الدبيبة يواصل الاستفادة من غموض الموقف الدولي بشأن مصير حكومته

يمثل غموض الموقف الدولي من مصير حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها هدية لرئيسها عبدالحميد الدبيبة الذي يسعى للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وذلك بعد رفضه تسليم الحكم إلى الحكومة الجديدة التي كلفها البرلمان برئاسة فتحي باشاغا.
طرابلس- يستمر الجمود السياسي في ليبيا بعد فشل رئيس حكومة الاستقرار الوطني فتحي باشاغا في دخول العاصمة طرابلس وتسلم الحكم من رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي يستفيد كثيرا من غموض الموقف الدولي بشأن حكومته.
وكشف باشاغا في حوار بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ليل الأحد عن مفاوضات مع الميليشيات من أجل دخوله طرابلس، لكن ذلك يبدو صعب المنال خاصة أن خصمه يستغل إلى حد الآن ضبابية موقف القوى الدولية من أزمة السلطة التنفيذية والذي عكسه بيان الدول الغربية الخمس الأخير.
وحمل البيان المشترك الذي أصدرته الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا بشأن تحديد شرعية الحكومة الليبية والمؤسسات التي تحق لها قيادة العملية الانتخابية رسائل متباينة المعاني، إلى درجة أنها دفعت حكومتي الدبيبة وباشاغا إلى الترحيب به.

فتحي باشاغا: المجموعات المسلحة في طرابلس تعرف أن الحكومة آتية آتية
وحاول الدبيبة وباشاغا قراءة البيان من الجانب الذي يخدم وجهة نظر كل منهما ويدعم شرعيته.
ويعكس ذلك رغبة الدول الخمس في إمساك العصا من الوسط وعدم حرق جميع أوراقها بالتخندق في صف أي طرف.
وبينما أبدى الدبيبة ارتياحه “لتوافق البيان مع الموقف الأممي الذي حسم مسألة استمرار عمل الأطراف الليبية”، رحب باشاغا بفقرة تتحدث عن الدعوة إلى “حكومة ليبية موحدة قادرة على الحكم وإجراء الانتخابات في جميع أنحاء البلاد”، معتبرا أن حكومته هي التي تتوفر فيها هذه الشروط.
ومما لا شك فيه أن بيان الدول الغربية الخمس، الصادر في الرابع والعشرين من يونيو الجاري، حسم النقاش بشأن مطالبة باشاغا الأمم المتحدة بالاعتراف بحكومته، بحجة انتهاء المرحلة الانتقالية التي حددتها خارطة الطريق في الثاني والعشرين من يونيو، وتأكيد الدبيبة عدم تسليمه السلطة إلا لحكومة منتخبة.
وأوضح البيان أن خارطة الطريق حددت انتهاء المرحلة الانتقالية في الثاني والعشرين من يونيو، بشرط إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، وهو ما لم يتم.
وهذا الموقف يعني شيئا واحدا؛ الاستمرار في الاعتراف بشرعية حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، ورفض طلب باشاغا، لأن تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية مرتبط بإجراء الانتخابات.
ويتماهى هذا الموقف مع ما أعلنته الأمم المتحدة قبل ذلك؛ حيث رفضت “محاولات التلاعب السياسي” بخارطة الطريق، فالموقف الأممي مدعوم بالدول الغربية الخمس المعنية بالملف الليبي، ويؤكد استمرار اعترافها بشرعية حكومة الدبيبة.
وباستثناء مصر، لا توجد أي دولة أخرى أعلنت عدم اعترافها بحكومة الدبيبة ابتداء من الثاني والعشرين من يونيو.
ورغم اعتراف الدول الخمس بشرعية حكومة الدبيبة دون مواربة، إلا أن هذا الاعتراف مؤقت، بحسب ما ألمح إليه البيان المشترك عندما تحدث عن “الحاجة إلى حكومة ليبية موحدة، قادرة على الحكم وإجراء هذه الانتخابات في جميع أنحاء البلاد”.

خالد المشري يقر بأن حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا لا تستطيعان إجراء الانتخابات، وأنه مع الحكومة التي تستطيع إجراءها
ولا تتوفر هذه الشروط في حكومة الدبيبة، لأنها لم تعد تحظى بتوافق بين الشرق والغرب، خاصة بعدما منح مجلس النواب في طبرق حكومة باشاغا الثقة بدعم من قائد الجيش المشير خليفة حفتر، قائد قوات المنطقة الشرقية.
وانحصرت سيطرة حكومة الدبيبة في العاصمة طرابلس وأجزاء من المنطقة الغربية، ما يجعلها غير قادرة على إجراء هذه الانتخابات “في جميع أنحاء البلاد”.
ودفع ذلك باشاغا إلى التركيز على الفقرة سالفة الذكر والتأكيد على أن حكومته هي المعنية بها، لأنه يحظى بدعم من الشرق والغرب ويرى أنه قادر على إجراء الانتخابات “في جميع أنحاء البلاد”.
لكن جناحا قويا في المنطقة الغربية -يضم كتائب عسكرية وأحزابا سياسية وشخصيات لها ثقلها- يرفض فكرة أن يقود باشاغا البلاد.
وجعل ذلك باشاغا شخصية جدلية قد لا تنطبق عليها الشروط التي حددتها الفقرة السابقة من بيان القوى الدولية الخمس، ما يرجح أن البيان يلمّح إلى إمكانية تشكيل حكومة جديدة ليس على رأسها الدبيبة أو باشاغا.
ويدعم ذلك رفض البيان “بشدة الإجراءات التي قد تؤدي إلى العنف، أو إلى المزيد من الانقسامات في ليبيا، مثل إنشاء مؤسسات موازية، أو أي محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة”.
وقال باشاغا ليل الأحد “نتفاوض الآن مع مجموعة مسلحة أو مجموعتين في طرابلس للانضمام إلى الحكومة والمشاركة، وهم يعرفون أن الحكومة آتية آتية”.
وتابع “طلبنا من قادة كتائب ونخب سياسية الانضمام إلينا والمشاركة والاندماج”، واستدرك قائلا “لكن طريقنا يجب أن يكون طريق الدولة وليس طريق الميليشيات أو القوى الموازية أو الفساد”.
سيطرة حكومة الدبيبة انحصرت في العاصمة طرابلس وأجزاء من المنطقة الغربية، ما يجعلها غير قادرة على إجراء هذه الانتخابات في جميع أنحاء البلاد
وأشار بيان القوى الغربية إلى رفضه القاطع لأي جهة ترفض “الانتقال السلمي للسلطة إلى هيئة تنفيذية جديدة، يتم تشكيلها من خلال عملية شرعية وشفافة”.
وتعد هذه الفقرة تحذيرا واضحاً للدبيبة من عدم تسليم السلطة إلى أي حكومة جديدة يتوافق عليها مستقبلا المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب.
وليس بالضرورة أن يكون المقصودُ بـ”الهيئة التنفيذية الجديدةِ” حكومةَ باشاغا، خاصة وأن خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) أول من طرح فكرة تشكيل حكومة مصغرة تتولى التحضير للانتخابات المقبلة، بديلا عن حكومتي الدبيبة وباشاغا.
ويقرّ المشري بأن حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا لا تستطيعان إجراء الانتخابات، وأنه مع الحكومة التي تستطيع إجراءها.