الدروز يقودون عصيانا في سوريا احتجاجا على غلاء الأسعار

بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وإحياء العلاقات الدبلوماسية معها، ساد تفاؤل حول انفراجة اقتصادية محتملة تنقذ الاقتصاد السوري من الانهيار، لكن لم تكن هناك تأثيرات على الجبهة الاقتصادية واستمرت الليرة في الانهيار.
دمشق - دخلت الأقلية الدرزية في سوريا بقوة على ساحة الحراك الاجتماعي الذي تشهده البلاد بدعوة كل السوريين إلى العصيان المدني بسبب غلاء الأسعار، ما يطرح تساؤلات بشأن مغادرتها الحياد خاصة وأن الأقلية اعتزلت الثورة السورية ولم تنضم إلى النظام كما لم تقف في وجه خصومه.
ودعت الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز الممثلة بالشيخ حكمت الهجري أبناء سوريا إلى التحرك لتحقيق التغيير والعدالة، مؤكداً أن من حق المحتجين المطالبة بالعيش الكريم.
ووجه الهجري رسالة إلى مسؤولي حكومة دمشق حملت عنوان “نحن نريد العزة والكرامة” أكد خلالها أن السوريين لن يرضوا بالعيش ضمن الحد الأدنى، مشيراً إلى أن الناس من حقهم أن يتوقفوا عن عمل أصبح يجلب لهم الإذلال، في إشارة إلى دعمه لدعوات الإضراب في السويداء.
وخاطب الهجري نظام الرئيس بشار الأسد وحكومته، قائلاً “قلنا ونعيد للمسؤولين والممثلين والجهات المعنية.. إن من كان عاجزاً عن القيام بواجبه تجاه أهله ووطنه واقتصاده، فليترك المكان، ولا يتخبط ولا يخرب الموقع الذي يحتله”.
وحول التقصير وعجز النظام وحكومته عن خدمة الشعب، قال الهجري “على مستوى الأمن والأمان، أصبحنا نحن المكلفين بأن نحمي أنفسنا.. والجهات الأمنية غائبة ومغيبة عند ضرورة وجودها! إلا لقمع الكلمة، ولتوجيه أزلامها العابثين وفق أوامرها ضد أهلهم”.
وتأتي الدعوة إلى العصيان وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية في السويداء ومناطق متفرقة من سوريا، احتجاجاً على تردي الوضع المعيشي وفي مناطق سيطرة النظام.
وأغلقت معظم الدوائر الحكومية والمحال التجارية في محافظة السويداء أبوابها بعد دعوات إلى إضراب عام الأحد، احتجاجاً على قرارات حكومية حول زيادة الأسعار وانتهاج سياسة التجويع.
وبحسب شبكة “السويداء 24”، قطع محتجون جميع المداخل الرئيسية إلى المدينة بالإطارات المشتعلة، بالتزامن مع قطع الطرقات المؤدية إلى مركز المحافظة في العديد من البلدات والقرى المحيطة، في حين رفع الأهالي في قرية رامي شعارات تندد بسياسات التجويع وتدعو إلى الإضراب العام.
ويؤكد المحتجون أن المظاهرات ستستمر إلى حين تحقيق كل المطالب بتراجع الحكومة عن قراراتها القمعية بزيادة أسعار المواد الأساسية.
وينتمي العديد من السكان إلى الأقلية الدرزية التي تقاوم منذ فترة طويلة الانزلاق إلى الصراع الذي وضع المعارضة وأغلبها من السنة في مواجهة حكم الأسد.
ووصف ريان معروف الناشط المدني والمحرر في موقع “السويداء 24” الإخباري المحلي الاحتجاجات بأنها شبيهة بالانتفاضة. وقال إن الناس يعبرون عن غضبهم الشديد من قرارات النظام السوري وزيادة أسعار الوقود. وأضاف أنهم يطالبون بحياة كريمة.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا العام 2011 حيّدت الأقلية الدرزية نفسها، فلم تحمل السلاح ضد القوات الحكومية ولا انخرطت في المعارك إلى جانبها.
