الذعر يضرب الأسواق العالمية مع بدء سريان رسوم ترامب

تزايد عمليات البيع المكثفة لسندات الأسواق الواعدة، تفاقم حالة الذعر في الأسواق وسط خسائر تريليونية للشركات وارتفاع منسوب القلق من ركود عالمي وشيك.
الأربعاء 2025/04/09
الأسواق ترتجف والركود شبح يلوح في الأفق

واشنطن – دخلت اليوم الأربعاء حزمة رسوم جمركية "مضادة" واسعة النطاق فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عشرات الدول حيز التنفيذ، لتشعل فتيل حرب تجارية عالمية وتثير موجة من الاضطرابات وعمليات البيع المكثفة في أسواق المال العالمية.

وتضمنت الإجراءات الأميركية رسوماً باهظة وصلت إلى 104 بالمئة على السلع الصينية، في تصعيد غير مسبوق للنزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.

وتسببت سياسات ترامب الحمائية في زعزعة استقرار النظام التجاري العالمي القائم منذ عقود، وأثارت مخاوف متزايدة من شبح الركود الاقتصادي العالمي، كما أدت إلى تبخر تريليونات الدولارات من القيمة السوقية لكبرى الشركات العالمية منذ الإعلان عن هذه الرسوم.

ومنذ أن كشف ترامب عن هذه الإجراءات الحمائية الأربعاء الماضي، سجل مؤشر ستاندرد اند بورز 500 أكبر خسارة أسبوعية له منذ إطلاقه في خمسينيات القرن الماضي، ويقترب بشكل خطير من الدخول إلى منطقة "سوق الهبوط" التي تُعرف بتراجع بنسبة 20 بالمئة أو أكثر عن أعلى مستوى له في الآونة الأخيرة.

ولم تسلم السندات العالمية القياسية، التي تعتبر تقليدياً ملاذاً آمناً للمستثمرين، من الاضطرابات السوقية، حيث شهدت تحولاً مقلقاً نحو عمليات بيع اضطرارية بحثاً عن السيولة والأمان.

وأشارت العقود الآجلة للأسهم الأوروبية والأميركية إلى احتمالات تكبد المزيد من الخسائر في أعقاب جلسة تداول مضطربة شهدتها معظم الأسواق الآسيوية، باستثناء الأسهم الصينية التي صمدت نسبياً بفضل تدخلات حكومية لدعم الأسعار.

وتجاهل الرئيس ترامب التراجع الحاد في الأسواق المالية وقدم للمستثمرين إشارات متضاربة بشأن مستقبل هذه الرسوم الجمركية، واصفاً إياها تارة بـ"الدائمة" وتارة أخرى متفاخرا بأنها تضغط على القادة الآخرين للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة.

وقال ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء "تأتي لنا الكثير من الدول تريد أن تعقد صفقات"، وأضاف لاحقاً أنه يتوقع أن تسعى الصين أيضاً للتوصل إلى اتفاق.

ومن المقرر أن تجري إدارة ترامب محادثات تجارية مع كوريا الجنوبية واليابان، وهما حليفان مقربان وشريكان تجاريان رئيسيان للولايات المتحدة. كما من المقرر أن تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الولايات المتحدة الأسبوع المقبل.

ومن المتوقع أيضاً أن يتحدث نائب رئيس وزراء فيتنام مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في وقت لاحق من اليوم الأربعاء. وتعتبر فيتنام مركزاً هاماً للتصنيع منخفض التكلفة في آسيا، وقد فرض عليها ترامب بعضاً من أعلى الرسوم الجمركية على مستوى العالم.

وقد دفعت احتمالات إبرام صفقات مع دول أخرى أسواق الأسهم إلى الارتفاع بشكل مؤقت الثلاثاء، لكن الأسهم الأميركية سرعان ما تخلت عن هذه المكاسب بنهاية يوم التداول.

وحذر وزير المالية الألماني يورغ كوكيس اليوم الأربعاء من أن أكبر اقتصاد في أوروبا معرض لخطر ركود جديد نتيجة للتوترات التجارية المتصاعدة. ويقدر بنك جيه.بي مورجان أن احتمال دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود بحلول نهاية العام الحالي يصل إلى 60 بالمئة.

كما شهدت السندات السيادية الدولية لعدد من الأسواق الناشئة عمليات بيع مكثفة مرة أخرى اليوم الأربعاء بعد دخول الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة حيز التنفيذ.

