الدور الروسي في سوريا بعد إسقاط الطائرة

منذ إسقاط طائرة المراقبة الذي أودى بحياة بـ14 عسكريا روسيا، تعجلت موسكو خطتها لتحييد إسرائيل، وفي هذا التحييد منافع لصالح دورها السياسي العام.
الجمعة 2018/10/26
نهاية الحرب من شأنها تكريس التواجد الروسي في سوريا

بدا لافتا أن سلاح الجو الإسرائيلي، قد علّق هجماته على سوريا، في انتظار موافقة موسكو على لقاء يجمع فلاديمير بوتين ببنيامين نتنياهو، إذ لم يعد الخط الهاتفي الساخن يجدي نفعا. فمنذ إسقاط طائرة الإليوشن 20 الروسية قبالة اللاذقية، وإعلان روسيا عن مسؤولية سلاح الجو الإسرائيلي عن إسقاطها، بدأت موسكو خطوات لتغيير المعادلة العسكرية، وهو ما كانت تضمره وتُعدّ له لأسبابها الكثيرة، منذ أن اقتربت من حسم الحرب لصالح النظام.

ومعلوم أن نهاية الحرب من شأنها تكريس التواجد الروسي في سوريا، سواء الاستراتيجي على شواطئ المياه الدافئة، أو تعزيز ثقلها السياسي في المنطقة ذات الأهمية الكبرى، والإفادة اقتصاديا من الثروات الكامنة بدءا بتعويض خسائرها في الحرب، من خلال عمليات الإعمار، ومن ثروة الغاز المُكتشف التي كانت من بين عوامل الاستثمار القطري في الحرب والرهان في ذلك على الجماعات المتطرفة، سعياً إلى تكامل المشروع المفترض لمد أنبوب الغاز من قطر إلى ساحل المتوسط.

منذ إسقاط طائرة المراقبة والاستطلاع الذي أودى بحياة 14 عسكريا روسيا، تعجلت موسكو خطتها لتحييد إسرائيل، وفي هذا التحييد منافع لصالح دورها السياسي العام، وخاصة دورها في تحقيق التسوية التي عجز عنها الأميركيون. ولا يزال الروس يعتبرون “حزب الله” والجماعات الموالية لإيران، عنصر دفع لكي تتحسس إسرائيل حاجتها إلى التسوية. أما الاستمرار في تركها تقصف، فلن يفيد موسكو على أي صعيد، وإن كانت سمحت بالقصف أو صمتت عنه، في خضم المعارك الجارية في السنوات الأخيرة الثلاث، في موازاة التساند بين موسكو وطهران، وهو التساند المستمر حتى الآن، ومن شواهده اعتراض الطرفين على مقترحات تسمية أعضاء صياغة الدستور السوري الذي يمكن أن تبدأ به العملية السياسية.

فالروس والإيرانيون يريدون دستورا على قاعدة أن النظام هو المنتصر في الحرب، وبالتالي هو الأجدر بالحكم، ودستورا لا يفتح المجال لتغييرات جوهرية في منهجية النظام حتى إن أعطيت المعارضة السياسية هامشا من خلال تعديلات طفيفة. وليس هذا يلائم مصالح الطرفين في سوريا وحسب، وإنما أيضا يعكس طبائع العصبيتين اللتين تحكمان في روسيا وإيران، ونظرة كل منهما حيال المعارضة السياسية في بلاده وطريقة التعامل الفظ معها بالوسائل الاستخبارية والقمعية.

في هذا السياق، وبعد إسقاط طائرة الإليوشن، وجد الروس فرصتهم سانحة لتسجيل مقاربة شبيهة بالمأثرة السياسية التاريخية، وهي اللجم الجزئي لإسرائيل، مع مراعاة الحفاظ على كل عناصر الشراكة معها التي تكفي لتأدية الغرض الروسي، وهو التوصل إلى تسوية إسرائيلية -سورية، وتدوير الكثير من الزوايا التي فشل الأميركيون في تدويرها، على أمل فتح بعض الأبواب المغلقة أمام شعوب المشرق العربي التي أطاحت التطورات، خلال ربع القرن الأخير، بكل أحلامها. فمن جهة، تساعد هذه الحلول على تقبل دور مستقبلي لروسيا، بشفاعة جلب الاستقرار الذي تطمح إليه شعوب المنطقة. ذلك على الرغم من عدم تغيير القناعة التي ترسخت في أذهان الروس منذ نحو أربعة عقود، وهي أن مصلحتهم تكمن حصرا في بقاء حكم أسرة الأسد ومن ورائه الأقلية الطائفية النصيرية. وهذا أمر عبّر عنه بوضوح، عدد من الجنرالات الروس الذين خدموا كخبراء في سوريا، ومن بينهم المارشال ليونيد إيفاشوف، الخبير في شؤون حركة الاحتجاجات في العالم، الذي شغل مركز رئيس معهد القضايا الجيوسياسية والإدارة العامة لشؤون التعاون العسكري الدولي.

