الدعوة إلى العصيان المدني تخدم النهضة وتحرق المنصف المرزوقي وحده إذا فشلت

محللون يرجحون تجاهل الشارع لدعوة الرئيس التونسي الأسبق.
الأربعاء 2022/01/12
ينتقم من قبس سعيد أم من نفسه؟

الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي يصعّد ضد إجراءات قيس سعيد بالدعوة إلى عصيان مدني يرى مراقبون أنه لا يخدم سوى حركة النهضة في حين سيحرق المرزوقي وحده إذا فشلت هذه الدعوة، وهو السيناريو الأقرب إلى الحدوث.

تونس - تنظر أوساط سياسية تونسية إلى دعوة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي للعصيان المدني ضد إجراءات الرئيس قيس سعيد على أنها خدمة يقدمها لحليفته حركة النهضة التي لا يستبعدون أن تكون هي التي تقف خلف الأمر، ولفتت هذه الأوساط إلى أن فشل الدعوة الذي يبدو أقرب إلى الحدوث سيحرقه وحده.

وتعتقد الأوساط ذاتها أن النهضة تحاول استغلال عودة المرزوقي إلى المشهد السياسي مستفيدا من انتقاد إجراءات قيس سعيد التي منحته فرصة معاودة الظهور بعد أن انسحب إثر فشله في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2019.

وتريد النهضة التي تدرك جيدا تراجع شعبيتها خاصة في السنوات الأخيرة استغلال عودة الزخم حول المرزوقي الذي يقلل مراقبون من نجاح دعوته لكن النهضة ستكون مستفيدة سواء استجاب الشارع أم لم يستجب، حيث تزيد الدعوة من الضغوط على الرئيس.

وقال المرزوقي (76 عاما) عبر بيان في الثامن من يناير "أدعو إلى مشاركة أكبر عدد ممكن من التّونسيين والتّونسيات في المظاهرات المقررة بالعاصمة تونس وفي كل أنحاء تونس يوم الرابع عشر من يناير الجاري ضد قرارات قيس سعيّد، بمناسبة ذكرى انتصار الشّعب على الدّكتاتورية (ذكرى ثورة 2011)".

وتابع "لتكن هذه الاحتجاجات الشّعبية انطلاق عصيانٍ مدني يستعمل كل وسائل المقاومة المدنية السّلمية لإجبار المُنقلب (يقصد قيس سعيد) على الاستقالة وفرض الشّرعية والنّظام الدّيمقراطي وعلوية الدّستور وعودة السّيادة الحقيقية للشعب عبر تنظيم انتخابات حرة ونزيهة رئاسية وتشريعية تعيد لتونس الاستقرار والاستثمار والازدهار".

حافظ سواري: المرزوقي خسر خزانه الحقوقي، لأنه جزء من منظومة حكم فاشلة

وترفض بعض القوى السياسية والمدنية في تونس إجراءات الرئيس سعيد الاستثنائية، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.

واعتبرت صابرين الجلاصي، أستاذة علم اجتماع، أنه "من الأكيد والوارد أن تكون تلبية دعوة الرّئيس الأسبق المنصف المرزوقي إلى احتجاجات وعصيانٍ مدني، تزامنا مع الرابع عشر من يناير، محدودة ومقتصرة على أحزاب كانت في السّلطة وسُحب من تحت أقدامها البساط وتعتبر تدابير قيس سعيد انقلابية".

وقال قيس سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية تستمر 5 سنوات، إن تلك الإجراءات هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، مشدّدا على عدم المساس بالحقوق والحريات.

وتابعت الجلاصي "لا يرتقى الشّك إلى المكانة العلمية والحقوقية للرئيس الأسبق المرزوقي، لكن سياسيا وشعبيا فإن الاستجابة لدعوته إلى عصيان مدني لن تكون كبيرة، لأنه يُحسب على المنظومة السّياسية التي قادت تونس طيلة السّنوات العشر الماضية".

ورأت أن هذه "الدّعوة تُمكن قراءتها في سياق انتقامي من المرزوقي ضد قيس سعيد، بعد دعوة الأخير إلى تجريم دعوات الأول إلى عدم عقد القمة الفرنكوفونية في تونس".

