الدمى شخوص حرة ومستعبدة في معرض السوري عبد قاشا

الألوان والضحكات تبوح بأفكار الفنان ونظرته لمحيطه.
الاثنين 2022/06/27
دمى تتكلم نيابة عن البشر

أسس الفنان الشاب عبد قاشا، لوجوده الفني في الساحة التشكيلية السورية بمعرض فردي تحضر فيه الدمى ويغيب عنه البشر، فكائنات الفنان كلها مستوحاة من عالم الدمى، بما يحمله من رموز وإحالات، وبما يمكن أن يقدمه من فهم جديد ومبتكر للواقع السوري الذي أثقلته الحرب وجعلت ألوانه باهتة.

دمشق - أمضى الفنان التشكيلي السوري عبد جميل قاشا وقتا طويلا من التعب والجهد في عكس أفكاره وأحلامه على لوحات تارة ومنحوتات تارة أخرى، قبل أن يعلن عن تنظيم معرضه الفني الأول، الذي ينعقد في غاليري زوايا بدمشق إلى غاية الثلاثين من يونيو الجاري.

المعرض الذي ضمّ ثمانية وعشرين قطعة فنية تنوعت بين لوحاتٍ ذات طابع تعبيري خالص بعضها ملون وأخرى بالأبيض والأسود وبعضٌ من منحوتات تميل إلى اللون التجريدي إضافة إلى بعض من تجارب الخط العربي.

ويقول عبد قاشا إن “العنصر الأساسي للمعرض هو الدمية والتي بدأت كفكرة منذ أن كان في سنته الجامعية الثالثة بكلية الفنون الجميلة ما دفعه ليصنع فناً وبعدها ليبحث في طريق الوصول للناتج الفني”، مبيناً أن الفكرة تصبح شيئاً شكلياً عند البدء بالعمل.

وفيما يخص أفكار لوحاته ومصدرها، أشار قاشا إلى أنها مستمدة من الواقع كما أن الأفكار مرتبطة بشكل وثيق بثقافة الفنان فهي توازن قوة العمل حيث يرى أن القراءة إلى جانب الموهبة والممارسة لدى الفنان إضافة إلى ضرورة تحليه بالصبر والهدوء تعطيه الرؤية الأوضح في الحصول على العمل الفني بأكبر قدر من الدقة.

حالات ومشاعر عنيفة
حالات ومشاعر عنيفة

ويضيف،: “لا توجد فكرة مباشرة للمعرض، إلا أن شكل الدمية هو من أعطاني مجالاً للبحث في اللون وأن أجرب مجموعة ألوان لم أجربها من قبل، فدخلت في مجال بحث يعطيني جرأة أن أجرب كل ما أريده وأفكر بطريقة مختلفة ويفتح لي باب التفكير ليس ليوم بل يعطيني فرصة للبحث الفني طوال العمر”.

ظهرت الدمى إلى الوجود منذ بدايات الحضارة البشرية وتمت صناعتها من العديد من المواد كالحجر، الخزف، الخشب، العظم، الورق والقماش، البورسلين، المطاط والبلاستيك.

والدمية أو العروسة بصفة عامة هي مجسم يمثل طفلا أو إنسانا أو أي شكل آخر له علاقة بالإنسان، وأحيانا تحتوي على ملامح مستوحاة من الحيوانات أو مخلوقات خيالية.

وتستخدم الدمى تقليديا كلعب للأطفال، لكن أيضا يتم جمعها من الكبار لقيمتها ولحالة الحنين التي تبعثها في نفس أصحابها لفترة طفولتهم، وكذلك لجمالها، ولقيمتها التاريخية أو المالية.

وتعتبر الدمي أحيانا من الديكورات التي تتواجد في المنازل بكثرة لجمال شكلها وألوانها.

والدمى هي لعبة مفضلة للكثير من الأطفال، حتى أنها صارت في مرحلة ما اكتشافا مذهلا في عالم المسرح، وصرنا نتحدث عن فن “الماريونيت” الذي جاءنا من الحضارة الآسيوية القديمة، ولا يخلو منه أي بلد عربي اليوم.

ويقول الفنان التشكيلي السوري، إن توظيفه للدمى في معرضه التشكيلي الأول يمكن أن يفتح له الأبواب على مواضيع أخرى، فالفنان حسب رأيه يجب أن يفكر ولا يقيد نفسه بفكرة واحدة ويجب أن يعدد من تجاربه، كما أنه لا يرى بدا من التزام الفنان بتكنيك وأسلوب أو عنصر واحد.

ويوضح “توجد فكرة عامة وهي الدمى وطالما أني قادر أن أصيغها بمئة طريقة فلماذا أقيد نفسي وأجبرها على رسم الدمى بطريقة واحدة”.

