الدور الجاد يعيد عادل إمام إلى الواجهة بعد إخفاقات متعاقبة

اختار الفنان عادل إمام أن يخوض تحديا جديدا في مشواره الفني بدراما الموسم الرمضاني الحالي من خلال مسلسل “عوالم خفية” الذي يعود فيه إلى تركيبة الأدوار الجادة التي وضعته في مكانة خاصة وصنعت جزءا كبيرا من نجوميته، وعلى رأسها سلسلة الأفلام التي قدّمها بصحبة الكاتب المخضرم وحيد حامد والمخرج محمد خان.
القاهرة- أحداث درامية ثرية فرضتها الحلقات التي عرضت من مسلسل “عوالم خفية”، والذي يعد نقطة فارقة في مشوار النجم عادل إمام، استعاد بها وهجه الجماهيري بعد ارتباك في عدد من الأعمال التي قدّمها خلال السنوات الماضية بصحبة كاتبه يوسف معاطي، الذي لم يضف له ما يليق بتاريخه الفني وشعبيته على مستوى العالم العربي.
حادث غامض
يقدّم العمل الذي تعرضه محطات مصرية وعربية، مجموعة من العوامل التي ساهمت في خروجه بشكل مختلف، وحاول رامي إمام المنتج والمخرج تغيير الصورة النمطية التي اعتاد والده الظهور بها، بداية من اختياره لفريق جديد من الأقلام الشابة، وهم الثلاثي أمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان، فأضفوا ملامح مميزة للقصة، وصولا إلى كادرات الإخراج.
ويستكمل إمام الشكل الجديد بالظهور في قالب جاد يعيد إليه رونقه وجاذبيته في تقديم مثل هذه النوعية من الأدوار التي اختفت من رصيده التلفزيوني في السنوات الماضية.
ويعيد “عوالم خفية” هيبة الصحافي في الأعمال الدرامية من خلال نموذج الكاتب “هلال كامل” الذي يلعب دوره الفنان عادل إمام، ورغم تقدّمه في العمر، إلاّ أنه مازال يبحث عن التحقيقات المثيرة ويتحرى المعلومات الدقيقة عبر انطلاقه إلى أماكن ووقائع الأحداث. ولأن هلال رجل مخضرم في مهنته يعكس بشكل غير مباشر أهمية تحقّق الصحافي من المعلومات بنفسه دون الاعتماد على ثورة التكنولوجيا التي باتت مسيطرة على المشهد الإعلامي، بالرغم من استعانته بها للوصول إلى تفاصيل أكبر في تحقيقه لحل لغز مقتل فنانة مشهورة اسمها “مريم رياض”، التي تلعب دورها الفنانة رانيا فريد شوقي.
ويؤكد المشهد الافتتاحي لمسلسل “عوالم خفية” أننا أمام تشابه واضح بين قضية لغز مقتل مريم رياض والفنانة الراحلة سعاد حسني، حتى وإن حاول القائمون على العمل الهروب من هذا المأزق بتغيير تاريخ الحادث وبعض تفاصيل الوفاة.
وتبدأ الأحداث بعثور هلال على مذكرات مكتوبة بخط اليد وضعتها مريم رياض في غلاف كتاب “عوالم خفية” لرواية أخرى قبل مقتلها، وكانت تنوي تقديمها كفيلم سينمائي.
ورغم التشابه بين ما يعرضه ومقتل سعاد حسني، إلاّ أن صناع العمل قدّموا سياقا مختلفا يدور حول اللغز والغموض الذي بدأ مع مشهد إلقاء الممثلة المشهورة من أعلى ارتفاع الفندق الذي كانت تقيم فيه.
وهنا يبدأ “هلال” دوره في البحث عن أسماء ورموز الشخصيات التي وضعتها الراحلة في مذكراتها، ويتأكد أنها قتلت بالفعل ولم تنتحر، كما ذكرت وسائل الإعلام أثناء تغطيتها للحادث.
