الذكاء الاصطناعي عضو في مجلس وزراء الإمارات

منح الذكاء الاصطناعي مقعدا استشاريا ليس مجرد إجراء إداري، بل هو رسالة مفادها أن النجاح يأتي بالعمل وأن المستقبل يُصنع.
السبت 2025/06/21
الذكاء الاصطناعي في الإمارات لم يعد مشروعا طموحا فحسب، بل أصبح ركيزة من ركائز السياسة العامة

في زحمة الأخبار المتلاحقة والتطورات الإقليمية والدولية، من السهل أن تمر بعض الأخبار دون أن نمنحها ما تستحقه من تأمل. لكن هناك من الأخبار ما يتطلب الوقوف عنده طويلاً، لأنه يعكس تحولات عميقة في الطريقة التي تُدار بها الدول وتُصنع بها القرارات.

من هذه الأخبار إعلان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن اعتماد “منظومة الذكاء الاصطناعي الوطنية” كعضو استشاري في مجلس الوزراء والمجلس الوزاري للتنمية وجميع مجالس إدارات الهيئات الاتحادية والشركات الحكومية، وذلك ابتداءً من يناير 2026.

قد يبدو هذا الإعلان في ظاهره خطوة تقنية، لكنه في جوهره إعلان دخول الدولة عصرا جديدا في الحوكمة والإدارة، عصر تتحول فيه الخوارزميات إلى أدوات للقرار، ويصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا يوميًا في التخطيط والتنفيذ والتقييم.

الشيخ محمد بن راشد اختصر فلسفة هذه الخطوة بقوله إن العالم يشهد إعادة تشكيل شاملة علميا واقتصاديا ومجتمعيا، وإن الهدف هو الاستعداد من الآن لعقود قادمة، بما يضمن الرفاه والاستقرار للأجيال المقبلة.

ما قاله ليس مجرد توصيف لحالة، بل هو تجسيد لرؤية واضحة، تؤمن بأن من لا يستعد للمستقبل لن يجد له مكانًا فيه.

الإمارات اليوم ليست مجرد دولة تطبق الذكاء الاصطناعي، بل تحتل المرتبة الخامسة عالميًا ضمن قائمة "غلوبال فايبرنسي 2024"

ومن يتابع مسار الإمارات في هذا المجال يدرك أن هذه الدولة الصغيرة في جغرافيتها، الكبيرة في طموحاتها، لا تعلن قرارا إلا وقد مهدت له، وتهيأت لتنفيذه بأعلى درجات الجدية والتكامل المؤسسي.

الإمارات اليوم ليست مجرد دولة تطبق الذكاء الاصطناعي، بل تحتل المرتبة الخامسة عالميًا ضمن قائمة “غلوبال فايبرنسي 2024″، وتتصدر مؤشر نضج الذكاء الاصطناعي عربيًا، وفق بيانات منصة كورسيرا العالمية.

أكثر من ذلك، تشير تقارير المنصة إلى أن الإمارات سجلت نموًا سنويًا استثنائيًا بنسبة 344 في المئة في أعداد المسجلين في دورات الذكاء الاصطناعي التوليدي، متجاوزة بكثير المعدل الإقليمي والعالمي، وهو ما يعكس ليس فقط توجها سياسيا من القمة، بل استجابة شعبية ومجتمعية واعية.

ما يحدث ليس مجرد استثمار في التقنية، بل هو توظيف إستراتيجي لها من أجل إعادة تعريف مفهوم العمل الحكومي. فالذكاء الاصطناعي، بحسب التقديرات، قادر على رفع الناتج المحلي الإجمالي للدولة بنحو 96 مليار دولار بحلول عام 2030، مع إمكانية تخفيض 50 في المئة من التكاليف السنوية للعمل الحكومي، عبر تقليل المعاملات الورقية وتوفير ملايين الساعات المهدرة سنويًا. وفي بلد يشهد سباقًا تنمويا متسارعًا، فإن الوقت والموارد هما رأسمال لا يُهدر.

وفي الوقت ذاته تتكامل هذه الخطوات مع توجه تربوي رائد، تجلى بإعلان إدراج مادة الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم الحكومي من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، اعتباراً من العام الدراسي المقبل.

الذكاء الاصطناعي في الإمارات لم يعد مشروعا طموحا فحسب، بل أصبح ركيزة من ركائز السياسة العامة

لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفا تقنيا، بل بات مهارة حياتية وركيزة أساسية لبناء أجيال قادرة على فهم هذه التكنولوجيا من جوانبها الفنية والأخلاقية والاجتماعية.

الشيخ محمد بن راشد أوضح أن مهمة إعداد الأجيال لم تعد مرتبطة بزمننا الحالي، بل بزمنهم المقبل، بظروفهم الجديدة، وبالمهارات التي سيحتاجون إليها في عالم يتغير كل يوم.

إلى جانب هذه المبادرات، تستثمر الإمارات في البحث والتطوير من خلال مؤسسات رائدة مثل “جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، التي تعد الأولى من نوعها في العالم، والتي أطلقت مؤخرًا شراكة مع “جامعة السوربون أبوظبي” للتركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والطاقة والمناخ والنقل والعلوم الإنسانية الرقمية.

وقد استحدثت الدولة منصب “الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي” في كل جهة اتحادية رئيسية، بما يعكس إرادة سياسية واضحة لتحقيق تحول مؤسسي حقيقي نحو المستقبل.

الذكاء الاصطناعي في الإمارات لم يعد مشروعا طموحا فحسب، بل أصبح ركيزة من ركائز السياسة العامة، وأداة من أدوات القوة الناعمة في الدولة، يعكس صورتها كدولة سبّاقة، مرنة، قادرة على المنافسة، وتطمح للريادة لا في الإقليم فحسب، بل في العالم.

وفي ظل إستراتيجية وطنية طموحة تنتهي في 2031 وتنسجم مع رؤية “مئوية الإمارات 2071″، تتضح ملامح دولة تسابق الزمن، لا تنتظره.

إن الإمارات اليوم لا تكتفي بأن تكون جزءا من عالم المستقبل، بل تصر على أن تكون أحد صُنّاعه.

قرار الشيخ محمد بن راشد منْح الذكاء الاصطناعي مقعدا استشاريا في مجلس الوزراء ليس مجرد إجراء إداري، بل هو رسالة بليغة مفادها أن النجاح لا يأتي بالصدفة، بل بالعمل، وأن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع.

6