الدراما التاريخية التركية نقل للتاريخ أم تسويق ممنهج

أنقرة - بدأت القناة التركية الرسمية الأولى “تي أر تي 1” عرض مسلسل “محمد: سلطان الفتوحات” الذي يتناول حياة السلطان العثماني محمد الفاتح، وروجت له بحملة دعائية واسعة، ركزت فيها بالأساس على المنطقة العربية عبر احتفاءها بمشاركة الممثل السوري الشهير وذو القاعدة الجماهيرية المهمة، غسان مسعود.
وبدوره نشر مسعود، الفنان السوري العالمي، الذي يجسد شخصية الصحابي أبوأيوب الأنصاري، مقطعا مصورا بهذه المناسبة، مهنأ التلفزيون التركي على إنجاز المشروع الضخم.
مسعود، الذي اعتلى أعمالا سينمائية في هوليوود مثل “مملكة السماء” (بدور صلاح الدين الأيوبي) “وقراصنة الكاريبي”، رأى أنه “كان أمرا رائعا ومميزا أن أقدم شخصية الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري الذي نقل بشرى النبي محمد بفتح القسطنطينية”.
ووصف مسعود إنتاج مسلسل عن “السلطان العظيم محمد الفاتح الذي افتتح حقبة جديدة كحاكم وقائد قوي” بأنه “إنجاز رائع”، مؤكدا ضرورة “الاعتناء بالقادة الكبار على مر تاريخ الأمة الإسلامية”.
ويبدو جليا أن تركيا تستهدف من هذا العمل الدرامي الضخم، الجغرافيا العربية، حيث رصدت الآليات الإنتاجية والتسويقية اللازمة للترويج للعمل، الذي يندرج ضمن سلسلة المسلسلات التاريخية التي تهدف من وراءها إلى تعزيز شعبيتها والتسويق لصورتها كـ “قائدة” للعالم الإسلامي.
تركيا تستهدف من هذا العمل الدرامي الجغرافيا العربية، حيث رصدت الآليات اللازمة لترويج العمل
وما يبرر عدم اهتمامها بنقل التاريخ وتسليط الضوء على قادة إسلاميين عظماء، هو تناولها لسيرة السلطان محمد الفاتح في عمل تركي آخر لم يمض على عرضه سوى سنوات قليلة، حمل عنوان “بزوغ الامبراطورية: العثمانيون”، وهو متاح على منصة نتفليكس منذ 2020، من بطولة توبا بويوكستون وجيم يغيت أوزوموغلو. وعرض المسلسل في موسمين، يتكون كل موسم من ست حلقات، وهو من إخراج التركي إمري شاهين وكتبته كيلي ماكفيرسون. ويركز المسلسل أيضا على الإمبراطورية العثمانية ومحمد الفاتح ويحكي قصة فتح القسطنطينية.
والسلطان محمد الفاتح (1432 ـ 1481)، هو سابع سلاطين الدولة العثمانية، وشهد عهده فتوحات كبيرة، أبرزها فتح القسطنطينية (إسطنبول)، عام 1453، لكنه كان أيضا من أشد السلاطين بطشا حيث منح في مرسوم سلطاني أبناءه أحقية قتل بعضهم البعض من أجل الحكم.
وجاء في نص قانون “نامه”: “يمكن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء”.
وبحسب دراسة للباحث نافع شابو “فإنه عند دخول الجيش العثماني القسطنطينية، انتشر القتل في كل مكان منها، وكَثر النهب والاغتصاب، وانقلبت البسالة التي أبداها الجنود في الهجوم إلى تلذذ وحشي واستباحة مطلقة”، وهو ما يتفق مع عدد من الدراسات التي أكدت أن السلطان العثماني، قام أثناء فتح القسطنطينية، بقتل ملايين المسيحيين وبيع الآخرين في أسواق الرقيق، واغتصب جنوده النساء، وتم قتل آلاف الأطفال.
هل سيلتزم المسلسل التركي الجديد بنقل الحقائق التاريخية كما وردت في المصادر؟
وليس من المعروف بعد إن سيلتزم المسلسل التركي الجديد بنقل الحقائق التاريخية كما وردت في المصادر، أم أنه سيركز فقط على الجوانب الإيجابية في سيرة السلطان.
وتراهن أنقرة على مثل هذه الأعمال الفنية لإدراكها أنها سلاح، وقوة ناعمة قادرة على تعزيز شعبيتها في المنطقة العربية. وقال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، خلال الإعلان عن إطلاق مسلسل “محمد سلطان الفتوحات” إن نحو مليار شخص في أنحاء العالم يتابعون المسلسلات التي تنتجها بلاده، مشددا على أن هذه الانتاجات هي “جهدنا لمقاومة منظومة الاستعمار الثقافي والإمبريالية العالمية ومحاولات الإفساد الثقافي”.
ويدرك صناع الدراما والخبراء في المنطقة العربية خطورة ما تقوم به أنقرة منذ سنوات على الدراما العربية، وفي ندوة استضافها صالون نفرتيتي الثقافي في قصر الأمير طاز بمصر في الثاني عشر من هذا الشهر، شدد مهنيون وخبراء على أن الدراما التركية وكذلك الدراما الإيرانية التي تنتهج الطريق ذاته تشوه التاريخ العربي والمصري.
وفي الندوة التي حملت عنوان “الدراما التاريخية بين الواقع والخيال”، أكد الدكتور محمد عفيفي أن “الدراما التاريخية تؤثر في الناس وكثير منهم يعد أحداثها وقائع حقيقية في ظل أمية تاريخية كبيرة جدا”، مشيرا إلى أنه “من الطبيعي أن يستغل الكاتب الهامش المسكوت عنه في التاريخ لإضافة حبكة درامية مع الاحتفاظ بالحقائق الكبرى، لكن في ظل الأمية التاريخية قد يصدق الناس هذه الأحداث ويعتبرها حقيقة”.
ويذكر أن تركيا هي ثاني بلد مصدر للأعمال الدرامية بعد الولايات المتحدة، وقد وصلت عروضها لنحو 800 مليون مشاهد في أكثر من 150 دولة، وهو ما يفسر اهتمامها بالأعمال التاريخية التي تحيي أمجادها القديمة.