قصة مثيرة
تبدو الخيوط الدرامية في “عوالم خفية” متعددة الشخوص والوظائف، والعودة لمذكرات مريم رياض تحكي عن زواجها السري من طبيب كبير يكُتشف فساده في صفقة مستلزمات طبية دفع ثمنها موظف جمارك يلعب دوره الفنان أحمد صيام.
ولعل نموذج اختيار الفنانة لتكون محركا للأحداث الغامضة يحمل دلالات كثيرة، تتمثل في وجود رمز يمنح الفرصة للكشف عن فساد أنظمة وعلاقتها الشائكة برجالها من الوجوه المتخفية، وليس هذا فقط بل اللعب على الحالة النفسية لفنانة أغفلتها الأضواء في مرحلة متقدّمة من العمر، بعد فيض من النجاح وما لها من حيوات وعلاقات غامضة منحت ثراء للعمل وجذبت الجماهير أكثر من تقديم نفس الأفكار عبر أشخاص عاديين.
ولم يغفل مؤلفو العمل الجانب الاجتماعي للبطل الذي يعيش وحيدا بصحبة حفيده في منزله بعد أن توفيت زوجته وهجره الأبناء، وتبدو ابنته المحامية وصولية وتجسد دورها الفنانة بشرى وتدعي الدفاع عن البسطاء في وسائل الإعلام بصورة تعكس الوجه الخفي لحياتها التي تبحث فيها عن السلطة والمال، أما الابن الذي يلعب دوره الفنان طارق صبري، فهو طبيب نفسي يغوص في عالم مرضاه النفسيين، ويحاول أن يكون قريبا من والده.
ويلقي الخط الدرامي بظلاله على الجانب المتخبط في الترابط الأسري والذي يظهر في علاقة ابنة البطل “المحامية” بولديها، والتي لا تكترث كثيرا بهما على حساب عملها وعلاقاتها.
ورغم قدرة العمل على تقديم حبكة جيدة للشخصيات والأحداث، بدت بعض المشاهد غير منطقية للمشاهد، مثل التحوّل الجذري والمفاجئ في علاقة لواء الشرطة الذي يلعب دوره الفنان أسامه عباس، بابنته الصحافية التي تعمل مع هلال في نفس الصحيفة وتقدمها الفنانة هبة مجدي.
ويطلب منها إقناع والدها المسؤول الأمني السابق إحضار ملف كامل عن القضية التي يحقّق فيها والاستعانة بخبراته وصداقاته، فيوافق الأب الذي بدا في بداية أحداث المسلسل كارها لابنته وعملها.
وهاجم البعض من النقاد ظهور عمل عادل إمام كصحافي ميداني رغم سنه الذي تخطى السبعين عاما، والذي يجسد شكلا غريبا منافيا للواقع، لأن البطل يقوم بأعمال شاقة كالسفر واختراق أماكن يصعب الاقتراب منها، للوصول لمعلومات عن صفقة المستلزمات الفاسدة. أما نموذج رجل الأمن الوطني الذي يلعب دوره الفنان فتحي عبدالوهاب، فيبدو تقليديا في فكرة الصراع بينه وبين الصحافي المعارض، ولم يحمل توظيفا جيدا في الحلقات الماضية. وظهرت ملامح عديدة تؤكد أن هناك اجتهادا في نمط التصوير الذي يتواكب مع طابع الغموض والتشويق الذي تفرضه القصة، ما يكشف عن وجه جديد لمخرجه رامي إمام ويظهره في شكل مختلف عن طبيعة الدراما التلفزيونية التي قدّمها من قبل، وهذا تحد آخر له يسير بالتوازي مع نجاحه في أولى تجاربه الإنتاجية في هذا العمل.
ويبقى مسلسل “عوالم خفية” في منطقة آمنة لصنّاعه، بعيدا عن بعض الهفوات والإسقاطات، وتظل المنافسة شرسة، خاصة مع تعدد الأعمال وصعود نجم الكثير من الممثلين الشباب، وأبرزهم عمرو يوسف في “طايع” وياسر جلال في “رحيم” وأمير كرارة في مسلسل “كلبش 2”.