وأصدرت محكمة تونسية في ديسمبر الماضي حكما أوليا بسجن المرزوقي 4 سنوات، بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة الخارجي"، وهو ما ينفيه المرزوقي، ويرى أن محاكمته "سياسية" لرفضه ما يقول إنه "انقلاب" نفذه الرئيس سعيد.

وبدوره قال مراد علالة المحلل السياسي إن "التّاريخ غالبا لن يعيد نفسه، ونفس الدّعوة أطلقها المرزوقي قبل 2011 عندما كان في صراع مع نظام بن علي".

وأردف "على أرض الواقع أعتقد أن المعطيات تغيرت، المزاج الشّعبي وسرعة الاستجابة لدعوات السّياسيين تغيرا كثيرا عن الفترة التي ترأس فيها البلاد، عندما قاد المعارضة وواجه الرئيس الأسبق الباجي قايد السبسي".

واستطرد "حالة الإحباط والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تلقي بظلالها جعلت التّحركات الاحتجاجية، حتى لتغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي، منحصرة شعبيا، فما بالك بدعوة من سياسيين عليهم مآخذ كثيرة من التّونسيين".

واستدرك "لا يوجد إجماع حول طريقة مواجهة ما حدث في الخامس والعشرين من يوليو، كانت البداية بحشد في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، قبل أن يحصل ما يشبه التّطبيع مع واقع الحال، ليس قبولا بالخيارات الجديدة بل جراء إنهاك وإحباط وعدم ثقة في سياسيين استُهلكوا وأعلنوا في أوقات ما تقاعدهم السّياسي".

أما حافظ سواري، عضو المكتب السّياسي لحركة الشّعب (ناصرية)، فقال "في ظل وضع سياسي واجتماعي دقيقين في تونس فإن المرزوقي -وبدعوته إلى عصيان مدني- يجب أن يتوفر أولا على الشّعبية بعد أن أظهرت انتخابات 2019 أنه خسر خزانه الحقوقي، بعدما كان لسنوات جزءا من منظومة حكم فاشلة".

الشارع التونسي لم يعد يعبأ لا بدعوات المرزوقي أو من والاهم
الشارع التونسي لم يعد يعبأ لا بدعوات المرزوقي ولا بدعوات مناصريه

وفي انتخابات 2019 الرئاسية خسر المرزوقي من الجولة الأولى، بينما فاز قيس سعيد في جولة الإعادة.

وتابع سواري "عندما كان المرزوقي رئيسا لتونس كانت دبلوماسية البلاد في الحضيض، واليوم التّونسيون لن يلبوا نداءه".

وأردف "شعبنا ينتفض فقط لتغيير أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، والأمر لن يتكرر إلا بإحساسه بأنه فقد الأمل في المستقبل.. ومسار الخامس والعشرين من يوليو هو بادرة أمل للشعب الذي لن يكون مساندا لمن خاب أمله فيه مرارا".

ومتفقا مع سواري قال أسامة عويدات، عضو المكتب السّياسي لحركة الشّعب، إن "المرزوقي رمز من رموز المنظومة السابقة للحكم بتونس طيلة عقد من الزمن عانت فيه البلاد دمارا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهذه الدّعوة هي مقاومة حتى لا تجد كامل المنظومة نفسها خارج الحكم".

واعتبر عويدات أن "تدابير الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو هي تصحيح لمسارٍ ثورة مغدورة، تم الانحراف بأهدافها الاقتصادية والاجتماعية بسبب ديمقراطية شكلانية، ما يعني أن هذه الدّعوة (إلى العصيان المدني) تدخل في إطار صراع منظومتي ما قبل الخامس والعشرين من يوليو وما بعده".

وأردف "يتمسك الشعب بمسار الخامس والعشرين من يوليو والثورة ضدّ المنظومة السّياسية، وعلى رأسها حركة النهضة، ثورة تنادي بمضمون اجتماعي وبناء سياسي يهدف إلى الانتصار للشعب لا للسياسيين".

واستطرد "الشعب التونسي هلل حتى قبل تاريخ الخامس والعشرين من يوليو لشعارات مضمونها اقتصادي واجتماعي وصحي نتيجة مراكمة أزمات متكررة في هذه المجالات، وانتظارات التّونسيين قائمة (..) وننتظر إجراءات اجتماعية واضحة من الرئيس الحالي لتحقيق أهداف هذه الثورة المتواصلة".

4