الدجاجة تبيض والديك يصيح

من يساعد "الساسي" وهو التعبير المعادل للفقير في تونس الذي يطلبون منه اليوم تناول حساء أرجل الدجاج المنبوذة في ثقافة الطعام العربية برمتها.
الخميس 2023/03/02
لا يمكن أن يغيّر الناس طباعهم الغذائية بسهولة

يقبل الناس في دول فقيرة من العالم بشراهة على تناول أرجل الدجاج، وتحظى وصفات كثيرة معدة من أرجل الدجاج بشعبية كبيرة في المكسيك وبيرو وجامايكا، ويتناولها الصينيون بكثرة لاعتقادهم أنها إكسير للشباب.

لكن في تقاليد معظم المجتمعات العربية وثقافتها الغذائية اليوميّة، لم يكن مصير أرجل الدجاج إلا القمامة، ولا يمكن أن يغيّر الناس عاداتهم وطباعهم الغذائية بسهولة، فيتقبلون فكرة حضور هذه الأجزاء المنبوذة من الدجاج على موائدهم.

غير أن المكونات الغذائية “السحرية” في أرجل الدجاج يبدو أنها قد لفتت أنظار الكثير من الحكومات العربية الغارقة في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، فبدأت في تطبيق النسخة العربية لـ”نظرية التحفيز” على تناول أرجل الدجاج، وجعل هذا الجزء الذي يشعر الناس حياله بالتقزز، طعاما جذّابا، بل خارقا من الناحية الغذائية وكذلك رؤوفا بالميزانية الاقتصادية للدول والعائلات.

أثارت أرجل الدجاج ضجيجا لم ينته صداه بعد على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تعمّد المعهد القومي للتغذية في مصر نشر صورة مفبركة لنجم كرة القدم البرتغالي ولاعب نادي النصر السعودي كريستيانو رونالدو والابتسامة تعلو محياه وهو يستعد لتناول طبق من “أرجل الدجاج”، قبل أن يحذف المعهد الصورة لاحقا.

الصورة الأصلية لرونالدو منشورة منذ العام 2016 على موقعه الرسمي في إنستغرام، وتظهره وهو يستعد لتناول شرائح من صدور الدجاج مع بعض الخضروات، وليس شوربة أرجل الدجاج.

بدلا من أن تكون هذه الصورة دافعا لتغيير النزعة الاستهلاكية للشعوب العربية أصبحت مدعاة للسخرية، من السياسات التحفيزية المبنية على المغالطات، لحث الناس على اتباع سلوكيات أو ممارسات معينة كثيرا ما تفشل فشلا ذريعا.

تكمن المشكلة في أن واضعي السياسات في بعض الدول العربية يتبنون معتقدات عفا عليها زمن الإنترنت للتغطية على سياساتهم الفاشلة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ولا يدركون أن شعوبهم تعيش في قرية رقمية مفتوحة على العالم بمنتجاته وابتكاراته، وتفكر بطريقة متعددة الثقافات.

لطالما عول خبراء الإعلان وواضعو الأهداف الاقتصادية على السياسيات التحفيزية في التأثير على خيارات الناس، من أجل هدف مفيد بالضرورة وأقل كلفة على الدول.

وفي حقيقة الأمر، لا تنجح أي سياسية تحفيزية إلا عندما تقدم للناس بطريقة ذكية وتكون مقنعة من أجل الالتفات لها، لكن الكثير من الحكومات ومستشاريها لطالما وقعوا في الأفكار الساذجة والمتناقضة إلى درجة انعكست عليهم بالسخرية ولم يستصغها الناس.

مثل هذا الأمر لا يقتصر على بلداننا العربية، فقد لاقت حملة رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بشأن الحد من انتشار البدانة بفرض قيود على محلات السوبر ماركت بشأن العروض المخفضة على الوجبات السريعة، سخرية انعكست على الحملة، فالحكومات لا يمكن أن تمارس دور الأمهات، والشعوب ليسوا بمراهقين لم يبلغوا سن الرشد لتلك الأمهات.

قوبلت حملة مكافحة السمنة بجملة شهيرة سبق وأن أطلقتها رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر تقول “الدجاجة تبيض والديك يصيح” في دلالة على أن الحكومات بحاجة إلى المنتج وليس الصياح المزعج والفارغ، وهذا ما ينعكس على الدعوات البليدة للحكومات التي تريد إقناع شعوبها بطبخ أرجل الدجاج بطريقة شد البطون. فمن يساعد “الساسي” وهو التعبير المعادل للفقير في تونس الذي يطلبون منه اليوم تناول حساء أرجل الدجاج المنبوذة في ثقافة الطعام العربية برمتها.

18