الدراما التونسية تشكو من أزمة سيناريو ومعالجة درامية

أثارت المسلسلات التونسية لهذا الموسم الرمضاني، رغم قلتها، الكثير من الانتقادات التي دفعت عددا من النقاد والمختصين إلى تنظيم لقاء حواري لبحث أهم نقاط الضعف في الأعمال الدرامية وكيفية تجاوزها. وقد خلص المتدخلون إلى أن الدراما تشكو هذا العام من أزمة سيناريو ومعالجة درامية أفقدتها جزءا كبيرا من أهميتها، عدا عن المواضيع المطروحة التي يرى البعض أنّ فيها الكثير من المبالغة.
تونس - تشهد المسلسلات التونسية التي يستمر عرضها خلال موسم رمضان الحالي، تراجعا على مستوى الكم والكيف، حيث لم تعرض القنوات هذا العام سوى مسلسلين دراميين إلى جانب عدد من السلسلات الهزلية.
العملان هما “فلوجة” و”جبل لحمر”، الأول للمخرجة سوسن الجمني. من بطولة ريم الرياحي وكوثر الباردي وشاكرة الرماح ونسيم بورقيبة، وتدور أحداثه في 20 حلقة، ولا علاقة له بمدينة الفلوجة العراقية، بل يتطرق إلى الحياة داخل المعاهد الثانوية التونسية وما يسودها من عنف ومخدرات وسلوكيات صادمة. وأثار المسلسل غضب شريحة واسعة من التونسيين من بينهم العاملون في القطاع التربوي والتعليمي وأئمة المساجد وأولياء التلاميذ.
أما مسلسل “جبل لحمر” فهو من إخراج ربيع التكالي، وبطولة فتحي الهداوي ونادية بوستة وأميمة بن حفصية ومرام بن عزيزة ودليلة مفتاح وخالد هويسة ونصرالدين السهيلي. وهو مسلسل اجتماعي، تدور أحداثه في 20 حلقة أيضا، في منطقة شعبية في العاصمة التونسية ترتفع فيها نسبة الجريمة والعنف. وهذا المسلسل أثار أيضا استنكارا واسعا مرده منسوب العنف والعلاقات الشائكة التي يتطرق إليها.
ومنذ مطلع الموسم الرمضاني، ندد العديد من النقاد والكتاب والمثقفين بمستوى الأعمال التونسية الذي يبدو أنه في تراجع مستمر منذ سنوات، حيث يطرح قضايا ومواضيع أساسها العنف والمخدرات والاغتصاب والعنصرية والتمييز على أساس جندري، لذلك كان من الضروري تقييم إنتاج العام الحالي للوقوف على أبرز النواقص وإيجاد حلول ومقترحات لتجاوزها.
في هذا السياق، اتفق عدد من المختصين والمهتمين بالدراما التلفزيونية على أن حرفة السيناريست غير متوفرة في الدراما التونسية وأن هناك غيابا للمعالجة الدرامية قبل كتابة السيناريو.
جاء ذلك خلال لقاء رمضاني نظمه بيت الرواية، كان عنوانه “كتابة السيناريو: إشكالات التلقي”، وأثثه كل من الأكاديمي والناقد أحمد القاسمي والكاتبة بلقيس خليفة والصحافي كمال الهلالي والمخرجان السينمائيان مراد بالشيخ وعبدالله الشامخ.
لاحظ الأستاذ أحمد القاسمي، في مستهل مداخلته، أن القنوات الخاصة تقدم مادة درامية “مبتذلة” باسم حرية التعبير الفني، لافتا إلى أن “الحرية لا تعني أن يقول المبدع أي شيء كما يريد هو”، بل هي تتيح له معالجة المسائل بعمق مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية العائلة التونسية في شهر رمضان.
ويرى القاسمي أن كتابة السيناريو تغيّرت اليوم على مستوى البنية الدرامية، إذ أصبحت الأحداث تتصاعد منذ الحلقتين الأولى والثانية، رغم أن الوظيفة الرئيسية للحلقات الأولى هي تقديم الشخصيات والأحداث.
