الدراما السورية في 2015: عاكسة للواقع وأخرى بعيدة عن ملامسته

مازالت التحديات تحيط بالدراما السورية، وهي لا تنحصر في الاصطفافات، بل تشمل أيضا تغيير أماكن التصوير والاعتماد بشكل كبير جدا على التصوير خارج سوريا، فضلا عن وقوف بعض شركات الإنتاج موقفا من الفنانين المختلفين سياسيا وإغلاق الأبواب في وجوههم، ما يدفع بعض الفنانين للقبول بأي مستوى من الأعمال من أجل العائد المادي.
غالبية الدراما السورية لم تكن في عام 2015 مرآة للواقع السوري، فبعضها القليل لامس الهموم الأساسية من عنف وحرب وهجرة ولجوء، فيما قدّم الكثير من المواضيع المختلفة البعيدة عن هذا الواقع كدراما البيئة الشامية ودراما المغامرات والكوميديا وقصص الحب وغيرها، في محاولة للتأكيد على أنها مازالت قادرة على العيش رغم الظروف الصعبة، وبطبيعة الحال جاء بعضها بمستوى جيد أنجز بعناية وحرفية، وبعضها دون المستوى بكثير.
سوري لبناني
أبرز ما مميز الدراما السورية هذا العام تداخل السوري مع اللبناني، وكثرة الأعمال المشتركة بين البلدين الجارين، وهو ما كان نادرا أن يحدث، على الرغم من قرب اللهجات والبيئة وطبيعة المشاكل الحياتية والمزاج العام في البلدين، وربما يعود هذا التحول لأسباب إنتاجية وأمنية أكثر من كونه إستراتيجية ثقافية تقاربية، ولم تُفلح الدراما اللبنانية في احتلال مكان نظيرتها السورية، فاستمر نجاح الأولى معتمدا بشكل كبير على وجود ممثلين سوريين فيها، وهم الأكثر شهرة وخبرة وقدرة على إقناع المشاهد العربي الذي يميل لوجودهم إن أراد متابعة الأعمال الدرامية اللبنانية.
مع ضيق رقعة التصوير، انتقل تصوير غالبية الأعمال الدرامية السورية إلى دول عربية أخرى وخاصة لبنان ودولة الإمارات ومصر، فيما صُوّر بعضها داخل سوريا، وهي أساسا تلك التي لا تحتاج إلى بيئة خارجية، خاصة خارج المدن أو في مواقع محددة خارجة عن مواطن الاستقرار.
أنتجت الدراما السورية هذا العام أكثر من أربعين مسلسلا تلفزيونيا، شملت كل أنواع الدراما (الكوميدية، الاجتماعية، التاريخية، الكوميدية وأعمال البيئة…) بعضها حاكى الواقع كمسلسل “غدا نلتقي” الذي عاين الأزمة عن قرب وتمحور حولها، وبعضها كرر نفس البيئة الشامية كـ”باب الحارة 7”، أو حاول إخراج المشاهد بعيدا عن واقعه من خلال الكوميديا كـ”بقعة ضوء” في أجزاء مكررة.
الحكومة السورية لا تزال تمتلك أذرعا إنتاجية أو مشرفة على الإنتاج، قادرة على التحكم في الموضوع والممثل
تجاوزت بعض المسلسلات الخطوط الاجتماعية والأخلاقية الحمراء وغاصت في عوالم غريبة نسبيا لا تُمثّل قيم المجتمع السوري ومبادئه، كعوالم المخدرات والدعارة والخيانات، وارتفاع منسوب جرأة بعض الممثلات، كمسلسلات “عتاب”، “عناية مشددة” و”صرخة الروح”، فيما أكّد أصحاب الأعمال على أن هذه المواضيع باتت جزءا من الواقع الذي أفرزته الأزمة التي تستغل حاجة اللاجئين.
استقت بعض الأعمال حبكتها السياسية والاجتماعية من الأجندة السياسية للنظام السوري وليس من الواقع السوري الحقيقي، كـ”صرخة روح”، “عناية مشددة” و”الأخوة”، فالحكومة السورية مازالت تمتلك أذرعا إنتاجية أو مشرفة على الإنتاج قادرة على التحكم في الموضوع والممثل.
حالة الاستسهال التي كانت صفة ملازمة لبعض أعمال الدراما السورية قبل الأزمة استمرت هذا العام، وكانت محركا لبعض الأعمال، كمسلسلات “دنيا 2”، “صايعين ضايعين”، “سيت كاز” و“بكرة أحلى” وغيرها.
ربما في محاولتها للابتعاد عن الواقع المأساوي، حاولت بعض الأعمال الدرامية تقديم مسلسلين مقتبسين عن التحفة العالمية “العرّاب” لماريو بوزو وفرانسيس كوبولا، الأول “العرّاب” للمخرج المثنى صبح، والثاني “نادي الشرق” للمخرج حاتم علي.