وأظهرت بيانات "تريدويب" أن السندات طويلة الأجل المقومة بالدولار لباكستان انخفضت بأكثر من خمسة سنتات لتتراجع إلى ما دون 70 سنتاً، وهو الحد الفاصل الذي يعتبر بعده الدين متعثراً. وذكر متعاملون في السوق أن سندات سريلانكا ونيجيريا ومصر تراجعت بين 3.5 و4.5 سنت على الرغم من ضعف التداولات.

وأدى هذا الانخفاض الأخير إلى زيادة حادة في تكلفة الاقتراض لهذه الاقتصادات، حيث شهدت العديد من السندات عوائد في خانة العشرات، وهو مستوى يجعل من الصعب على هذه الاقتصادات الاستفادة من أسواق رأس المال الدولية.

ورفعت الصين الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية إلى مثليها تقريباً بعد أن كانت بنسبة 54 بالمئة الأسبوع الماضي، رداً على الرسوم المضادة التي أعلنتها بكين قبل أيام. وتعهدت الصين بالتصدي لما تعتبره "ابتزازاً".

كما خفض بنكا نيوزيلندا والهند المركزيان أسعار الفائدة اليوم الأربعاء، مما قد يمهد لخطوة أوسع نطاقاً يتخذها صناع السياسات في محاولة للتخفيف من وطأة الرسوم على اقتصادات بلادهم.

وتقوم دول أخرى بضخ دعم مالي لقطاعات تصدير أساسية. وأعلنت كوريا الجنوبية عن عدد من الإجراءات الطارئة لشركات السيارات، بما في ذلك خفض للضرائب وتقديم للدعم.

ومن المتوقع أن توافق دول الاتحاد الأوروبي اليوم الأربعاء على أولى إجراءاتها المضادة رداً على رسوم ترامب، لتنضم بذلك إلى الصين وكندا في الرد على واشنطن.

ويواجه الاتحاد الأوروبي رسوماً على الصلب والألمنيوم والسيارات، بالإضافة إلى رسوم جديدة بنسبة 20 بالمئة على معظم الواردات الأخرى. وقد اقترحت المفوضية الأوروبية فرض رسوم إضافية بنسبة 25 بالمئة على مجموعة من الواردات الأميركية رداً على رسوم المعادن الأميركية، وتدرس حالياً كيفية الرد على رسوم السيارات والرسوم الأوسع نطاقاً.

ومن المقرر أن يزور رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الصين بعد غد الجمعة، في فرصة لمناقشة كيفية التعامل مع الولايات المتحدة التي تزايدت حالة عدم الثقة بها.

أكد الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) كاو كيم هورن على ضرورة "التصرف بشجاعة" لتسريع التكامل الاقتصادي الإقليمي في ظل الحرب التجارية العالمية.

وكانت دول آسيان، التي تعتمد على الولايات المتحدة كسوق تصدير رئيسي، من بين الدول التي استهدفتها رسوم ترامب. وقد فُرضت رسوم باهظة على صادرات دول مثل فيتنام وكمبوديا ولاوس وبورما وتايلاند وإندونيسيا.

وحذر بعض خبراء الاقتصاد من أن المستهلكين الأميركيين سيتحملون على الأرجح العبء الأكبر من هذه الحرب التجارية في نهاية المطاف من خلال ارتفاع أسعار جميع السلع. وأظهر استطلاع جديد للرأي أجرته وكالة رويترز بالتعاون مع مؤسسة إبسوس أن ما يقرب من 75 بالمئة من الأميركيين يتوقعون ارتفاع أسعار السلع اليومية في الأشهر الستة المقبلة.

وقد شملت الجولة الأحدث من الرسوم الجمركية دولاً وصفها ترامب بأنها "تنهب" الولايات المتحدة، وضمت بعض أقرب حلفاء واشنطن، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي فُرضت عليه رسوم تبلغ 20 بالمئة إضافة إلى رسوم على قطاعات معينة. ومن المقرر أن يصوت التكتل على إجراءات مضادة مبدئية في وقت لاحق اليوم الأربعاء.

كما ألمح ترامب إلى أنه لم ينته بعد من فرض المزيد من الرسوم الجمركية، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.

ويمثل دخول رسوم ترامب الجمركية الجديدة حيز التنفيذ تصعيداً خطيراً ينذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي واستقرار الأسواق المالية. وبينما تتخذ الدول المتضررة إجراءات للرد، يترقب العالم بحذر تطورات هذه الحرب التجارية وتأثيرها على النمو العالمي وسلاسل الإمداد والتجارة الدولية.