الذكاء الاصطناعي رئيسا للحكومة.. لم لا!

هل من الحكمة وضع مصير البشرية بين أيدي الروبوتات؟
الجمعة 2022/10/07
هل بإمكاننا أن نثق بحكمة الذكاء الاصطناعي؟

لم يعد العمل الروتيني الرتيب والمتكرر المهمة الوحيدة التي يمكن للروبوتات إنجازها، هناك اليوم مهمات إدارية واستشارية عديدة أثبت فيها الذكاء الاصطناعي تفوقه على البشر.. فهل نرى الروبوت قريبا تحت قبة البرلمان ومرشحا للرئاسة عن حزب يديره الذكاء الاصطناعي؟

من المشاهد السينمائية الخالدة يحضرني الآن مشهد من فيلم أنتج عام 1936 انتقد بأسلوب كوميدي الثورة الصناعية التي حولت الإنسان إلى روبوت.

الفكرة التي أراد فيلم “الأزمنة الحديثة” التعبير عنها (قام ببطولة الفيلم تشارلي تشابلن) أوحت بأن وظيفة الروبوتات محصورة بأداء الأعمال الروتينية الرتيبة والمتكررة.

وهي فكرة ظلت قائمة على مدى 85 عاما تقريبا، امتلكت الروبوتات بعدها ذكاء اصطناعيا وإمكانية التعلم الذاتي، وهو ما مكنها من تأليف مقطوعات موسيقية، ورسم لوحات فنية، وشغل وظائف تتطلب مهارات في المحاسبة وإدارة الأعمال.

ليز تراس: خطأ كلف 65 مليار جنيه إسترليني من أجل دعم الأسواق

واليوم تسعى مجموعة من الشباب في الدنمارك لتأسيس أول حزب سياسي يدار بالكامل بواسطة تقنيات الذكاء الصناعي، ويستهدف في مرحلة أولى الحصول على مقعد في البرلمان. فهل نجد قريبا روبوتات تترشح لمنصب رئيس حكومة؟

المدافعون عن الفكرة، التي تبدو للوهلة الأولى مجرد مزحة تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي، لديهم الكثير من النقاط التي تدعم اقتراحهم. أبرز تلك النقاط ما تعرضت له وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية من هزات أفقدتها مكانتها بين الشباب خصوصا.

هناك تجارب عملية أثبت فيها الذكاء الاصطناعي تفوقه على البشر، أبرزها مؤخرا تانغ يو، الذكاء الاصطناعي الذي تسلم زمام شركة صينية، في نقلة اعتبرت نوعية أبرزت القدرات المتنامية لهذه التكنولوجيا.

سيكون الروبوت تانغ يو مسؤولا تنفيذيا كبيرا في شركة “فوجيان” التابعة لشركة “نت دراغون ويب سوفت” التي تقدر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار. وفي بيان صحافي قدمت الشركة الصينية تانغ يو على أنه “إنسان آلي افتراضي”.

والرئيس التنفيذي الروبوتي الجديد برنامج ذكي ليس له وجود مجسد، فهو لا يتجول في أروقة الشركة ولا يمكن الوصول إليه فعليًا إلا من خلال الشاشة.

ولكنه، وفق الشركة، أكثر كفاءة وعقلانية وأسرع من مدير تنفيذي من لحم ودم. وفي الواقع هو لا يحتاج إلى النوم، أو الأكل، أو التفاعل مع أقرانه. ولا يطالب بأي أجر. والأهم من كل ذلك لا يمكن إفساده.

اسأل أي خبير في أسواق المال عن أسوأ الصفات التي يمكن أن تتسبب في الخسارة، سيكون الجواب دائما، التردد والخوف إلى جانب الطمع. أي أن المشاعر الإنسانية هي غالبا ما تتسبب في اتخاذ قرارات خاطئة.

تانغ يو، التي قدمت نفسها بصوت أنثوي، معصومة من هذا الخطأ. فهي إلى جانب سرعتها في اتخاذ القرار وعدم ترددها، لا تقع ضحية للأخبار الكاذبة والتفاصيل التي قد تشوش قراءتها العناصر الأساس التي يجب التركيز عليها في كل مرة تتخذ فيها قرارا يتعلق بالشركة.

خلال تقديم تانغ يو، قال رئيس مجلس إدارة الشركة إن “الذكاء الاصطناعي هو مستقبل إدارة الشركات، ويمثل تعيين السيدة تانغ يو التزام الشركة باحتضان استخدام الذكاء الاصطناعي لتغيير الطريقة التي تدير بها أعمالها”.

