الرئيس الأميركي يمهد لتهجير سكان غزة طوعيّا

أثار موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستجد بشأن غزة ارتياحا نسبيا في صفوف الفلسطينيين والعرب، وترى القاهرة أنه تطور يمكن البناء عليه في التوصل إلى صيغة ترضي جميع الأطراف.
القاهرة - تحتمل إشارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عدم مغادرة سكان قطاع غزة معنى ظاهرا وهو تراجع جديد عن مقترحه توطينهم قسريا في كل من مصر والأردن، ومعنى آخر خفيا هو أنه لن يمانع في خروجهم طوعيا، وفي الحالتين لن تتوقف التقديرات حول غزة ما لم يتم التوصل إلى هدنة طويلة بين إسرائيل وحركة حماس.
وتؤكد عودة ترامب إلى ملف غزة بعد فترة قصيرة من تجاهله أهمية حيوية وشغفا سياسيا به، لأنه يؤثر على مستوى الهدوء أو الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وأن الخطة المصرية التي أقرتها القمة العربية الطارئة بالقاهرة في الرابع من مارس الجاري يدور نقاش حولها مع الإدارة الأميركية، التي ربما لا تمانع في تطويرها وسد ثغراتها بما ينسجم مع رغبة إسرائيل والولايات المتحدة ورؤية العرب والفلسطينيين.
ويميل ترامب إلى ترك ملف التوطين حرا وفقا للإرادة الشخصية لكل فلسطيني في غزة، وهو ما تعمل عليه إسرائيل حاليا، حيث شرعت في تسهيل هذه المسألة وتدبير الإجراءات اللازمة لها، وهو ما يرى فيه الرئيس الأميركي حلا يصعب أن يجد فيه العرب طريقا لتعطيله، استنادا إلى معلومات رددها ترامب حول استطلاعات رأي أجريت وقالت إن ثلث سكان غزة يريدون مغادرتها.
وأعربت مصر، الخميس، عن تقديرها لتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قال فيه “لا أحد سيطرد أي فلسطيني من غزة” ردا على سؤال خلال اجتماع في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، الأربعاء. وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية أن هذا الموقف يعكس تفهما لأهمية تجنب احتداد الأوضاع الإنسانية بغزة والعمل على إيجاد حلول عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية.
واقترح ترامب عقب توليه الرئاسة في يناير الماضي سيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد أن أودت العمليات العسكرية الإسرائيلية بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين وهدمت غالبية منازلهم في القطاع، بعد أن اقترح نقل سكانه إلى كل من مصر وإسرائيل. وتريد القاهرة البناء على توجه ترامب الجديد لدفع جهود السلام في الشرق الأوسط، من خلال رعاية مسار يستند إلى رؤية شاملة تحقق الأمن والاستقرار لكل الأطراف.
وتراهن مصر على مبادرة للرئيس ترامب حول إنهاء الصراعات الدولية وإحلال السلام في الشرق الأوسط، تمثل إطارا عمليا للبناء والعمل المشترك، بما يراعي تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، وحقه في إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. ورحبت حركة حماس بما فسر على أنه تراجع من الرئيس ترامب عن اقتراحه بشأن تهجير سكان غزة، وحثته على “عدم الانسجام مع رؤية اليمين المتطرف.”
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية أحمد فؤاد أنور إن حديث ترامب الذي يفهم منه التخلي عن التهجير ينطوي على دلالات مهمة، أبرزها تيقنه من أن الشرارة التي أطلقها فجأة منذ أسابيع قد تتحول إلى نيران تزيد المنطقة اشتعالا، ولا تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وأن هناك أدوات أخرى التفافية يمكن العمل بها لتحقيق نتيجة قريبة من مقترحه في صيغته الأولى (التوطين) دون صدامات أو خلافات حادة لأنه لا يتخلى عن أفكاره بسهولة لكن يمكن أن يعدلها لضغوط معينة.
وأضاف أنور في تصريحات لـ”العرب” أن رد الفعل العربي الجماعي أزعج واشنطن وجعل ترامب يظهر تراجعا من مقترح إلى توصية وصولا إلى كلام صريح عن عدم المغادرة، وبدأت إدارته تتواصل مع مصر ودول عربية لتطويق الموقف ومعالجة المشكلة بطريقة قد لا تبعد كثيرا عن الأهداف الكامنة بشأن ملف التوطين، ما يعني أنه قد يفاجئ الفلسطينيين بتهجير طوعي، كصيغة ناعمة وملتبسة، ولا تثير حساسيات شديدة.
وأوضح فؤاد أنور أن اللقاءات العربية – الأميركية يمكن أن تخفف حدة التباين حول مصير غزة، لكن جذب واشنطن نحو موقف يتواءم مع مصالح الفلسطينيين الكبرى عملية ليست هينة مع ترامب وإدارته، وتحتاج إلى جهود كبيرة، وتوفير قناعات مشتركة بأن الحل لا يكمن في التهجير القسري أو الطوعي، بل في حل سياسي عملي للقضية الفلسطينية تقتنع به حماس ويخفف من وطأة الصراعات في المنطقة.
وتبنى القادة العرب في القمة الطارئة التي عقدت بالقاهرة خطة مصرية طموحة لإعادة إعمار قطاع غزة بقيمة 53 مليار دولار من شأنها تجنب تهجير الفلسطينيين من أرضهم، على عكس رؤية ترامب لبناء ما أسماه بـ”ريفييرا الشرق الأوسط”.
وذكرت الخارجية القطرية في بيان لها أن وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن ووزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، اجتمعوا في الدوحة مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، واستعرضوا خطة إعمار غزة، واتفقوا على مواصلة التشاور والتنسيق كأساس لجهود إعادة الإعمار.
وشدد المسؤولون العرب على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وضرورة إطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، بما يضمن تحقيق تطلع الفلسطينيين إلى الحرية والاستقلال.
ومدد وفد التفاوض الإسرائيلي، الذي أرسله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الدوحة، إقامته لمواصلة بحث اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذي تنصلت تل أبيب من الالتزام به بعد انتهاء مرحلته الأولى. وكان من المفترض أن يعود الوفد إلى إسرائيل مساء الأربعاء، إلا أنه تلقى تعليمات تقضي بالبقاء في قطر بعض الوقت، ما يشير إلى إمكانية إحراز تقدم في المفاوضات قريبا.
وتسعى حماس إلى تطبيق المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، على أمل أن يمارس الوسطاء ضغوطا على إسرائيل للالتزام بها وفقا لما تم الاتفاق عليه سابقا. ويسيطر الغموض على مستقبل المفاوضات التي شهدتها الدوحة منذ الاثنين الماضي، حول التوصل إلى اتفاق لمواصلة تبادل الأسرى ووقف طويل لإطلاق النار في غزة.