الدعم الشعبي أهم من المنافسة في الانتخابات المصرية

المصريون ينتظرون تطمينات في قضايا التوطين وسد النهضة والدولار.
الاثنين 2023/12/11
غياب تام للمنافسة الانتخابية

القاهرة- انطلقت انتخابات الرئاسة المصرية الأحد في الداخل، وسط أجواء هيمنت عليها رغبة رسمية في حشد أكبر عدد من الناخبين لإظهار الدعم الشعبي للدولة والرئيس المنتخب مع غياب تام للمنافسة الانتخابية التي بدت محسومة للرئيس عبدالفتاح السيسي، في ظل تحديات صعبة تفرض عليه اتخاذ قرارات حازمة.

وينتظر المصريون من الرئيس الجديد إجراءات أكثر فاعلية للتعامل مع أزمة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، والتعامل بحنكة مع خطر تهجير الفلسطينيين إلى سيناء واحتمال تعرض الأمن القومي لتهديدات، والوصول إلى حل للمحافظة على الأمن المائي وتجاوز تعقيدات سد النهضة.

جمال أسعد: الحفاظ على الدولة أولى من دعم أو معارضة نظام بعينه
جمال أسعد: الحفاظ على الدولة أولى من دعم أو معارضة نظام بعينه

وشهدت بعض اللجان الانتخابية حضورا كثيفا في المناطق الشعبية والقرى والنجوع التي تحظى بحضور فاعل لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ وحزب مستقبل وطن (الظهير السياسي للحكومة) ممن قاموا بحشد الناخبين وتوصيلهم إلى لجان الاقتراع.

وجاءت عملية الحشد التي طغت على وسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي بنتائج على مستوى قناعات المواطنين الذين اقتنعوا بخطورة التحديات والحاجة إلى التواجد أمام الصناديق للتأكيد على أنهم مؤثرون في المشهد العام.

ويحق لأكثر من 67 مليون ناخب مصري فوق سن الثامنة عشرة التصويت من إجمالي عدد السكان البالغ 104 ملايين نسمة، وتستمر الانتخابات مدةَ ثلاثة أيام، فيما تنتهي عملية الفرز الأربعاء، وتتلقى الهيئة العامة للانتخابات الطعون عليها قبل أن تعلن عن النتيجة النهائية في موعد أقصاه 18 ديسمبر الجاري.

وتبرهن عملية الحشد على أن هناك رغبة شعبية في أن يظل الرئيس السيسي فترةً رئاسية ثالثة، على الرغم من الانتقادات التي شهدتها العملية الانتخابية مع عدم قدرة المرشح المعارض أحمد الطنطاوي على جمع توكيلات خاصة بترشحه، وأن حالة الاستقطاب التي بدت سائدة قبل انطلاق الانتخابات تغيرت إثر الاقتناع بأن ما تتعرض له الدولة من أزمات بحاجة إلى تكاتف داخلي يساعد على تجاوزها.

وتوظف الحكومة المصرية الصورة العامة التي تُظهر مشاركة أعداد كبيرة من المواطنين على أبواب اللجان الانتخابية للتأكيد على أنها تحظى بثقتهم، وإنْ كان هناك رفض وتململ شعبيّان جراء فشلها في التعامل مع مجموعة من الأزمات، وأن أبعاد الحفاظ على تماسك الدولة في مقدمة اهتمامات المصريين الذين يشاهدون بأعينهم ما تعانيه دول مجاورة من مشكلات تسببت في تحللها وتشريد مواطنيها.

محمد أنور السادات: توقعات بأن يحصل الرئيس السيسي على نسبة تتراوح بين 80 و90 في المئة
محمد أنور السادات: توقعات بأن يحصل الرئيس السيسي على نسبة تتراوح بين 80 و90 في المئة

وما يمكن وصفه بـ”معركة الحشد” لا يعني أن ذلك صك على بياض للرئيس الجديد لأن المواطنين الذين تحملوا صعوبات السنوات الماضية جراء الأزمات الاقتصادية ينتظرون جني الثمار خلال الفترة المقبلة.

وقال أستاذ العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة إن “الانتخابات تجري وسط ظرف استثنائي يختلف عن الاقتراعات السابقة، ما يدعم فكرة استشعار الخطر عند المواطنين مع وجود تهديدات حقيقية تحيط بهم. وتراجع حدة الانقسام يخدم النظام الحاكم”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “نزول أعداد كبيرة من الناخبين يجعل الرئيس الفائز في الانتخابات أكثر استعدادا لاتخاذ قرارات قوية تستهدف حماية الأمن القومي، مع إدراك أن المواطنين لم يعد على رأس أولوياتهم تحسين الخدمات العامة بقدر رغبتهم في الحفاظ على استقرار الدولة، وأن الحضور الفاعل يحمّل الرئيس مسؤولية أكبر لأن قراراته المستقبلية ستكون محل متابعة من جانب الناخبين”.