إسرائيل تواصل عملها في سوريا بهدف إحباط جهود التعزيز العسكري لقدرات “حزب الله” العسكرية. لكنها أوقفت غاراتها في انتظار عودة التنسيق الميداني مع الروس. لكن الروس من جانبهم، لا يزالون ماضين في تعزيز الدفاعات الجوية السورية ونقل وسائلها المتطورة إلى الجيش السوري، وقد نقلت في نهاية شهر سبتمبر الماضي، حسب الصحافة الإسرائيلية، ثلاثة أنظمة دفاع جوي من نوع إس-300 المعدل والمتقدم، وذات القدرة العالية على تشخيص واعتراض الأهداف الجوية، على أن يتم التشغيل في المرحلة الأولى بالأطقم الروسية. وعلى الرغم من تطمينات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بأن سلاحهم الجوي يستطيع عند الضرورة تدمير هذه الأنظمة أو التغلب عليها ومواصلة القصف، إلا أن العسكريين والمستوى السياسي، لا يميلون إلى المخاطرة.

في غضون ذلك، لا يزال نتنياهو يحاول إعادة العلاقة مع الروس، لكن هؤلاء وجدوها فرصتهم، لكي يسجلوا مأثرتهم قبل نهاية الحرب التي صبوا فيها نيرانا إغراقية على المدنيين في عمليات قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وقد صرح قائد العمليات الروسية في سوريا الجنرال فيكتور بونداريف، بأن قواته ستترك للجيش السوري الأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك المقاتلات وطائرات الهجوم والقاذفات الاستراتيجية والطائرات من دون طيار وجزء من العربات المدرعة وأجهزة الاستطلاع الفضائية، وهذا يمثل تطورا نوعيا، يرفع الحذر والحرج الروسيين، من تسليح أي طرف عربي بسلاح نوعي هجومي، طوال تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

كانت علاقة الروس مع إسرائيل، وقد عززتها تدفقات مواطني الاتحاد السوفياتي السابق إلى إسرائيل من اليهود ومن أدعياء اليهودية الذين رغبوا في الهجرة؛ قد أنتجت شبكات تعاون واسعة بين روسيا وإسرائيل. لكن المستوى السياسي الروسي، ومن ورائه الاستخبارات، يختزنون في وعيهم ذكرى طعنات إسرائيلية وجهت لهم. ففي حادثة قصف البرلمان الروسي عام 1993 ومن خلال نتائج التحقيقات في أسباب تطور الواقعة إلى قصف برلمان البلاد، توصل التحقيق إلى أن وحدة القناصة الإسرائيلية “بيتار” تسللت إلى روسيا عن طريق البلطيق، في إهاب فريق رياضي، وشاركت في أعمال القناصة بإطلاق النار على الجنود وعلى حاملي البنادق في البرلمان. ما حمل الرئيس بوريس يلتسين على اتخاذ قرار الحسم بالقصف. ويقول أحد الجنرالات الروس إن وحدة “ألفا” العسكرية الروسية لمكافحة الشغب، رفضت في البداية إطلاق النار على البرلمان، لكن القناصة الإسرائيليين قتلوا ضابطا منها، فتحولت الوحدة إلى الموقف الهجومي. ويقول الروس أيضا إن الإسرائيليين فعلوا الشيء نفسه في أوكرانيا. لذا فإن إسقاط طائرة اليوشن 20 كان سببا كافيا لتصفية حسابات تفتح لروسيا مدخلا إلى كل أنواع الحصاد في سوريا والمنطقة.

8