الدراما المصرية ومطالب بالموازنة بين إنتاج الفن والتجارة

علاج الدراما في الفترة القادمة يحتاج إلى التنوع في مصادر الإنتاج والجهات القادرة على ذلك.
الجمعة 2025/03/28
مسلسلات روجت للعنف وأضرت بالمجتمع

القاهرة - الدراما وسيلة من وسائل التعبير الفني المهمة وهي واحدة من مكونات القوى الناعمة التي تستثمر فيها الدول لنقل صورة إيجابية عنها، لكنها أيضا توظفها لتشكيل الرأي العام والنهوض بالمجتمعات، فالأعمال الدرامية قادرة على رفع ذائقة المجتمع الفنية أو الإنقاص منها. وإدراكا لأهمية الدراما في المجتمع، تحرك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ أيام مطالبا بضرورة صياغة أعمال  درامية تحافظ على الذوق العام للمصريين، مؤكدا دور الفن في تشكيل الشخصية المصرية، ومطالبا في الوقت نفسه بمراجعة ما يقدم للجمهور .

وقرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة المهندس خالد عبدالعزيز، إعادة تشكيل لجنة الدراما، برئاسة الكاتبة والناقدة الفنية ماجدة موريس. وتختص اللجنة بمتابعة ودراسة ورصد الأعمال الدرامية وفحص المخالفات التي يجري رصدها.

وجاء هذا التحرك بعد أن طالت الدراما المصرية انتقادات عديدة من نقاد وكتاب وجمهور، واتهامات لبعض صناعها بتعمد إنتاج أعمال لا ترتقي بالمجتمع إنما تبث فيه سلوكيات انحرافية وتعرض صورا سلبية عن المواطن المصري.

وإثر هذا التحرك، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن عدد من النقاد والمفكرين تصريحات أجمعوا خلالها على أن الساحة الفنية في مصر تمتلك كل المقومات لتقديم دراما ناجحة تجمع ما بين ترسيخ القيم ونقل مشاهد صادقة عن الواقع، ورأوا أن الدراما المصرية حملت العديد من تلك التجارب الناجحة على مدى عقود، مشددين على ضرورة عدم الانزلاق نحو تقديم نماذج نادرة في الواقع، وتصويرها على أنها تمثل المجتمع المصري كما حدث في بعض الأعمال الدرامية هذا العام والتي انزلقت في مشاهد القتل والبلطجة واستخدام جمل وعبارات خادشة.

محمد الغيطي: علاج الدراما يحتاج تنوعا في مصادر وجهات الإنتاج
محمد الغيطي: علاج الدراما يحتاج تنوعا في مصادر وجهات الإنتاج

وقال الناقد الفني إلهامي سمير إن الدراما تحتاج لمجموعة من التفاصيل منها أولا عدم فرض أي شيء على صاحب العمل وأن يقدم رؤيته والطرح الخاص به وبعد ذلك يجري تقييم التجربة ونقول ما لها وما عليها، مشيرا إلى أنه ضد وضع قيود أو خطوط معينة لصناع الفن.

وتابع: “المشكلة لدينا هو أننا أثناء تقديم أي تجربة تكون المعالجة إما في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، وعلى سبيل المثال عندما نقدم عملا شعبيا، يقوم صناع العمل بتقليد عمل شعبي تم تقديمه من قبل واستنساخه بالكامل.”

وأضاف إلهامي: “..يجب أن ندرك أن الفن هو محاكاة للواقع وليس نقل للواقع، هنا دورنا كمخرجين ومؤلفين أن نقدم تجربة تحاكي الواقع فقط، لماذا لا نقدم الأعمال بالصورة المعتدلة وبعيدا عن الفجاجة.”

ولفت الناقد الفني إلى أن “صناع الأعمال الذين يقولون إنهم ينقلون الواقع يتعرضون لخسارة قطاع كبير من الجمهور لأنه ينبغي أن يراعوا الفئة العمرية والمجتمعية التي ستشاهدهم، وقديما كنا نقدم أعمالا شعبية لم يخجل منها المجتمع، وهل هذا يعني أن المجتمع قديما كان مجتمعا ملائكيا؟”

ويرى سمير أن “بعض صناع الأعمال الفنية يقصدون فكرة التريند وأن يتناول الجمهور أعمالهم على وسائل التواصل الاجتماعي لكي يصبحوا مادة للسخرية ويعتقدون أن هذا نجاح.. من ناحية أخرى هناك من يقدم أعمالا تظهر المجتمع بأنه ملائكي، وهو في النهاية أيضا طرح خاطئ لا معنى له، المهم هو كيفية تقديم التجربة وأن نسلط الضوء للمسئولين على المشاكل التي يعاني منها المجتمع بطريقة احترافية.”