وأضاف أن الأعمال الدرامية المعروضة غلبت عليها السطحية وغاب عنها العمق.
وعن موقفه من عدم اقتباس كتّاب السيناريو من الأعمال الروائية، أفاد القاسمي بأن الكتابة الأدبية في تونس كتابة تأملية لكنها غير مشهدية.
وأبرز المخرج مراد بالشيخ أن أغلب السيناريوهات المكتوبة للدراما التونسية لا تستجيب للمقاييس التقنية في كتابة السيناريو ولا تحتوي على أدنى مقومات كتابة السيناريو من حيث الشكل، مشيرا إلى أن السيناريو هو كتابة فنية مقننة ومدروسة وقائمة على نظام دقيق وآليات علمية محدّدة.
وأضاف “لا تستجيب معظم السيناريوهات المكتوبة لشروط كتابة السيناريو، حتى إن أغلب الأعمال الدرامية تمرّ إلى التصوير والسيناريو لم تنته كتابته بعد”.
ويرى بالشيخ أن السيناريست أو كاتب السيناريو أصبح لا يخاطر بجهده في البحث والكتابة لأكثر من سنة، ليُرفض عمله أو يحفظ في الرفوف.
وبخصوص عدم الاقتباس من الأدب التونسي أو العربي، يعتبر مراد بالشيخ أن الروايات ليست كلها ملائمة لتكتب للتلفزيون أو للسينما، وهي ليست كلها قابلة للتحويل المشهدي.
وتشير بلقيس خليفة إلى أن الممثل التونسي لا يمكنه أن يُبدي رفضه للسيناريو المعروض عليه لاعتبارات مهنية ومادية، “فهو العمل السنوي الوحيد له الذي يمنحه فرصة للظهور أمام ندرة الأعمال الدرامية”.
وقالت إن للقنوات الخاصة أغراضا تجارية بالأساس، لكن ينبغي عليها أيضا أن تراعي الخصوصية الثقافية والفنية.
ويعتقد الصحافي كمال الهلالي أن الأزمة الحالية للدراما التونسية تعكس أزمة على مستوى كتابة السيناريو وأخرى على مستوى المعالجة الدرامية قبل كتابة السيناريو.
ولتدعيم موقفه، أجرى الهلالي مقارنة بين كتابة السيناريو للأعمال الرمضانية الحالية والأعمال السابقة في الفترة التي سبقت الثورة، ليقول “كنا في الماضي نوجه النقد للكاتب علي اللواتي مثلا لأنه أهمل بعض الجوانب في السيناريو، لكن اليوم نتبيّن أننا أمام أزمة حقيقية في كتابة السيناريو”.
أما المخرج عبدالله الشامخ، فقد ذهب في مداخلته إلى الحيّز الزمني لكتابة السيناريو، قائلا إن كتابة السيناريو ينبغي أن تأخذ مساحة زمنية مهمّة قد تصل إلى ثلاث سنوات في بعض الأحيان، إذ على الكاتب أن يدوّن التفاصيل الدقيقة للعمل الدرامي ثم عليه القيام بمراجعات قبل بدء التصوير.
وذكر الشامخ أيضا أن كتابة السيناريو لا تتوقف عن الكتابة الأولى فحسب، بل يمكن أن تتغيّر أثناء التصوير وحتى أثناء مرحلة المونتاج. واعتبر أن الأزمة لا يمكن حصرها في مجال كتابة السيناريو فحسب، إذ من الممكن أن يكون السيناريو جيّدا، لكن قد يفقد بريقه أثناء التصوير أو أثناء المونتاج.
ولئن اختلف الحضور أثناء النقاش حول مسألة الحرية في الدراما الرمضانية بين موقف مؤيّد للحرية التامة وغير المشروطة وموقف يدعو إلى تقييد هذه الحرية لتتلاءم مع خصوصية شهر رمضان، فإن الإجماع حصل بخصوص غياب العمق الدرامي للأعمال على مستوى الشكل والمضمون، رغم أهمية القضايا المطروحة، فضلا عن غياب تصوّرات للنهوض بالدراما التونسية. كما تمّت الدعوة إلى تكثيف الورشات التدريبية حول كتابة السيناريو.