الدعم الأوروبي لا يكفي: الاتفاق مع صندوق النقد يحتاج إرادة تونسية

تونس - تحشد دول أوروبية في مقدمتها إيطاليا الجهود لدعم تونس في التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، لكن مراقبين يرون أن على السلطة السياسية في تونس، التحرك والتعاطي بإيجابية مع هذه الجهود، عبر طرح خطط ومقترحات واضحة للصندوق.
وقالت الحكومة الإيطالية الاثنين إنها تدفع من أجل التوصل إلى “حل جيد” بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن اتفاق قرض متعثر بنحو ملياري دولار أميركي. وأوضح نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، أن اتفاق القرض سيكون مهما لإنقاذ اقتصاد تونس العليل.
وجاءت تصريحات تاياني خلال اجتماع للمجلس الأوروبي يناقش توجيه مساعدات مالية لتونس بهدف منع الانهيار الاقتصادي، وما قد يسفر عنه من زيادات أكبر في تدفقات المهاجرين التي بلغت أعدادا قياسية عبر السواحل التونسية هذا العام.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية بسبب سياسات الحكومات السابقة، وقد تفاقمت هذه الأزمة خلال الأعوام الأخيرة بفعل جائحة كورونا والحرب الأوكرانية.
مخاوف إيطالية من أن يؤدي أي انهيار اقتصادي في تونس إلى تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية التي بلغت أرقاما قياسية منذ بداية العام الجاري
وتوصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي يقضي بمنحها 1.9 مليار دولار في مقابل تعهد الحكومة بتنفيذ حزمة من الإصلاحات تشمل خفض الدعم الحكومي على المواد الأساسية، وإصلاح المؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات مالية، والتحكم في كتلة الأجور التي تضخمت بشكل كبير خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وكان من المفترض أن يجري حسم الاتفاق خلال اجتماع المجلس التنفيذي لصندوق النقد في ديسمبر الماضي، لكن الاجتماع أرجئ إلى أجل غير مسمى على خلفية رفض الاتحاد العام التونسي للشغل الاتفاق، فضلا عن تحفظات لدى السلطة السياسية في ما يخص شرط رفع الدعم الحكومي، والذي عبر عنه بشكل واضح الرئيس قيس سعيد الشهر الجاري، معتبرا أن هذه الخطوة تشكل تهديدا للسلم الاجتماعي.
وأعلن صندوق النقد الدولي مؤخرا أنه لم يغلق الباب أمام المفاوضات مع تونس، مشيرا إلى أن الحكومة التونسية لم تقدم له أي طلب حيال رغبتها في مراجعة الاتفاق المبدئي.
ويرى مراقبون أن هناك دولا مثل إيطاليا وفرنسا تبدي حرصا شديدا على الدفع باتجاه حل وسط بين تونس وصندوق النقد، لكن الأمر في النهاية مرتبط بإرادة السلطة السياسية التونسية، التي يبدو تعاطيها حتى الآن سلبيا.
ويقول المراقبون إن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الحكومة التونسية ومن خلفها الرئيس سعيد حريصين بالفعل على المضي قدما في التوصل إلى اتفاق مع المؤسسة المالية الدولية، وفي الآن ذاته فإن البلاد لا تملك عمليا ترف الخيار في غياب وجود بدائل حقيقية.
ويلفت المراقبون إلى الفشل الذريع للجنة الصلح الجزائي، وهي لجنة تتعلق بإبرام تسويات مع رجال أعمال ارتكبوا تجاوزات من بينها التهرب الضريبي، ويشير المراقبون إلى أنه لا يمكن أيضا الرهان على إعادة الأموال المنهوبة من الخارج، في ظل تعقيدات كبيرة تعترض طريق هذا المسار.
ويوضح المراقبون أن الوقت لا يخدم تونس، وأن على السلطة السياسية التعاطي مع إكراهات الواقع، وأن التردد الذي يطبع خطواتها لن يزيد الوضع إلا تفاقما.
ويقولون إن الخيار الأمثل هو العمل على التوصل إلى اتفاق مرض نسبيا مع الصندوق، خصوصا وأن الدول الأوروبية تبدي في هذا السياق دعما لافتا لتونس من أجل إنجاح المفاوضات.
وأعاد رئيس الدبلوماسية الإيطالية الاثنين الإشارة إلى مقترحه الذي أعلنه في وقت سابق والقاضي بدفع الشريحة الأولى من القرض (300 مليون دولار)، وربط الباقي بناء على تقدم السلطات التونسية في مسار الإصلاحات.
وقال تاياني خلال اجتماع لكسمبورغ “نحن نصر على موقفنا: يجب البدء في صرف التمويل والدفع من أجل إجراء إصلاحات سليمة وانتظار الإصلاحات، ومن ثمّ الاستمرار في التمويل”.
ودعا تاياني صندوق النقد إلى إبداء مرونة أكبر لمساعدة تونس. وأضاف “على كل حال، إيطاليا قررت بالفعل استثمار حوالي 100 مليون: 50 مليونا ستكون للشركات صغيرة ومتوسطة الحجم، و50 مليونا أخرى لدعم الموازنة وأيضا لشراء منتجات إيطالية”.
ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الحكومة التونسية ومن خلفها الرئيس سعيد حريصين بالفعل على المضي قدما في التوصل إلى اتفاق مع المؤسسة المالية الدولية
وشدد تاياني على أن الاتحاد الأوروبي بوسعه الاستثمار بشكل أكبر في تونس، التي تعد “دولة رئيسية لاستقرار منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا”، ولكن الوضع هناك “معقد للأسف”.
وتتخوف إيطاليا من أن يؤدي أي انهيار اقتصادي في تونس إلى تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية التي بلغت أرقاما قياسية منذ بداية العام الجاري.
وقال مسؤول قضائي تونسي الاثنين إن خفر السواحل انتشل منذ نهاية الأسبوع ما لا يقل عن 70 جثة لمهاجرين أفارقة غرقوا أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى إيطاليا.
وفي وقت سابق قال خفر السواحل إنه انتشل 31 جثة، لكن القاضي في محاكم صفاقس فوزي المصمودي كشف أن عدد الجثث التي انتُشلت منذ نهاية الأسبوع بلغ 70 جثة على الأقل.وأضاف أن قاربين غرقا الاثنين قبالة سواحل صفاقس وأنقذت قوات خفر السواحل 47 شخصا.
وأوضح المصمودي أن “المشارح بمستشفيات صفاقس تعاني ضغطا كبيرا بسبب الجثث المرتفعة للمهاجرين، وهو أمر يهدد بمشاكل صحية”.
وازدادت حوادث الغرق قبالة سواحل تونس بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، مخلفة العشرات بين قتيل ومفقود.
وأصبحت السواحل التونسية وخاصة صفاقس نقطة انطلاق رئيسية للأشخاص الفارين من الفقر والصراع في أفريقيا والشرق الأوسط على أمل حياة أفضل في أوروبا.
وقال الحرس الوطني التونسي هذا الشهر إن أكثر من 14 ألف مهاجر، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء، تم اعتراضهم أو إنقاذهم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا.