الدوحة تستضيف حماس وطالبان بطلب أميركي.. وتزايد
قبل يومين، كانت شاشة الجزيرة دون سواها هي التي وضعت في مستطيلها نبأ عاجلا يقول إن ديفيد بترايوس المدير العام السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية بادر إلى تذكير الجميع بأن استضافة قطر لوفود من حماس وطالبان كانت بعلم وطلب وإشراف الإدارة الأميركية!
لم تكن شاشة مصرية هي التي احتفت بتصريح بترايوس وخصصت له مستطيلا أحمر يجعله نبأ عاجلا، علما بأن الشاشة المصرية أو السعودية، هي الأحق بأن تفعل ذلك، لتذكير كل البائسين الذين وقعوا في الفخ، عندما ظنوا أن المنحى الجهادي النبيل هو الذي جعل الحكم في قطر يبذل المال، ويدعم ويحافظ على وداد التنظيمات والحركات المتطرفة، التي يُفترض أنها كارهة حتى النخاع للولايات المتحدة، وتراها، كما يراها العالم كله، رديفا لإسرائيل.
كان في وسع أيقونة الإعلام القطري أن تتحاشى الخفة، وأن تبث الخبر بشكل عابر، كما وردها نقلا عن صحيفة فرنسية لكي تصطاد عصفورين بحجر: أن تعزز دفاعها عن نفسها حيال تهمة دعم الإرهاب، بتقديم شهادة شاهد من أهل العسس الأميركي، وفي الوقت نفسه، تدلل للبسطاء الذين يحبونها ويقبضون كلامها، على كونها لا تزال تستحق إعجابهم بحكم مهنيتها، إذ ها هي تنشر خبرا يحرج آل ثاني، وينزع عنهم صفة الميل الطبيعي والأصيل للجهاديات كلها، ويجعلهم معاوني رأس الأفعى المخابراتية الأميركية. فالخبر من شأنه الإساءة إلى حكام قطر عند ضعاف الجهاديين، فما بالنا بالجهاديين مكتملي العنفوان.
والخبر اللئيم يجعل آل ثاني أصحاب مخطط مختلف، إذ يأتون بأصحاب الرؤوس الحامية إلى فنادقهم، ويضعونهم تحت سمع وبصر الشياطين كلها وغواياتها المتنوعة: بحبوحة الجناح الفندقي التي تضطر ساكنه إلى صب اللعنات على الكهف والحجرة المُحاصرة بل وعلى البلد المسكون بالخطر.
ووضع الضيف المعطّر كوضع السيف في موضع الندى، حسب التعبير الإعجازي للشاعر المتنبي، مع تفاريح ألوان الطيف عند اختلاط الجنسين في المطاعم وفي الممرات إلى مسابح النزلاء، ناهيك قبلها عن مباهج مقصورة الدرجة الأولى في الطائرة. وذلك كله قبل إدخال الشيوخ في الحَلّابات، حسب لغة الغزيين، عندما كانت قوات الاحتلال تحتجز فجأة نحو مئتي سيارة بين حاجزين، ثم تفتشها وتصطاد ما أتيح لها من المقاومين.
قناة الجزيرة لم تفكر ثانية واحدة في موضوع الحزانى الذين قبضوا ميولها "الجهادية" على محمل الجد، وسيشعرون بالحرج من واقعة التكليف الأميركي للدوحة
وفي الحقيقة، لم يكن بترايوس أتى بجديد. فما قاله كان متداولا، لكن الطرف الممالئ لجماعة الإخوان وحكومة قطر تعاطى مع هذه الرؤية باعتبارها تخرصا أو محاولة تشويه للحكم في قطر.
ومن المثير للاستغراب أن الإعلام القطري لا يزال هو الذي ينحو إلى التخوين. فبدل أن يكف أثناء هذا المأزق عن هجائه الناس وتخوينها وشيطنتها ظل يعزف على نغمة التخوين القديمة نفسها، في أداء عجيب ومثير للسخرية. فالآخرون عملاء وشياطين ومتهمون بممالأة الصهيونية والتساوق مع خططها، وفي الوقت نفسه، نسمع الطرف الذي يجري معه التخابر المفترض، يقول إن قطر صاحبة أفضال عليه، ويمنحها شهادة حسن السيرة والسلوك. وها هي قناة الجزيرة تفرح حين يقول رئيس مخابرات أميركا إن الدوحة صاحبة دور مخابراتي ملعوب، ولم تقترب من متطرف، إلا بطلب منّا وبتوجيهاتنا وإشرافنا.
إن أهم ما في الموضوع هو لعبة آل ثاني السحرية الغامضة مع الحلقة الفلسطينية من جماعة الإخوان وإظهار المساندة لحماس. نحن الآن أمام معطيات ليس فيها أي لبس: المخابرات الأميركية تقول إنها هي التي طلبت من الدوحة استضافة حماس، فمن الذي يضمن لنا أن مخابرات سي آي إيه في عهد مدرائها العامين الأربعة الذين جاؤوا بعد بترايوس لم يتتبعوا مع الحكم في قطر خطوات هذه “الاستضافة” الفاتنة؟
ونسأل أيضا ما هو طلب مايكل موريل بخصوص حماس في مرحلته الانتقالية كمدير عام للاستخبارات المركزية الأميركية؟ وهل نفترض مثلا أن موريل هو الذي حث الدوحة على احتضان شجارات أخرى فلسطينية تحت عنوان المصالحة؟ وهل جون برينان التالي، وخلال أربع سنوات من خدمته كمدير عام للوكالة الاستخبارية، قال للدوحة إجمعي الفلسطينيين ولا تفرقيهم، أم إنه ظل يحث على العكس وقطر تنفذ؟
وهل مايك بومبيو المدير العام الراهن لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، هو الذي نصح قطر برفع وتيرة التخوين للناس، والتركيز في ذلك على المناضلين الذين تفاهموا مع حماس، لجعلهم حلفاء الشيطان الصهيوني، وجعل المخابرات التركية هي المنزهة عن الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل، أو جعل بومبيو وهو حليف إسرائيل الطبيعي، بريئا والآثمين هم الذين تفاهموا على إنقاذ النظام الوطني الفلسطيني وإنقاذ غزة؟
يفترض أن الجزيرة كانت أذكى من أن تُعرّض نفسها لهذه الأسئلة بنبأ بترايوس العاجل في المستطيل الأحمر. لكن غريزة السعي إلى الإفلات من المأزق دفعها إلى الاحتفاء بتصريح الرجل، إذ رجحتْ في حسابات القناة الضليعة، اعتبارات النجاة، فيما هي تحشد البراهين على حسن سيرة وسلوك الحكم في قطر.
وأظنها لم تفكر ثانية واحدة في موضوع الحزانى الذين قبضوا ميولها “الجهادية” على محمل الجد، وسيشعرون بالحرج من واقعة التكليف الأميركي للدوحة. فالحزانى مقدور عليهم، أما الحكم في قطر فوضعه الآن كمن وقع في السياج، فاستغاث بالأميركي حارس الحقل، طلبا لإعانته على النجاة.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني