الذكاء الاصطناعي أمل أطباء الأورام في الاكتشاف المبكر لسرطان المريء

حوالي 7 في المئة فقط من السرطانات يتم اكتشافها عبر الفحص بالمنظار الداخلي.
الأربعاء 2024/09/25
مستقبل علوم الطب

يعمل الباحثون على تطوير تطبيق للذكاء الاصطناعي يبحث في السجلات الطبية الإلكترونية لمرضى مريء بيريت بهدف العثور على أولئك الذين يجب فحصهم لاحتمال إصابتهم بسرطان المريء. وينظر الجهاز في نقاط بيانات مميزة، بما في ذلك الإجراءات الطبية السابقة ونتائج الاختبارات المعملية والوصفات الطبية وغيرها. وابتكر الخبراء تطبيقا يستطيع تعلم التقنيات اللازمة لتحليل السجلات الطبية للمرضى.

لوس أنجلس (الولايات المتحدة) – ينقل المريء نحو 600 مرة في اليوم كل ما في فم الإنسان إلى معدته. وعادة ما تتم هذه العملية في اتجاه واحد، لكن أحيانا يهرب الحمض المعدي ويعود مرة أخرى إلى المريء. وقد يؤدي ذلك إلى تليف الخلايا المبطنة للمريء، ما يدفعها إلى النمو مجددا مصحوبة بطفرات وراثية. وفي الولايات المتحدة تتحور تلك الطفرات إلى أورام سرطانية في نحو 22370 حالة سنويا.

ويمكن الشفاء من سرطان المريء في حالة اكتشافه مبكرا قبل أن يتخلل عمق الخلايا أو ينتشر إلى أعضاء أخرى. إلا أن هذا نادرا ما يحدث، بحسب صحيفة لوس أنجلس تايمز الأميركية.

وقال الدكتور ألون كان، اختصاصي الجهاز الهضمي والأستاذ المشارك في مجال الطب بعيادة مايو في ولاية أريزونا، “إن ما يحدث هو أن المريض يشعر بأعراض ارتجاع لسنوات طويلة ويتناول علاجات الحموضة وحرقة المعدة أو ما شابه، ثم فجأة يجد صعوبة في البلع ويضطر إلى الذهاب إلى قسم خدمات الطوارئ”. حينها يكتشف الأطباء وجود ورم في جدران المريء، ومن المحتمل أن يكون أبعد من ذلك. ويضيف ألون أنه “في تلك المرحلة، يكون المرض مستعصيا”.

الأطباء ليسوا بحاجة إلى أدوية أفضل، إنما يحتاجون إلى طرق أفضل لاكتشاف السرطان في مراحله المبكرة

ولهذا السبب يعيش فقط قرابة 20 في المئة من الأميركيين المصابين بسرطان المريء لأكثر من خمسة سنوات بعد تشخيصهم. ولتحسين هذه النسبة يقول الأطباء إنهم ليسوا بحاجة إلى أدوية أفضل، إنما يحتاجون طرقا أفضل لاكتشاف السرطان في مراحله المبكرة حيث تزيد بقوة مراحل العلاج. ولتحقيق ذلك يحتاج الأطباء إلى إحراز تقدم كبير في مجال فحوصات المرض.

وقال الدكتور دانييل بوفا رئيس قسم جراحة الصدر في جامعة يال “إن مفهوم الفحص هو الكشف عن الأشياء الخطيرة قبل أن تؤدي إلى أمور خطيرة”.

وتنجح هذه النظرية في التعامل مع أمراض مثل سرطانات الثدي والرئة والقولون. في تلك الحالات، هناك خطوات تسلسلية واضحة تؤدي إلى السرطان، وفقط إلى السرطان.

وأحد العوامل الأخرى التي تمثل تعقيدا بالنسبة إلى سرطان المريء هو أن معدلات الإصابة به نادرة، إذ يشكل نحو 1 في المئة من أنواع السرطانات التي يتم تشخيصها في الولايات المتحدة.

ويتضمن الأسلوب التقليدي لتشخيصه إجراء فحص بالمنظار الداخلي عبر حلق المريض وإنزاله حتى المعدة. وتسمح الكاميرا الموجودة في طرف المنظار للأطباء باستكشاف المريء عن قرب والتحقق من أي خلايا غير طبيعية قد تتحول إلى أورام خبيثة. وقال كان “إننا نكتشف فقط حوالي 7 في المئة من السرطانات عبر الفحص بالمنظار الداخلي، يتعين علينا إيجاد طريقة لزيادة هذه النسبة”.

وفي الولايات المتحدة أكثر أنواع سرطان المريء شيوعا هو الذي يبدأ في الجزء السفلي من المريء. ولا تستطيع الخلايا في تلك المنطقة تحمل التعرض لحمض المعدة، لذلك في حالة الأشخاص المصابين بالارتجاع الحمضي المزمن، تتحور تلك الخلايا أحيانا إلى نسيج مشابه لنسيج الأمعاء. وتعرف هذه الحالة بمريء باريت ويعاني منها نحو 5 في المئة من البالغين الأميركيين.

من الممكن أن ينمو الورم ويغزو أنسجة الجسم السليمة ويدمرها. وبمرور الوقت يمكن أن تنفصل الخلايا السرطانية وتنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم

وأوضح الدكتور ساتشين واني المتخصص في الجهاز الهضمي والأستاذ في كلية الطب بجامعة كولورادو أن نحو 0.3 في المئة من مرضى مريء باريت يتحولون إلى مرضى بسرطان المريء سنويا. ومقارنة بغير المصابين بمريء باريت فإن المصابين به هم الأكثر عرضة بما يقارب تسعة أضعاف الآخرين للوفاة بسرطان المريء.

