الدراما التركية امتداد لعقيدة "الأمن الجديد"

أردوغان متباهيا بالمسلسلات التركية: وسائل أكثر فاعلية من القوة العسكرية والتكنولوجية والمالية.
الخميس 2021/12/23
الانهيار يبدأ حين لا تجد مكانا تذهب إليه

"المسلسلات من ضمن الأدوات الثقافية التي تعتبر أقوى الأسلحة" كما أن “من يدير محتوى الإنترنت أكثر أهمية بكثير ممن يمسك القنبلة النووية”، كان هذا ملخص ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حديثه عن القوة الناعمة لبلاده التي اجتاحت أكثر من 150 بلدا حول العالم.

أنقرة- تباهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإنتاج تركيا من الدراما. وقال خلال مشاركته في مراسم توزيع جوائز الرئاسة في مجال الثقافة والفن في المجمع الرئاسي بأنقرة “في الماضي كانت القنوات التلفزيونية التركية تحت احتلال المسلسلات الأجنبية، ولكن الآن يتم تصدير المسلسلات التلفزيونية التركية إلى ما يقرب من 150 دولة”. وأضاف “نحن الدولة التي تصدر أكبر عدد من المسلسلات التلفزيونية بعد الولايات المتحدة”.

وأوضح أردوغان أن المسلسلات التركية التي تروي تاريخ تركيا وتنتج فيها دخلت منازل المليارات من الناس في أنحاء العالم.

وحققت المسلسلات التلفزيونية التركية نجاحا دوليا لسنوات، خاصة في دول البلقان والدول العربية، وروسيا والصين وكوريا وفي دول أميركا الجنوبية أيضا.

متين غوناي: لم نكن لنحصل على هذا التأثير ولو كنا أنفقنا المليارات على الدعاية

ويبدو أن الهدف المعلن القادم هو “غزو درامي” للولايات المتحدة، خاصة أنها تعد أهم سوق عالمي يبلغ تعداد سكانه 400 مليون نسمة وبالتالي تشكيل رأي عام أميركي ضاغط لفائدة السياسة التركية.

وأكد أردوغان “اليوم، أقوى الأسلحة هي الأدوات الثقافية مع الموسيقى والسينما والأدب والأزياء”، متابعا “ومن الحقائق الواضحة أن هذه الأدوات، التي نصفها بالقوة الناعمة، تتحول إلى وسائل تشغيل أكثر فاعلية من القوة العسكرية والتكنولوجية والمالية”.

كما أشار أردوغان إلى أن “من يدير محتوى الإنترنت، أصبح أكثر أهمية بكثير ممن يمسك القنبلة النووية”.

ويذكر أن المسلسلات التركية أصبحت “امتدادا دراميا لعقيدة اطلق عليها اسم الأمن الجديد”. وكان أردوغان قد كشف عن تلك العقيدة في مؤتمر لأكاديمية الشرطة في نوفمبر 2016، بعد 3 أشهر فقط من محاولة الانقلاب التي هزَّت البلاد. وجاء هذا الإعلان في وقت فوضوي، ولم يُحدث ضجة كبيرة لتركُّز الانتباه على التطهير الذي أعقب الانقلاب.

ويذكر أن معظم إنتاجات شبكة “تي.آر.تي” السابقة كانت مهتمة بإضفاء الطابع الأسطوري على الإمبراطورية العثمانية. واختار المسؤولون الأتراك بعدها التركيز على حكاية العصر الحديث لتركيا وليس ماضيها فقط.

ويقول خبراء إن العقيدة التي أعلن عنها أردوغان نفسها امتداد لدرس في كتب التاريخ للمرحلة الابتدائية يتذكره كل تلميذ تركي مفاده “أن انهيار الإمبراطورية العثمانية بدأ عندما وصلت إلى حدودها الطبيعية، ولم يكن لديها مكان تذهب إليه سوى الانفجار من الداخل”.

وعملت تركيا خلال العقد الماضي على إعادة الأمجاد العثمانية من خلال مسلسلاتها. وناقشت المسلسلات التركية عند بداية عرضها على الشاشات قضايا الحب لجذب المشاهدين، لتصل إلى تقديم رؤية مغايرة للتاريخ بتواطؤ رسمي، ثم تحولت في مرحلة أخرى إلى الحديث عن حاضر تركيا وتشكيله وفق رؤى خاصة لطبعها في أذهان الجمهور المتلقي.

