الدين والمذهب والروابط الشخصية تحكم علاقات أردوغان الدولية

عكست التصريحات، التي صدرت عن الرئيسين الأميركي والتركي، استمرار الخلاف بينهما في ما يخص موضوع شراء منظومة أس400 الصاروخية الروسية ومقاتلات أف 35 الأميركية.
الاثنين 2019/05/06
الولايات المتحدة تصر على تراجع تركيا عن إتمام الصفقة لمنع حدوث تقارب بين تركيا وروسيا

لم تسفر المكالمة الهاتفية، التي دارت يوم 29 أبريل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، عن النتائج التي كان يأملها الأخير، وظهر هذا جلياً في كلمته التي ألقاها في اليوم التالي بمناسبة افتتاح معرض الصناعات الدفاعية (آيدف) بنسخته الـ19 في مدينة إسطنبول.

عكست التصريحات، التي صدرت عن الطرفين بعد هذه المكالمة، استمرار الخلاف بينهما في ما يخص موضوع شراء منظومة أس400 الصاروخية الروسية ومقاتلات أف 35 الأميركية. وعلى الرغم من تصريح أردوغان “سددنا ثمن منظومة أس 400 الصاروخية الروسية، وانتهى الأمر”، لا تزال الولايات المتحدة تمارس ضغوطها على أنقرة لإثنائها عن المضي قدماً في طريق إتمام هذه الصفقة، بل وتلوّح بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية عليها إن هي أصرت على موقفها.

وعلى الجانب الآخر، استخدم أردوغان في كلمته يوم 30 أبريل نبرة حادة خلال حديثه عن إدارة دونالد ترامب، وإن كان لم يذكر اسمها صراحةً، قال أردوغان “يصر الذين يوجهون تهديداتهم إلينا من على بعد آلاف الكيلومترات، على تجاهل حقنا المشروع. أقول لهم إن تركيا لن تقبل أي إملاءات في مجال الصناعات الدفاعية، كما لم تقبلها من قبل في المجالات السياسية والاقتصادية”.

استهل أردوغان حديثه بالتأكيد على أن تركيا بدأت مرحلة تصنيع أنظمة دفاع جوي محلية الصنع، وزعم أن عزل تركيا عن مشروع مقاتلات أف 35 المشترك مع الولايات المتحدة سيؤدي إلى انهيار المشروع بالكامل، أو على حدّ قوله “لن يمكنكم التحرك دون تركيا، إذا عزلتم تركيا فسوف ينهار المشروع”.

اتباع تركيا في تعاملها مع الضغوط التي تتعرّض لها من قبل الولايات المتحدة سياسةً تعتمد على “الهواجس الفكرية والانتقائية الأيديولوجية” سيؤدي بها بالضرورة إلى نتائج سلبية

من جهته شرح البروفيسور حسن أونال -الأستاذ في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة مالتبه- في حديثه إلى موقع “أحوال تركية”، التوتر المستمر في علاقة تركيا بالكثير من دول العالم على صعيد سياستها الخارجية، وأزمة صفقة منظومة أس 400، واعتبر أنه إذا تراجعت تركيا في هذه المرحلة عن شراء منظومة أس 400 الصاروخية الروسية، فسيُعد هذا انتقاصاً من سيادتها.

وفي رأيي الشخصي، إن الهدف الرئيسي وراء إصرار الولايات المتحدة على تراجع تركيا عن إتمام هذه الصفقة هو منع حدوث تقارب بين تركيا وروسيا. وهي تلوّح باتخاذ كافة السبل، وعلى رأسها فرض حظر اقتصادي على الاقتصاد التركي المنهك في الأساس، للحيلولة دون حدوث الأمر. أما عن زعمها أن مقاتلات أف 35 الأميركية لن تستطيع الدخول في المجال الجوي لصواريخ أس 400 خشية أن تطلع روسيا على الأسرار التقنية لهذا النوع المتطور من المقاتلات، فهذا غير صحيح بالمرة؛ لأن الجيش الإسرائيلي يملك نفس النوع من المقاتلات، وهي تحلق باستمرار على الحدود السورية- اللبنانية، على الرغم من امتلاك سوريا الجيل الأحدث من منظومة أس 300 الصاروخية، كما أن روسيا تنشر بطاريات صواريخ أس 400 في قاعدة حميميم العسكرية الروسية هناك. وبالمثل تحلق طائرات أف 35 في بحر الشمال في النرويج، تزامناً مع نشر روسيا بطاريات أس 400 لحماية مجالها الجوي في هذه المنطقة.