وتخلف الآلاف من الدروز عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، بعضهم بسبب معارضتهم للنظام، والغالبية بسبب رفض القتال في مناطق خارج المناطق الدرزية.
والتحق عدد كبير منهم بلجان شعبية جرى تشكيلها للدفاع عن مناطقهم خصوصاً في السويداء.
وتشهد محافظتا درعا والسويداء منذ سنوات حالة من الفوضى والفلتان الأمني على خلفية انتشار عصابات الخطف والسلب بشكل كبير في المحافظتين، في ظل غياب الدور الأمني للنظام للحد من هذه الانتهاكات، في حين تواصل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام حملات الاعتقال في محافظة درعا، على الرغم من التعهدات والضمانات التي قدمها الجانب الروسي لأهالي المحافظة في عمليات التسوية مع النظام التي انطلقت عام 2018.
وفاقمت أزمة شح المحروقات التي عصفت بمناطق سيطرة النظام مؤخرا من معاناة أهالي المحافظتين معيشيا وخدميا. فإلى جانب ندرة المحروقات وانقطاعها لأيام حتى في السوق السوداء، يعاني الأهالي من ساعات القطع الكهربائي التي تصل إلى 22 ساعة يوميا.
وتواجه شريحة واسعة من سكان المحافظتين أسوأ واقع معيشي على الإطلاق منذ اندلاع الصراع في البلاد، حيث الغلاء الفاحش في أسعار معظم السلع الأساسية والبطالة المستشرية بين الشباب.
الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز تدعو أبناء سوريا إلى التحرك لتحقيق التغيير والعدالة، مؤكدة أن من حق المحتجين المطالبة بالعيش الكريم
وكان الرئيس السوري أصدر الثلاثاء الماضي مرسوما بزيادة الأجور بنسبة 100 في المئة، وأعلنت الحكومة السورية قرارات بزيادة أسعار المحروقات بنسبة 150 إلى 200 في المئة ما يهدد بتوقف الحركة الزراعية والتجارية في ظل قطع التيار الكهربائي وعدم تأمين المشتقات النفطية من بنزين وديزل بالسعر الذي أعلنت عنه الحكومة، في حين تتوفر المحروقات في السوق السوداء بأسعار تبلغ أكثر من الضعف إلى ثلاثة أمثال السعر الرسمي.
وتمر سوريا بأزمة اقتصادية متفاقمة هوت بالعملة إلى مستوى قياسي بلغ 15500 ليرة مقابل الدولار يوم الأربعاء في تراجع سريع للغاية لقيمتها. وفي بداية الصراع، كان الدولار يتداول عند 47 ليرة.
ويهدف خفض الدعم الذي كان سخيا في السابق إلى تخفيف العبء عن المالية العامة للدولة المتضررة من العقوبات، وتقول الحكومة إن تلك الخطوة ستؤثر فقط على الأغنياء.
لكن العديد من المحتجين يقولون إن هذه الخطوة زادت من محنة المواطنين العاديين الذين يعانون من تداعيات حرب مستمرة منذ أكثر من عقد ويجدون الآن صعوبة في توفير الغذاء والمواد الأساسية وسط التضخم المتفشي وتآكل الدخل.
وتُنحي السلطات السورية باللائمة على العقوبات الغربية في المصاعب التي تواجهها البلاد.
وشهدت المناطق الساحلية، التي تعد معقلا لأنصار الأسد، عدة احتجاجات صغيرة الشهر الماضي على المداخيل المنخفضة.
وفي العاصمة دمشق، توقف سائقو سيارات الأجرة وحافلات النقل العام عن العمل جزئيا لليوم الثاني يوم الخميس مما أحدث فوضى في وسائل النقل. كما أن هناك دعوات سرية يطلقها نشطاء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لإعلان إضراب عام.