ويقول السيناريست محمد الغيطي إنه “منذ بداية التلفزيون في بداية الستينات وجمهور الوطن العربي نشأ وتربى على الدراما المصرية وظل هذا الحال ساريا حتى ما قبل ثورة يناير وما يسمى بالربيع العربي.”

وأضاف أن “الحكومات المصرية كانت لديها وزارة للإعلام قبل ثورة يناير مهمتها تضع خططا وإستراتيجيات للإنتاج الدرامي طوال العام وأيضا طوال شهر رمضان، وتصورا عاما للإنتاج تلتزم فيه بمعايير الاحتياج والرسالة الوطنية والاجتماعية فكنت تجد تغطية لكل الأنواع الدرامية مثل التاريخي والديني والسير الذاتية والدراما الاستعراضية والفوازير والأطفال مع الدراما الاجتماعية والكوميدية.”

راندا رزق: الدراما قادرة على أن تصبح وسيلة ترويجية قوية لمصر
راندا رزق: الدراما قادرة على أن تصبح وسيلة ترويجية قوية لمصر

وأشار إلى أن “علاج الدراما في الفترة القادمة يحتاج إلى التنوع في مصادر الإنتاج والجهات القادرة على ذلك تتمثل في قطاع الإنتاج بماسبيرو وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي بخلاف شركات القطاع الخاص.”

وأوضح أنه “توجد بدائل لفوضى الدراما الخاصة بالعنف والبلطجة في الفن المصري، وهي بدائل أهملت بفعل التشدد، مثل الدراما الرومانسية والتاريخية والوثائقية التي تعتني بالحضارات والتاريخ الإنساني، وكذلك تقديم الحب وأبطال الرومانسية كقدوة للشباب، مما يعيد صورة المواطن المحب مرة أخرى للشارع.”

ورأت الدكتورة راندا رزق، أمين عام المجلس العربي للمسؤولية المجتمعية ورئيس قسم الإعلام التربوي بجامعة القاهرة، أن الرئيس المصري سبق أن أكد أن “الدراما هي أقرب ضيف يدخل كل بيت دون استئذان،” مما يعكس دورها الكبير في إعادة الوعي المجتمعي.

وأوضحت أن الدراما المصرية هذا العام شهدت ارتفاعًا في نسبة الأعمال العائلية التي ظهرت على الشاشة، حتى مع تناولها لقضايا المناطق العشوائية، فقد تمت معالجتها برقي وذكاء، مما أعاد إلى الأذهان “الدراما الناعمة” التي ميزت الستينيات، حيث تم تقديم صورة للمجتمع بمستوى حضاري ومتوازن، حتى في الطبقات المتوسطة والاقتصاديات المحدودة.

وأضافت أن الدراما المصرية نجحت بنسبة 70 في المئة هذا العام، حيث قل مستوى التدخين والترويج للمخدرات، كما تم التعامل بجرأة وذكاء مع القضايا المجتمعية الشائكة التي كانت تُعتبر من التابوهات، مؤكدة أن هذا الاتجاه يعكس وعيًا بأهمية مناقشة القضايا الحساسة دون إثارة وصمة اجتماعية.

وأعربت الدكتورة عن تفاؤلها بمستقبل الدراما المصرية، مؤكدة أن الدراما المصرية قادرة على أن تصبح وسيلة ترويجية قوية لمصر، ليس فقط بتصوير الطبيعة كما هي، بل من خلال تقديم رؤية فنية تعكس جمال الواقع بأسلوب إبداعي ومؤثر.

بدوره، طالب الشيخ كمال الأهواني، كبير أئمة القاهرة الكبرى، بإنتاج أعمال درامية تنقل صورا إيجابية تعزز الهوية وتنمي حب الوطن، وصورا لأبطال القوات المسلحة ورجال الشرطة والنماذج المشرفة المؤثرة في الوطن.

وأشار إلى أن “الأعمال الدرامية تدخل كل منزل وتلقى نسب مشاهدة عالية، وهدفها بالأساس بث دعوات إيجابية للناس تبعث على السرور والتفاؤل والمحبة والخير، وأرى أنها، وإن جاز التعبير، باب من أبواب الدعوة، خاصة إذا ركزت على ما أشرت إليه من قيم نبيلة تنشرها في المجتمع من خلال أعمال تسلط الضوء على قيم الحياء والصبر والتضحية وبر الوالدين وحب الأوطان.”

وقال “نريد أعمالا درامية تبحث وتغوص في جذورنا وثقافتنا الثرية تقدم لنا الثمين منها في المجالات الدينية والاجتماعية والاقتصادية ونشر بطولات جيشنا وأبنائه، لا دراما تحاول تغريبنا في مجتمعنا.”

ولفت إلى أن “الدراما والإعلام بصفة عامة يجب أن يكونا مساعدين للدولة في بناء الوعي وتعزيز الألفة والتلاحم والاتحاد بين أبناء الوطن.”

15