وفي هذا السياق مثلا يندرج مسلسل الجاسوسية “المنظمة” الذي يروي “قصة أمة مجيدة تقلب الطاولة عندما لا تحب البطاقات التي يتم توزيعها، ووحدة استخبارات لا تقهر، تمتلك آلات حربية منتشرة في كل مكان، وعملاء يموتون من أجل وطنهم”، وكلها عناصر مُصممة لإثارة الجمهور الوطني؛ حيث تم تزيين العرض بعناية برسائل قومية، لكن بمسحة دينية ضئيلة.

والمسلسل ليس مجرد معارك تقليدية بالأسلحة النارية والانفجارات؛ بل إنه يضرب عصفورَين بحجر واحد، أولا كممارسة دعائية لعقلنة حالة استثنائية دائمة، وثانيا كدرس في الأيديولوجيا التي تُوجِّه الدولة التركية؛ حيث يصاحب كل ضربة لطائرة دون طيار إلقاء محاضرة عن مبادئ العلاقات الدولية.

تركيا عملت خلال العقد الماضي على إعادة الأمجاد العثمانية من خلال مسلسلاتها

وتقول القراءة الدرامية للمسلسل إن مثل هذه الدراما المليئة بالإثارة هي محور تركيز أحداث مسلسلات الجاسوسية المثيرة الذي يحكي عن وحدة النخبة في جهاز الاستخبارات الوطنية، وهم يحاربون الخطط الإمبريالية للهيمنة على العالم. وفي المسلسل عندما بدأ الأشرار في التغلب على البطل، ظهر البطل الحقيقي للرواية، وهو طائرة مسلحة دون طيار مزينة بالعلم التركي. ثم يظهر البطل وهو يقود سيارته عبر الكرة النارية لهجوم الطائرة.

ولم تكتفِ الطائرات دون طيار المنتجة محليا بإضفاء النجاح على صناعة الدفاع المحلية بفضل الانتصارات السريعة والقابلة للتسويق إلى حد كبير؛ بل إنها أصبحت أيضا محور سياستها الخارجية العسكرية.

وحسب القراءة الدرامية/ السياسية لمسلسل “المنظمة”، فإن الحفاظ على حالة استثناء دائمة يتطلب إنتاجا مستمرا للأعداء؛ حيث تُعد أعمال الدراما التركية فرصة ملائمة لحفر هؤلاء الأعداء في مخيلة الجمهور؛ فالمسلسل لا يخجل من تخيلاته المعادية للأجانب، ويرسمهم في أسوأ صورة ممكنة.

وتكشف الدراسات أن المخرجين والمنتجين الأتراك باتوا محترفين للغاية في تضمين المسلسلات الرسائل التي يريد أردوغان إيصالها إلى الرأي العام عموما، وقاعدته المؤيدة خصوصا، سواء في الداخل أو الخارج، بل تكشف أيضا أن قاعدته تعودت على التقاط تلك الرسائل بسهولة، بحيث تسعى بشكل تلقائي لإسقاط ما شاهدته في العالم الافتراضي على الأحداث الحقيقية التي تشهدها تركيا والمنطقة والعالم.

العقيدة التي أعلن عنها أردوغان نفسها امتداد لدرس في كتب التاريخ للمرحلة الابتدائية يتذكره كل تلميذ تركي مفاده "أن انهيار الإمبراطورية العثمانية بدأ عندما وصلت إلى حدودها الطبيعية"

وقال مخرج مسلسل “قيامة أرطغرل” التركي متين غوناي إن المسلسل أصبح من أهم أدوات نقل الثقافة التركية والتعريف بها. ولفت إلى أن موسيقى مقدمة المسلسل ارتبطت في أذهان الناس بالبطولات إلى “درجة أنها كانت دائمًا تسمع أثناء اعتصامات الشعب التركي خلال مناوبات حراسة الديمقراطية ضد الانقلابيين بعد محاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو 2016”.

وتابع “قمنا بالتعريف بتركيا بشكل جيد بواسطة المسلسل، ولم نكن لنحصل على هذا التأثير القوي حتى ولو كنا أنفقنا المليارات من  الدولارات على الدعاية لصالح تركيا”.

16