقلاب ضد الحكومة التركية، موضحا أن الشعب تدفق إلى الشوارع في تلك الليلة، وهو يحمل المشاعر نفسها التي شعر بها الأميركيون بعد هجمات بيرل هاربور و11 سبتمبر.

كما حاول أن يضفي على الحادثة بعدا شخصيا وكيف أنها تسبّبت له بمأساة شخصية وأنه فقد صديقا مقربا له وابنه، بالإضافة إلى أن بلاده فقدت 251 بريئا، “دفعوا ثمنا باهظا من أجل حرية البلد".

 وأكد أن الشعب التركي طالب الولايات المتحدة بإدانة هذا الهجوم بلهجة صريحة، وإعلان تضامنها مع الحكومة التركية المنتخبة، إلا أنها لم تفعل، وكان موقفها من الحادث بعيدا عن رضى الأتراك. وأبدى استياءه من موقف واشنطن المتحفظ إزاء الانقلاب، ورفضها عدة طلبات تقدمت بها تركيا من أجل تسليم فتح الله غولن إليها، لكن شيئا منها لم يتحقق.

ويشير محللون في موقع أحوال تركية إلى أن رؤية تركيا، التي كتبها أردوغان لنيويورك تايمز، للأزمة مع الولايات المتحدة لم تخرج عن السياق الدعائي الذي يواظب عليه أردوغان، وهو سياق بات مكشوفا للرأي العام العالمي، ورغم أنّه قد يحقّق مكاسب آنية في الداخل التركي، إلّا أنّه لن يستطيع تحقيق التأثير الذي ينشده أردوغان خارجيا، وبخاصة أنّ توصيف “الدكتاتور” الذي اعتقل مئات عشرات الآلاف من المدنيين، إضافة إلى اعتقال العشرات من الصحافيين، يطارده ويسبق اسمه في الخارج.

6