وهو ما يعني أن فحوصات الإصابة بمريء باريت بمثابة الفحص لاكتشاف سرطان المريء. ويتفق أغلب الأطباء على مجموعة أساسية من عوامل الخطر تشمل الارتجاع المعدي المزمن والتدخين والسمنة المرتكزة في منطقة البطن. وتشمل العوامل الخطرة الأخرى أن يكون العمر أقل من 50 عاما وأن يكون المريض ذكرا قوقازيا وصاحب تاريخ عائلي في مريء باريت أو سرطان المريء.

ورغم ذلك قال الدكتور براساد لاير رئيس قسم الجهاز الهضمي في عيادة مايو بأريزونا “إن معيار الفحص ليس دقيقا بما يكفي”. ففي واقع الأمر لا يصاب حوالي 90 في المئة من الذين يحملون عوامل الخطر الدالة على مريء باريت بالسرطان. وهو ما يعني الغالبية العظمى من المصابين بالارتجاع الحمضي.

لذلك يتجه الأطباء إلى الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى خصائص إضافية تمكنهم من تحسين القدرة على تحديد أولئك الأكثر عرضة للإصابة بمريء باريت وسرطان المريء.

وبحسب صحيفة لوس أنجلس تايمز فإن لاير وزملاءه يعملون على تطوير تطبيق للذكاء الاصطناعي يتولى البحث في السجلات الطبية الإلكترونية لمرضى عيادة مايو للعثور على أولئك الذين يجب فحصهم لاحتمال الإصابة بمريء باريت. وينظر الجهاز في أكثر من 7500 نقطة بيانات مميزة، بما في ذلك الإجراءات الطبية السابقة ونتائج الاختبارات المعملية والوصفات الطبية وغيرها. (من بين الاكتشافات المفاجئة أن الدهون الثلاثية ومستوى الكهارل/الإلكتروليت لدى المريض لهما دور في التنبؤ بالمرض).

وابتكر الدكتور جويل روبينستاين، الباحث في مركز لوتينانت كولونيل تشارلز اس. كيتلز الطبي للمحاربين القدامى وأخصائي الجهاز الهضمي بجامعة ميشيجن، مع زملائه تطبيقا مشابها يستطيع تعلم التقنيات اللازمة لتحليل السجلات الطبية للمرضى من المحاربين القدامى عبر أنحاء البلاد. ويمكن لتطبيقهم العمل بشكل أفضل من المبادئ التوجيهية الرسمية للجمعيات الطبية بدقة تبلغ 77 في المئة. ويعمل الفريق حاليا على تحسين حد الفحص بإضافة عامل فاعلية الكلفة إلى المزيج.

الأطباء يتجهون إلى الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى خصائص إضافية تمكنهم من تحسين القدرة على تحديد أولئك الأكثر عرضة للإصابة بمريء باريت وسرطان المريء

وعند البدء في استخدامها، يمكن لتطبيقات مثل هذه تخفيف الحمل عن أطباء الرعاية الأولية المثقلين بالأعباء والذين لا يجارون بالضرورة أحدث المبادئ التوجيهية للفحص وبالتبعية يقومون بتحويل أقل من نصف مرضاهم المؤهلين إلى إجراء المزيد من الاختبارات. وسرطان المريء هو مجموعة الخلايا التي تبدأ النمو في المريء. والمريء أنبوب مجوف طويل يصل بين الحلق والمعدة. ويساعد المريء على نقل الطعام الذي يبتلعه الشخص من نهاية حلقه إلى معدته لهضمه.

ويبدأ سرطان المريء عادةً في الخلايا المبطنة للمريء من الداخل. وقد يظهر هذا النوع من السرطانات في أي مكان على طول المريء. وهو سرطان أكثر شيوعًا لدى الرجال. وتشمل عوامل الخطورة تناوُل المشروبات الكحولية والتدخين. وعادةً ما ينطوي علاج سرطان المريء على جراحة لإزالة السرطان. وقد تشمل العلاجات الأخرى العلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو مزيجًا من كليهما. كما يمكن استخدام العلاج الاستهدافي والعلاج المناعي.

ويحدث سرطان المريء عندما تطرأ تغيرات على الحمض النووي للخلايا المبطنة للمريء. ويحتوي الحمض النووي للخلية على التعليمات التي توجِّه الخلية إلى أداء وظيفتها. وفي الخلايا السليمة يصدر الحمض النووي تعليمات إلى الخلايا لتنمو وتتكاثر بمعدل معين. وتوجِّه التعليمات الخلايا إلى أن تموت في وقت محدد. وتعطي تغيرات الحمض النووي تعليمات مختلفة في الخلايا السرطانية. وتوجّه هذه التغيرات الخلايا السرطانية بإنتاج الكثير من الخلايا بسرعة. ويمكن أن تستمر الخلايا السرطانية في البقاء في حين قد تموت الخلايا السليمة. ويؤدي ذلك إلى وجود عدد كبير جدًا من الخلايا.

وقد تكوّن الخلايا السرطانية كتلة تُسمى ورمًا. ومن الممكن أن ينمو الورم ويغزو أنسجة الجسم السليمة ويدمرها. وبمرور الوقت يمكن أن تنفصل الخلايا السرطانية وتنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. وعندما ينتشر السرطان، يُطلق عليه اسم السرطان النقيلي.

16