دمى

وأما ما تضمنته اللوحات من تنوع في الألوان فقد أرجع سببه إلى اختلاف الفكرة وما تتطلبه من أدوات فأحياناً بحسه التعبيري يحتاج إلى الألوان للتعبير وأحياناً أخرى قد يفي الرصاص بما هو مطلوب.

وأشار الفنان إلى تأثره بالفنان التشكيلي مروان قصاب باشي واصفاً إياه بالجسر الفني بين الشرق وأوروبا وبالفنانين العالميين سوتين وكوكوشكا.

ينظر الفنان التشكيلي عبد قاشا إلى الحياة على أنها مسرح، وأن الدمى هي أحد العناصر الأساسية لذاك المسرح، لذلك لا يمكن الاستغناء عن أي دمية، كما هو حال الإنسان الفاعل في محيطه، وبتوظيف هذه الدمى في الفن التشكيلي فنحن نمنح اللوحة قدرة أكبر على إيصال الحالات التعبيرية المتراوحة بين الطمأنينة والتوتر، السلم والحرب، الفرح والحزن، وهذه المشاعر لا تكون سهلة الوصول للجميع، أطفالا وكهولا، إلا إذا تم تصويرها على أوجه دمى.

ويتبنّى الفنان قاشا في هذا المعرض إنجاز لوحات تبدو آتية من مسرح الدمى، حيث يصور وجوها لدمى تارة تتفاعل فيما بينها، وطورا تحركها دمية كبيرة مكلفة بالقيام بذلك، فتبدو دمى قاشا وكأنها في صراع دائم بين الحرية، التي لن يمنحها إياها البشر أبداً، وبين العبودية التي ترضي الإنسان الذي يمتلكها على حسابها، وهي وإن كانت مجرد دمى مصورة على محامل ومجسدة على شكل منحوتات إلا أنها انعكاس لحالة الاغتراب التي يعيشها الإنسان السوري زمن الحرب بين كونه حرا داخل بلده وبين كونه “عبدا” للآخر سواء كان قوى خارجية أو داخلية تسعى إلى السيطرة على مصيره.

وتظهر الدمى في اللوحات، على هيئة مهرجين ضاحكين، بعضهم داخل حلبة، وأخرى تقف بين شفرتي مقصلة، وثالثة تتصارع فيما بينها، ورابعة تنظر للعالم بعنفوان واستهزاء، وخامسة تتزاحم على مساحة اللوحة الضيّقة والمحددة حتى خرج بعضها من تلك الحدود وتمرد عليها كما تتمرد “الدمى البشرية” يوميا على الحدود المفروضة عليها.

عبد قاشا لم يعتمد على الأسود فقط وإنما مزج بين الألوان الفاقعة والمتفجرة كي يتخلص من سواد الحرب وتأثيراتها

ورغم صراعها المستمر، تبدو دمى الفنان السوري مستسلمة لمصيرها، تستقبله بالكثير من السرور والفرح والفكاهة، فهي تتصارع مبتسمة، وتقتل الآخر مبتسمة وتواجه الموت بابتسامة عريضة، لا شيء في عالمها يدعو إلى الحزن والقلق والكآبة، فالحياة في محيط لوحاته لعب ولهو لا ينتهيان.

وتضمنت لوحات الفنان حالة تعبيرية، تحمل في كثير منها شيئا من القسوة. لذلك اختار عبد قاشا إضافة لمسته الخاصة التي تلطف الأجواء، فنقل عجينة الألوان الصارخة من سطح اللوحة إلى منحوتات يستطيع المتلقي أن يحاورها بسهولة أكثر، وذلك انطلاقا من قناعته بأن شغله في النحت يبدو أكثر بساطة وفهما لدى المتلقي من عمله على اللوحات والمحامل الأخرى.

ولم يعتمد قاشا على الأسود فقط باعتباره رمزا للحزن والحرب والمشاعر الإنسانية المضطربة والحادة، وإنما مزج بين الألوان الفاقعة والمتفجرة كي يتخلص من سواد الحرب وتأثيراتها، ويوصل للمتلقي رسالة مفادها أن الألوان قادرة على التعبير عنك وعن محيطك حتى وإن كانت زاهية.

ويقول قاشا إن معرضه الفردي الأول هو نتاج مجموعة تجارب فنية، وتراكم لمعارف سنوات من الممارسة، بدأها خلال فترة الدراسة في كلية الفنون الجميلة التي تخرج منها منذ عامين، علَّها تفتح له أبواباً جديدة من البحث والتجريب، بغية الوصول إلى ما يُفاجئ المتلقين في معارضه المقبلة.

14