الذئاب الرمادية في قلب كركوك العراقية

التنظيم المحظور في أوروبا يكثّف نشاطاته في كركوك الغنية بالنفط.
الأربعاء 2021/01/20
خطوة مستفزة لأهالي كركوك

كركوك (العراق) – أثار رفع رئيس الجبهة التركمانية العراقية النائب أرشد الصالحي وعدد من الأمنيين شارة الذئاب الرمادية خلال جولة تفقدية لمقرات أمنية في كركوك، غضب باقي المكونات في المدينة لاسيما العرب والأكراد الذين وصفوا هذه الخطوة بالاستفزازية.

ورفع رئيس الجبهة التركمانية إشارة "الذئب الأغبر" أو ما يطلق عليه البعض "الذئاب الرمادية"، خلال زيارته إلى المقرات التابعة لقوات "درع كركوك" و"فوج شهداء التركمان للحشد الشعبي" في النواحي والقرى التركمانية الواقعة بأطراف محافظة كركوك.

ويبعث الصالحي ومن معه بإشارة على انتمائهم إلى القومية التركية، في مشهد أعاد إلى الأذهان وقائع مشابهة حصلت في كركوك، ومن بينها إقدام النائب التركماني السابق نيازي معمار أوغلو داخل مجلس النواب العراقي، على رفع إشارة الذئاب الرمادية والتي شهدت وقتها ردود أفعال مستنكرة.

وتزامنت الحادثة مع زيارة رسمية يجريها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار منذ الاثنين إلى العراق، التقى خلالها كبار المسؤولين في بغداد وأربيل.

وفي تقييم للزيارة أجراه في مقر القنصلية التركية لدى أربيل العراقية، أشار أكار إلى أنه توصل إلى تفاهمات مع الحكومة العراقية المركزية وإقليم كردستان بشأن استهداف حزب العمال الكردستاني، قائلا ”مصممون على إنهاء الإرهاب من خلال التعاون الذي سنقيمه مع بغداد وإقليم شمال العراق”.

وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورات مهمة على صعيد تعاون أنقرة مع كل من بغداد وأربيل في مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن تركيا تتابع عن كثب إخراج المسلحين الأكراد من محيط سنجار بالعراق، وأن أنقرة مستعدة لتقديم الدعم في هذا الخصوص.

وأكد وزير الدفاع التركي أن أنقرة ستزود العراق بتجاربها وخبراتها في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وأن الجانبين “اتفقا على تنفيذ تدريبات ومناورات مشتركة، وكذلك على تعليم عناصرهما اللغة بشكل متبادل”.

وكانت جولة أكار في العراق شملت مقر الجبهة التركمانية في كركوك.

وتكتسب مدينة كركوك أهمية خاصة بالنسبة لتركيا، حيث تولي أنقرة اهتماما خاصة بالأقلية التركمانية في العراق وتعتبرها أحد الأرفدة المهمة التي يمكن الرهان عليها لتعزيز نفوذها في هذا البلد، أسوة بسوريا حيث شكل التركمان إحدى أبرز أذرع أنقرة في تعزيز سيطرتها على جزء مهم واسترتيجي من شمال سوريا.

ويتمركز التركمان في العراق في بعض المناطق ولاسيما في كركوك، التي تمثل خليطا من الأكراد والتركمان والعرب وقوميات أخرى، وظلت محل توتر مستمر بين الحكومة المركزية في بغداد وأربيل، كما تعتبر من أقدم المحافظات العراقية الغنية بالنفط.

وتسارع تركيا دوما لتقديم مساعدات لأهالي محافظة كركوك بشمال العراق في أي ظرف طارئ يواجهونه، رافعة راية حسن الجوار والأخوة الدينية والتضامن الإنساني، وهو ما يكذبه أبناء المحافظة العراقية الذين يدركون مطامع أنقرة في ثرواتها التي تشير تقديرات إلى أنها تنتج 40 في المئة من إجمالي النفط العراقي، و70 في المئة من الغاز الطبيعي الذي ينتجه البلد.