ولو كان بإمكان روسيا الحصول على أسرار هذه المقاتلة، كما تزعم أميركا، لفعلت هذا الأمر منذ فترة طويلة. من ناحيتها، اقترحت تركيا تكوين فريق عمل مشترك لإزالة أسباب مخاوف واشنطن في هذه النقطة، ولكن اقتراحها لم يجد صدى لدى الأخيرة؛ لأن هدفها -كما قلت قبل قليل- هو منع حدوث أي تقارب عسكري أو سياسي بين تركيا وروسيا. والبعد الآخر للمشكلة هو أن نشر تركيا لمنظومة أس 400 الصاروخية في القطاع الغربي من الدولة، سيضمن لتركيا السيطرة الكاملة على الأجواء في منطقة بحر إيجة، مقارنة باليونان.

ويقول البروفيسور أونال إن اتباع تركيا في تعاملها مع الضغوط التي تتعرّض لها من قبل الولايات المتحدة سياسةً تعتمد على “الهواجس الفكرية والانتقائية الأيديولوجية” سيؤدي بها بالضرورة إلى نتائج سلبية، ويؤكد أن حكومة أردوغان تعتمد في المفاضلة في علاقاتها الخارجية مع الدول والزعماء، عناصرَ مثل الدين والمذهب والأيديولوجيا والروابط الشخصية، مدللاً على ذلك بما حدث في السودان بعد الإطاحة بعمر البشير، أو على حد قوله “بدلاً من أن تضع تركيا سياسة متوازنة تتصف بالاستمرارية في علاقاتها الخارجية تستطيع من خلالها تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، دون النظر إلى الشخص أو الحكومة الموجودة في هذا البلد أو ذاك، وجدناها تقيِّم علاقاتها مع الدول بالأشخاص الذين يحكمون في تلك الدول، ودينهم وفكرهم ودرجة التقارب الأيديولوجي معهم؛ لذلك كان من الطبيعي أن نصطدم في النهاية بمواقف شبيهة بما يجري في السودان الآن”.

استخدم أردوغان في كلمته يوم 30 أبريل نبرة حادة خلال حديثه عن إدارة دونالد ترامب، وإن كان لم يذكر اسمها صراحةً

ولا يغيب عنّا ما حدث في مصر أيضًا؛ عندما سارع أردوغان إلى دعم عضو جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، وعندما تم عزله لم يتردد في قطع علاقته بحكومة عبدالفتاح السيسي. وكانت النتيجة أننا فقدنا، بسبب تلك الهواجس والسياسة القائمة على الانتقائية الأيديولوجية، دولةً مهمةً مثل مصر، التي كان من الأجدر بنا أن نوطد علاقاتنا معها. على الجانب الآخر، كان من الطبيعي أن يتم استبعاد تركيا من “تحالف دول شرق المتوسط” الذي يضم اليونان وقبرص إلى جانب مصر وإسرائيل في ظل علاقتها المتوترة مع هذه الأطراف كافة.

 على المستوى العالمي كان الاتحاد السوفييتي وإيران الخميني على رأس قائمة الأنظمة الأيديولوجية في سياستهما الخارجية، لكن حتى هذان البلدان كانا يتّبعان في علاقاتهما الخارجية سياسة براغماتية تعطي الأولوية لمصالح بلديهما فقط. أما تركيا فلا تزال عالقة في هواجسها الأيديولوجية، عاجزة عن اتباع سياسة خارجية أيديولوجية متوازنة.

6