يعد مسلسل “العراب: نادي الشرق” للمخرج حاتم علي، من أبرز الأعمال الدرامية السورية المقدمة في 2015، وهو عودة للتعاون بين جمال سليمان وباسل خياط وآمال بوشوشة وباسم ياخور ومنى واصف، وصوّر خارجيا في لبنان لتشابه طبيعتها بطبيعة سوريا، وداخليا في دبي، وهو مأخوذ عن رواية “العراب” التي كتبها الروائي ماريو بوزو، والتي حوّلها المخرج فرانسيس كوبولا لفيلم سينمائي في ثلاثية عالمية شهيرة.
“عناية مشددة” للمخرج أحمد إبراهيم أحمد، هو أيضا تجربة مهمة، وهو دراما اجتماعية معاصرة، رصد يوميات السوري في كل يوم جديد بحسب الأحداث في ظل التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية الحادّة والدامية.
كوميديا ودراما
من أبرز الأعمال التي تناولت الأزمة السورية المعاصرة، بغض النظر عن وجهة نظر صانعها، كان مسلسل “شهر زمان” الذي يتناول تجار الأزمة التي رافقت الحرب، والتلاعب عبر الجمعيات الخيرية وآلام النزوح، وشارك فيه عباس النوري، ديمة قندلفت، سمر سامي وغيرهم.
“غدا نلتقي” للمخرج رامي حنا، أثار بدوره اهتمام النقاد والمشاهدين على حدّ سواء، وقد تمّ تصويره بلبنان، ويحكي عن مجموعة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مدرسة بإحدى المناطق اللبنانية هربا من جحيم الحرب بعد أن خسرت كل شيء تملكه، وأصبحت تتمسك بالقليل الذي تتوهم أنها ما زالت تملكه، وشارك فيه رشيد عساف، مكسيم خليل، عبدالمنعم عمايري وكاريس بشار.
التحديات لا تزال تحيط بالدراما السورية، وهي لا تنحصر في الاصطفافات، بل تشمل أيضا تغيير أماكن التصوير
وهو ما انسحب أيضا على “بانتظار الياسمين” للمخرج سمير حسين، وهو دراما اجتماعية إنسانية معاصرة، تناولت في حكايات عديدة حال المهجّرين السوريين في شتاء قارس يُقيمون بحديقة نزحوا إليها هربا من مناطق الحرب، وشارك فيه بالتمثيل غسّان مسعود، صباح الجزائري، أيمن رضا وسلاف فواخرجي وغيرهم.
أما أعمال البيئة الشامية والأعمال التاريخية فقد تعددت وتنوعت، وحاول صانعوها حشو إسقاطات معاصرة لتلك الأحداث التي جرت قبل عقود، من أبرزها مسلسل “باب الحارة 7” للمخرج بسام الملا الذي تابع فيه طريقة التراجع التي سار عليها المسلسل بدءا من جزئه الرابع، ولقي انتقادات كثيفة على القصة والحبكة والأداء وتوظيف الأحداث لصالح النظام السوري، ومن المشاركين فيه عباس النويري وصباح الجزائري، أيمن زيدان، مصطفى الخاني، ميلاد يوسف وغيرهم.
ولم يشذ مسلسل “بنت الشهبندر” للمخرج سيف الدين سبيعي أيضا عن سلفه “باب الحارة 7”، وتدور أحداثه في لبنان مطلع القرن العشرين مع بدء تفكك الإمبراطورية العثمانية وظهور الحركات والنشاطات الوطنية، وشارك فيه قصي خولي، سلافة معمار، قيس الشيخ نجيب وآخرون.
“حرائر” أيضا وهو عمل تاريخي معاصر على مستويين، توثيقي وافتراضي، ويسلط الضوء على نساء رائدات في المجتمع السوري في القرن العشرين، وذلك بمشاركة نادين سلامة، أيمن زيدان، رفيق سبيعي وصباح الجزائري وغيرهم. وفي مجال الكوميديا، نجد مسلسل “أهلين جارتي” للمخرج المعتصم بالله مارتيني وهو كوميديا خفيفة ومقالب ومكائد يومية تنفذها ريم عبدالعزيز وتولاي هارون.
و“بقعة ضوء 11” الذي يستمر في تكريس الكوميديا لنقد الظواهر الاجتماعية بشكل خفيف عبر لوحات قصيرة منفصلة، وقد شاركت فيه مجموعة كبيرة من الممثلين كأيمن رضا، عبدالمنعم عمايري، ميسون أبوأسعد، محمد حداقي وغيرهم.
لا شك أن الارتباك الاقتصادي وخروج غالبية رأس المال الإنتاجي من سوريا، والتوتر الأمني والحرب المُدمّرة، وعدم استقرار غالبية المناطق السورية المناسبة للتصوير، وتراجع شركات التوزيع والتسويق والإعلان، والاصطفافات السياسية، وبحث العديد من الممثلين عن أي فرصة عمل لضرورة الاستمرار، استمر بالتأثير على مجمل الدراما السورية هذا العام، وتسبب بتغيّر طبيعتها ونوعيتها ومستواها أحيانا.