وترى الشركة أن تعيين مدير روبوتي هو خطوة مهمة نحو إنشاء “الميتافيرس”.

كواسي كوارتنغ: تحت ضغط هائل بعد أقل من 4 أسابيع من توليه المنصب

وليست هذه المرة الأولى التي تعهد فيها شركة بالإدارة إلى الذكاء الاصطناعي. وعلى سبيل المثال، تنتج شركة “بريفكام”، وهي شركة تابعة لكانون، برمجيات خوارزمية للمراقبة بالفيديو قادرة على إدارة الفرق باستخدام التعرف على الوجه.

وترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الوظائف الإدارية هي التي يتم تفويضها في الغالب إلى الذكاء الاصطناعي.

إن كان بإمكاننا اليوم أن نثق بحكمة الذكاء الاصطناعي ليقدم لنا النصيحة ويقول لنا أين نضع أموالنا للاستثمار في عالم معقد وصعب، ما الذي يمنعنا عن الثقة بهذا الذكاء عندما يتعلق الأمر بإدارة الحكومات؟

في الحقيقة، العالم أصبح يعتمد على الذكاء الاصطناعي في الكثير من الأمور الاستشارية المتعلقة بجوانب عديدة ومتنوعة، بدءا بالاستثمارات ومرورا بالتنبؤ بالتقلبات المناخية، وهو موجود بصفته مستشارا في مكاتب حكومية، وموجود بصفة مرافق شخصي يقدم نصائح متعلقة بأدق تفاصيل حياتنا كأفراد.

فشل القادة والمسؤولين في اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا تمس أمننا السياسي والاقتصادي هو ما دفع بمجموعة من الشباب في الدنمارك إلى التفكير بحزب للذكاء الاصطناعي يسعى للحصول على كرسي داخل البرلمان، في خطوة قد تتطور في ما بعد لنرى حكومة يترأسها الذكاء الاصطناعي.

في بريطانيا، وهي مجتمع سياسي واقتصادي مستقر ومتطور، شاهدنا مؤخرا مثالا حيا لوقوع القادة في سلسلة من الأخطاء المكلفة، حيث اضطرت رئيسة الوزراء ليز تراس إلى العدول عن خططها لخفض أعلى معدل لضريبة الدخل، وهو ما أدى إلى إثارة تمرد داخل حزبها (المحافظين) واضطراب في الأسواق المالية.

خطأ تراس ووزير ماليتها كواسي كوارتنغ تمثل في تركيزهما على عامل واحد هو النمو، بينما تجاهلا عوامل أخرى مثل التضخم وسعر الجنيه الإسترليني مقابل الدولار، وتراجع القدرة الشرائية لدى شريحة كبيرة من البريطانيين. وهو قرار يخفي انحيازا لطبقة دون أخرى.

إذا كانت القرارات المنحازة سببا في وقوع كوارث ما الذي سيضمن عدم وقوع الذكاء الاصطناعي بالانحياز؟
إذا كانت القرارات المنحازة سببا في وقوع كوارث ما الذي سيضمن عدم وقوع الذكاء الاصطناعي بالانحياز؟

قرار واحد خطأ كان كفيلا بهز الاقتصاد البريطاني، اضطر بنك إنجلترا المركزي على إثره للتدخل ببرنامج إنقاذ بلغت قيمته 65 مليار جنيه إسترليني من أجل دعم الأسواق.

ومن المرجح أن يؤدي العدول عن الخطة إلى وضع تراس وكوارتنغ تحت ضغط هائل بعد أقل من أربعة أسابيع على توليهما منصبيهما.

وتولى السلطة في بريطانيا أربعة رؤساء وزراء في السنوات الست الماضية كانت حافلة بقرارات خاطئة.

ولكن، إذا كانت القرارات المنحازة هي السبب في وقوع كوارث أمنية واقتصادية، ما الذي سيضمن عدم وقوع الذكاء الاصطناعي بمثل هذه الانحياز؟ وهل يمكن أن نترك مصيرنا بأيدي الذكاء الاصطناعي؟

الجواب على هذه الأسئلة متروك بين أيدي البشر. هم من سيقرر في النهاية إن كان من الحكمة وضع مصير البشرية بين أبدي الروبوتات والذكاء الاصطناعي، أو تركه لحكام مهمتهم الوحيدة اتخاذ قرارات خطأ.

12