الذكريات الزائفة عن الأطعمة تدفع للإحجام عنها

لندن- يعتبر الطعام بمثابة رابطة تشترك فيها حياة الناس، حيث يمكن أن تكون هناك خبرات عديدة متبادلة في عملية تحضيره أو التسوق له أو حتى المشاركة في تذوقه، ويمكن لذلك أن ينعش ذكريات بطريقة إما أن تكون إيجابية وإما سلبية.
ويصعب تفسير هذه الحالة المزاجية التي تقود الكثيرين إلى الإفراط في تناول بعض الأطعمة أو الإحجام عنها، لكن هذه السلوكيات ترتبط أحيانا بالذكريات التي يكوّنها المرء منذ الصغر عن بعض المأكولات، فبمجرد رؤية المرء لبعض الأطعمة أو نفاذ رائحتها إلى أنفه أو تخيلها في ذهنه، تحدث لديه ما أطلق عليه العالم الروسي إيفان بافلوف “الاستجابة الشرطية” فيسيل لعابه ويصبح من الصعب عليه التصرف بعقلانية.
وأحيانا تؤدي بعض ذكريات الطفولة إلى غرس أفكار زائفة عن أطعمة لذيذة أو منفرة، قد يؤثر على خيارات الناس للأطعمة على المدى الطويل.
بمجرد رؤية المرء لبعض الأطعمة يحدث لديه ما أطلق عليه العالم الروسي إيفان بافلوف «الاستجابة الشرطية» فيسيل لعابه
وأشار البروفسور تيم جايكوب من كلية العلوم البيولوجية في جامعة كارديف، إلى أن نكهة الطعام تمثل خليطا من التذوق والشم، والحاستان غير منسجمتين لدى الكثير من الناس. وفسر بيوتر زيلنسكي، طبيب الأعصاب بجامعة التربية البدنية والرياضة بمدينة غدانسك في بولندا، هذا الأمر بقوله “قد يطغى نظام المكافأة بالدماغ أحيانا على التفكير العقلاني”.
وأكد خبراء التغذية أن البشر يعتادون على الروائح السيئة أسرع من اعتيادهم على الروائح الجميلة، ولكنهم أكثر حساسية للتغيرات التي تطرأ على تركيبات الروائح الكريهة.
وفي إحدى الدراسات، أخبر الباحثون 180 متطوعا بأنهم أصيبوا بالغثيان بعد تناول شطائر البيض في الطفولة، وبالرغم من أن هذا الأمر غير حقيقي، إلا أن عددا قليلا من المتطوعين انطلى عليهم الأمر وتجنبوا تناول شطائر البيض على الفور.
وقد نجح خبراء بالاستعانة بهذه الطريقة في إقناع الناس بالإحجام عن تناول الكثير من المأكولات، منها البوظة. وخلص استعراض لهذه التجارب إلى أن غرس معلومات زائفة عن الأطعمة التي يتناولها الناس في المناسبات أسهل من غرسها عن الأطعمة الشائعة.
وقد تؤثر الذكريات الزائفة أيضا على نظرة الناس وسلوكياتهم تجاه الكحول، إذ أوحى علماء في إحدى التجارب إلى المشاركين بأنهم شعروا بغثيان بعد تناول الفودكا في الماضي، وأحجم بعدها الكثير من المشاركين عن تناولها.
وبالرغم من أن معظم ذكريات الطفولة الزائفة لا ضرر منها، لكن بعضها قد يسبب عواقب وخيمة، ولهذا وضعت قواعد صارمة بشأن أساليب التحقيق مع الشهود في الجرائم.
نكهة الطعام تمثل خليطا من التذوق والشم، والحاستان غير منسجمتين لدى الكثير من الناس
ويرى الكثير من العلماء أن غرس المعلومات الزائفة عن الأطعمة قد يستخدم للقضاء على السمنة وتشجيع الناس على تناول الأطعمة الصحية، أو للحد من استهلاك الخمور. ويقول العلماء إن أساليب الإيحاء الإيجابية، مثل “أنت أحببت الإسبراغوس عندما تذوقته أول مرة”، أكثر فعالية من الإيحاءات السلبية، مثل “أنت أصبت بالغثيان عندما شربت الفودكا”.
لكن الأسئلة الإيحائية التي ترمي إلى إيهام الناس بأنهم يتذكرون أحداثا غير حقيقية قد تكون لها عواقب وخيمة، وخاصة في المحاكم.
ويقول كيفن فيلستيد، من جمعية الذكريات الزائفة البريطانية، إن هذه الذكريات الزائفة قد تؤدي أحيانا إلى نتائج كارثية، منها السجن وضياع السمعة والوظيفة والمركز الاجتماعي وانهيار الأسرة.