واضطرت الهيئة الوطنية للانتخابات إلى الدفع بقضاة وأعضاء هيئات قضائية من الاحتياطي نحو عدد من اللجان الفرعية التي شهدت إقبالًا كثيفًا وغير مسبوق من قِبَل الناخبين، لتسريع وتيرة عملية التصويت والتخفيف من زحام الناخبين أمام هذه اللجان.

وتشهد الانتخابات الرئاسية المصرية تنافس أربعة مرشحين، هم الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض)، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري.

وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن الانتخابات إجراء محسوم للتجديد للرئيس السيسي، واتخذت منحى آخر لتزامنها مع تحديات صعبة للغاية، ما جعل المواطنين يقتنعون بفكرة أن الحفاظ على الدولة أولى من مسألة دعم أو معارضة نظام بعينه، مشيرا إلى أن الدولة أعدّت للانتخابات ما أعدّته لغيرها، لكن القلق ظهر على بعض وجوه الناخبين.

حسن سلامة: نزول أعداد كبيرة من الناخبين يجعل الرئيس الفائز أكثر استعدادا لاتخاذ قرارات قوية
حسن سلامة: نزول أعداد كبيرة من الناخبين يجعل الرئيس الفائز أكثر استعدادا لاتخاذ قرارات قوية

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الواقع يشير إلى أن مؤسسات الدولة تواجه أزمة جراء التحديات التي قد تضعفها أو تقوّض قدرتها على اجتراح حلول تؤدي إلى إزعاج المواطنين، كما أنها تدرك أن المصريين اختاروا مرشح الضرورة للفترة المقبلة من أجل التعامل مع المخاطر المحدقة بالبلاد، ما يجعل هناك فاتورة على الرئيس القادم أن يدفعها للناخبين وسط مهام جسام موكلة إليه”.

وأشار إلى أن “الرئيس الفائز (السيسي) يعي أنه أمام مرحلة ليست تقليدية، وإذا كان الشعب منحه الثقة عن اقتناع فإن المخاطر التي تهدد الوطن ستجعله ملزما بتحقيق آمال المواطنين في ظل الصعوبات التي تتعرض لها البلاد، مستندا إلى ظهير شعبي قوي، غير أن ذلك سيكون بحاجة إلى خلق حياة حزبية حقيقية يشارك فيها المواطنون بفاعلية”.

وأسهمت أحداث غزة في الالتفات إلى مخاطر وجودية على الحدود لم تكن ظاهرة على السطح، وفسحت المجال أمام الانتباه لما يحدث بالقرب من الحدود الجنوبية والغربية، وترتبت على ذلك عودة هاجس التحديات التي ستواجهها البلاد بعد القضاء على الإرهاب، وبروز فكرة أن المخاوف من المخاطر هي سبيل نحو اتخاذ إجراءات استثنائية بهدف حماية الأمن القومي، وأن الواقع يشير إلى أن المخاطر على الحدود تستوجب أن يكون للمواطنين دور داعم لرأس الدولة.

وأوضح رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) محمد أنور السادات أن التركيز يبقى منصبا على معدلات المشاركة التي من المنتظر أن تكون مرتفعة، بجانب نسبة ما سيحصل عليه المرشح الفائز، وسط توقعات بأن يحصل الرئيس السيسي على نسبة تتراوح بين 80 و90 في المئة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن مؤسسات الدولة ترغب في أن تعبّر الصورة العامة التي يظهر فيها المشهد الانتخابي عن حضور جماهيري وإن انخفضت قوة المنافسة، وأن ذلك يمنحها شرعية تحتاجها للتعامل مع الأزمات المحيطة بالبلاد.

وتُجرى الانتخابات في وقت لا تبالي فيه أحزاب المعارضة بتطوراتها بعد أن ألمحت إلى مقاطعتها وأرجعت ذلك إلى غياب ضمانات النزاهة، وقالت تسعة أحزاب، من بين الأحزاب الاثنى عشر التي تشكل هيكل الحركة المدنية الديمقراطية، إن “مشهد الانتخابات قد تحددت ملامحه ونتائجه سلفا”.

1