وفي أغسطس 2017 قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن  عن كركوك "نعم فيها الأكراد وفيها العرب أيضا، إلا أن الهوية الأساسية لكركوك أنها مدينة تركمانية".

وحذّر متابعون من أن رفع الصالحي وعدد من المقاتلين التركمان إشارة "الذئب الأغبر"، قد يثير مشاكل في هذه المحافظة، المتنازع عليها، والتي تضمّ أعراقا كثيرة، وقد يثير استفزاز باقي مكونات كركوك لاسيما مع قرب الاستحقاق الانتخابي.

ثروات تثير مطامع تركيا
ثروات تثير مطامع تركيا

وفي الانتخابات السابقة في البلاد عام 2018 حصل التركمان على 10 مقاعد نيابية من مختلف المحافظات والقوائم.

ودخل التركمان في محافظة كركوك بقائمة مشتركة لأول مرة، ليحصلوا على ثلاثة مقاعد نيابية، بعد أن أحرزوا مقعدين نيابيين في انتخابات عام 2014.

ويعكس رفع الجبهة التركمانية شارة الذئاب الرمادية ولاءاتهم وأنهم جند للدفاع عن "الوطن الأم".

وتعود جذور تأسيس "الذئاب الرمادية" إلى ما قبل نحو 6 عقود، على يد ألب أرسلان توركش (1917 - 1997)، وهو عقيد سابق في الجيش التركي.

ونشأ التنظيم في كنف حزب الحركة القومية، شريك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحكم، مستندا إلى أفكار القوميين المتطرفين الأوائل، لينقل أنشطته بعد ذلك من تركيا إلى الخارج.

واستوحى تسمية التنظيم المتطرف من أسطورة “الذئب الرمادي”، التي تقول إنه عندما عاشت قبائلهم في وسط آسيا وتعرضت لهجوم من قبيلة معادية أبادت جميع الأتراك، باستثناء طفل واحد، عاش في الغابة يرضع من ذئبة عطفت عليه حتى كبر، واستطاع أن يعيد لقومه مجدهم!

وتبنى منذ تأسيسه توجهات ضد الأكراد والأرمن واليونان والعلويين والمسيحيين، ونفذ عمليات إرهابية دموية، تمثلت في اغتيالات مفكرين وقادة سياسيين ورجال دين مسيحيين وزعماء من قوميات مختلفة.

ومن أشهر العمليات التي تورط فيها محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 1981 على يد التركي محمد علي أقجا، أحد عناصر التنظيم، والمشاركة في العمليات القتالية بجمهورية الشيشان، بالإضافة إلى تنظيم عمليات نقل الأسلحة داخل المنطقة.

ويعد هذا التنظيم سيء السمعة أخطر التنظيمات وأشدها تطرفا التي ترعاها السلطات التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث نفذ عدة اغتيالات سياسية بحق معارضين أكراد، إضافة إلى محاولات اختراق دوائر سياسية وأمنية في دول كثيرة، منها ألمانيا.

وإضافة إلى الأنشطة غير النظامية في تدمير الممتلكات العامة والخاصة والاغتيالات والخطف، تشمل الأنشطة غير النظامية السرية التجسس ونشر الدعاية والشائعات وإصدار تقارير كاذبة أو مضللة.

وشارك هذا التنظيم القومي في حرب تركيا ضد الحركة السياسية الكردية في التسعينات، مما زاد من تعقيد علاقاتها مع الدولة. ونجحت الجماعة في السيطرة الكاملة على طريق المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا والأميركتين.

ويقول عنه رئيس جهاز الاستخبارات الوطني التركي السابق محمد إيمور إن "الذئاب الرمادية استُخدمت ضد الجيش الأرمني السري في تركيا، وحزب العمال الكردستاني، واليسار الثوري الماركسي اللينيني.

وقام عدد من دول العالم لاسيما في أوروبا بحظر تنظيم "الذئاب الرمادية"، وآخرها الحكومة الفرنسية التي أعلنت مطلع نوفمبر 2020 حظر هذه الحركة، وهو ما لوّحت أنقرة بـ"ردّ حازم" عليه.