الدولة العراقية تصارع الفشل على حافة الفوضى

بغداد – أظهر تمرّد ميليشيات الحشد الشعبي على أوامر صادرة عن الحكومة العراقية للمرة الثانية خلال أشهر مدى تغوّل الفصائل المسلّحة، لكنّه كشف في المقابل عن بقايا نبض في شرايين الدولة العراقية المنهكة على جميع المستويات ووجود رغبة لدى نخبة من قياداتها السياسية والعسكرية في استعادة ما أمكن من هيبتها رغم الصعوبات.
وردا على اعتقال قيادي في الحشد بتهمة الإرهاب حاصرت قوات من الحشد الشعبي، الأربعاء، منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وأماكن أخرى في المنطقة الخضراء التي توجد بها منازل مسؤولين ومقار مؤسسات رسمية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
وأوقفت قوة أمنية عراقية، الأربعاء، قاسم مصلح قائد عمليات الحشد في محافظة الأنبار غربي العراق بتهمة الإرهاب، وفق وزارة الدفاع.
ولم توضح وزارة الدفاع التهمة المنسوبة لمصلح على وجه الدقة، إلا أن وسائل إعلام محلية أفادت بأنه “متهم بقتل ناشطين في الاحتجاجات” بينهم إيهاب الوزني رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء الذي قتل على يد مجهولين في التاسع من مايو الجاري.
لكن بعد ساعات تم الإعلان عن إطلاق سراحه وتسليمه لقوات الحشد الشعبي بعد انتشار عناصرها في المنطقة الخضراء. ومن الأماكن التي سيطرت عليها قوات الحشد مبنى رئاسة الوزراء وهو ما وضعه محللون سياسيون في خانة “الصراع القائم بين الدولة واللادولة” في البلاد.
وقال عضو مركز القرار للدراسات الإستراتيجية ماهر جودة “إنّ المؤسسات الأمنية المعروفة ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وما حصل الأربعاء يبدو أنه صراع بين الدولة واللادولة”.
وأضاف جودة متحدّثا لوكالة الأناضول “كان من المفترض أن يتم احترام مذكرة القبض الصادرة من القضاء ضد القائد في الحشد الشعبي وانتظار نتائج التحقيق وما يقرره القضاء”.
وتابع “من خلال أحداث التوتر الأمني في بغداد أصبح واضحا للجميع أن الحشد خارج نطاق المؤسسة العسكرية، والشارع العراقي مع الدولة ومع احترام القانون”.
وفي ديسمبر الماضي اقتحمت قوات من الحشد تابعة لفصيل عصائب أهل الحق المنطقة الخضراء، بعد ساعات على توقيف قوات الأمن لشخص ينتمي إلى الفصيل بتهمة قصف المنطقة الخضراء بالصواريخ، ليتم لاحقا إطلاق سراحه.
وتواجه فصائل الحشد المقربة من إيران اتهامات بالوقوف وراء عمليات اغتيال لنشطاء في الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أكتوبر 2019.
وترفض هذه الفصائل أي عمليات اعتقال لعناصرها تقوم بها قوات من الجيش أو الشرطة أو قوات مكافحة الإرهاب.
واشتد الصراع الأمني والسياسي بين بعض هذه الفصائل والكاظمي منذ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد أبومهدي المهندس في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الماضي. وتتهم تلك الفصائل الكاظمي بمساعدة الأميركيين على اغتيال سليماني والمهندس.
وإزاء استعراض الحشد لقوته في قلب بغداد، حذر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من دخول البلاد في مرحلة الفوضى.
وقال العبادي في تغريدة الأربعاء إنّ “بناء الدولة مسؤولية تضامنية، فإما أن تسير الدولة إلى السيادة والنظام، أو أن تسقط الدولة على رؤوس الجميع”.
واعتبر العبادي الذي دخل خلال رئاسته للحكومة في خلافات أيضا مع الحشد الشعبي أنّ “التجاوز والاستقواء والتمرد على الدولة ممنوع، ولا أحد فوق القانون”، مضيفا “ليحتكم الجميع إلى الدولة ومنطقها قبل أن تبتلعنا الفوضى”.
ويرى خبراء الشؤون العسكرية أن أحداث الأربعاء تجاوز على سلطة الدولة. وقال الخبير العسكري أعياد الطوفان إنّ “ما جرى من أحداث الأربعاء تجاوز على الدولة والقانون وتصرف مرفوض، فمن صلاحيات رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة، تطبيق أوامر القبض الصادرة من القضاء”.
وأوضح الطوفان أن “ما حدث كان تمردا عسكريا باعتبار أن الشخص المعتقل قائد بالحشد الشعبي الذي يعتبر (صوريا) جزءا من القوات الأمنية”.
ووفق القانون يتلقّى الحشد الشعبي أوامره من قيادة العمليات المشتركة التي تتبع وزارة الدفاع وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي.
ورغم تبعية الحشد الشعبي قانونيا للقوات المسلحة، وارتباطه مباشرة برئيس الوزراء غير أن مراقبين يرون أن نفوذه تصاعد على نطاق واسع، وبات أقوى من مؤسسات الدولة الأخرى، ولا يخضع قادته لأوامر الحكومة بل لقادته المقربين من إيران.
وعلى المستوى الشعبي اعتبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن سيطرة قوات من الحشد على أماكن مهمة داخل المنطقة الخضراء تحدّ لسلطة الدولة، وحمّلوا الكاظمي مسؤولية ما حدث، مندّدين بسياسة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح من جانب فصائل الحشد المسلّحة.
وكتب زياد عدنان، أحد المدونين، على صفحته في فيسبوك “لدينا قوات قوامها أكثر من مليون شخص، ويتم إنفاق مليارات الدولارات كرواتب وتسليح وتجهيز، وكل هذه القوات غير قادرة على ضبط أشخاص خارجين عن القانون”.
وعلّق محمد الميراني على صفحته في فيسبوك بالقول “اللاّدولة تفرض طوقا أمنيا على الدولة.. أين جيشك يا رئيس الوزراء”.
وتعقيبا على انتشار قوات الحشد في المنطقة الخضراء وحولها قال الكاظمي إنّ “المظاهر التي حدثت من قبل مجموعات مسلحة تُعد انتهاكا خطيرا للدستور والقوانين النافذة”.